تركيا تفتعل قضية تجسس للتغطية على نكسات أردوغان

أجهزة أردوغان تعلن اعتقال اثنين بتهمة القيام بعمليات تجسس، زاعمة في قضية تجمع كل المؤشرات على أنها مختلقة، أن أحدهما على صلة محتملة بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

أجهزة أردوغان تحاول عبثا الزج باسم الإمارات في القضية المفتعلة
القضية المفتعلة محاولة لترسيخ نظرية المؤامرة لتبرير النكسات السياسية والاقتصادية
تركيا تثير قضية خاشقجي للقفز على نكسة انتخابية وأزمة اقتصادية
أنقرة دأبت على افتعال 'حدث' كلما واجهت أزمة داخلية للفت الأنظار عنها
إعلان القبض على 'جاسوسين' يتزامن مع انهيار قياسي لليرة وتعثر الاقتصاد
أنقرة تسعى لإبعاد الأضواء عن الانتكاسة الاقتصادية والسياسية تحت حكم أردوغان
معالجة سعودية قانونية قوضت الجهود التركية لتدويل قضية خاشقجي

أنقرة - أعلنت تركيا اليوم الجمعة في غمرة نكسة الانتخابات البلدية التي مني بها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، اعتقال اثنين يشتبه في قيامهما بأعمال تجسس، مشيرة إلى أن أحدهما ربما يكون مرتبطا بجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ويشير هذا الإعلان في توقيته ومضامينه والادعاء بوجود صلة محتملة مع مقتل خاشقجي إلى تحرك تركي محموم للقفز على الهزيمة المذلّة للحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان ويشير أيضا إلى استدعاء عن نيّة مبيّة لقضية خاشقجي بعد أن خفت ضجيجها بإعلان السعودية حزمة إجراءات صارمة وضعت القضية في مسارها القانون وحالت دون الجهود التركية لتدويلها.

وأنهت المعارضة التركية 16 عاما من هيمنة الحزب الإسلامي المحافظ على أهم مدينتين (أنقرة واسطنبول) في الانتخابات المحلية الأخيرة، لتشكل بذلك مسارا جديدا يؤسس لإصلاح حقيقي يقطع مع إعلانات أردوغان الدعائية والشعبوية.

وحاول الرئيس التركي على مدى الأشهر الأخيرة من العام الماضي استخدام ورقة مقتل خاشقجي للضغط على الرياض ضمن توظيف سياسي ومحاولات ابتزاز مكشوفة، دون جدوى.

وأعادت تركيا اليوم الجمعة إثارة القضية مجددا في محاولة لاستثارة اهتمام الرأي العام وتحويل اهتمام الصحافة المحلية والدولية عن الوضع المتأزم في تركيا سياسيا واقتصاديا، إلى قضية خاشقجي التي هدأ ضجيجها منذ أشهر. كما حاولت الزج باسم الامارات في قضية التجسس المزعومة حيث أشارت وكالة الأناضول المقربة من الحكومة إلى أن المعتقلين يحملان الجنسية الاماراتية ووذكرت أن المحكمة أمرت بحبس الموقوفين على ذمة التحقيق بتهمتي "التجسس السياسي والعسكري" و"التجسس الدولي"، لكن مصادر قالت إن الاثنين الذين اعتقلتهما السلطات التركي هما سامر سميح شعبان
وزكي يوسف حسن وهما فلسطينيان.

سياسات اردوغان تدخل تركيا في نفق مظلم
تركيا تداري نكسات اردوغان بافتعال الأزمات

وتشير كل المؤشرات إلى أن السيناريو محبوك ومنجز مسبق في هذا التوقيت، حاولت فيه أجهزة أردوغان الزج باسم الإمارات في القضية المفتعلة لاعتبارات سياسية على اعتبار أن أبوظبي حليفة الرياض في مقاطعة قطر حليفة تركيا.

وفي دلالة على اختلاق هذه القضية ومحاولة تمريرها سريعا وخلق هالة اعلامية، أحالت السلطات التركية سريعا القضية المختلقة إلى الجهاز القضائي.

وتحركت أنقرة أيضا لإبقاء الضوء مسلطا على هذه القضية تحديدا للتغطية على مشاكل داخلية يتصدرها انهيار الليرة وتعثر الاقتصاد وسوء الادارة وتدخلات الرئيس التركي لتطويع الهيئات النقدية في بلاده خاصة البنك المركزي في الوقت الذي اهتزت فيه شعبيته متأثرة بعجزه عن معالجة الأزمة الداخلية السياسية والاقتصادية وفشل حكومته في وقف نزيف العملة الوطنية.

وكان لافتا أن الحكومة التركية بقيادة الإسلاميين تتعمد في كل مرة تواجه فيها أزمة داخلية، افتعال قضية واهية لإلهاء الرأي العام التركي ودفعه للانشغال في قضايا جانبية معظمها مفتعلة على غرار ما حدث سابقا مع الملف السوري وقضية القس الأميركي أندرو برونسون والأزمات مع الاتحاد الأوروبي في قضايا الهجرة ومفاوضات الانضمام للاتحاد.

وتزامن إعلان أنقرة عن اعتقال "مشتبه" فيهما بتهمة التجسس مع انهيار جديد في قيمة الليرة التركية ومع تقرير نشرته صحيفة تايمز البريطانية رسمت فيه صورة قاتمة للاقتصاد التركي، ما أثار غضب أردوغان الذي زعم أن هناك حملة تشويه دولية تسعى لإظهار أن الاقتصاد التركي في حالة انهيار.

وعلى وقع الأزمات السياسية والاقتصادية، وهي برأي محللين، نتاج طبيعي لسياسات الرئيس التركي الذي سخّر كل امكانيات الدولة لتعبيد الطريق لحكم فردي، لم يجد أردوغان أفضل من الترويج لنظرية المؤامرات الخارجية للتغطية على اخفاقاته، ما دفعه الأربعاء لتوصيف تقرير صحيفة التايمز البريطانية عن وضع الاقتصاد التركي في ظل حكمه بأنه حملة تشويه. وقبلها فسّر انهيار قيمة الليرة بتآمر خارجي يستهدف تقويض الاقتصاد التركي.

ولا تخرج قضية التجسس المفتعلة عن هذه السياقات حيث تسعى أجهزة أردوغان لترسيخ نظرية المؤامرة لتبرير النكسات السياسية والاقتصادية التي تشهدها تركيا منذ وصول الرئيس التركي للرئاسة منذرة بالفعل بدخول تركيا في دوامة أزمات داخلية تضاف إلى الأزمات الدبلوماسية التي فجرها الرئيس التركي على أكثر من جبهة.

الرئيس التركي الذي سخّر كل إمكانيات الدولة لإحكام قبضته على السلطة لم يجد أفضل من الترويج لنظرية المؤامرات الخارجية للتغطية على إخفاقاته السياسية والاقتصادية

وقال مسؤول تركي كبير اليوم الجمعة إن سلطات بلاده ألقت القبض على اثنين من عناصر المخابرات اعترفا بالتجسس على رعايا عرب وإنها تحقق في ما إذا كان قدوم أحدهما إلى تركيا مرتبطا بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وذكر المسؤول أن أحد الرجلين وصل إلى تركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بعد أيام من مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، مضيفا أن الآخر جاء لتخفيف عبء العمل عن زميله.

وقال "نحقق فيما إذا كان وصول الشخص الأول إلى تركيا مرتبط بقتل جمال خاشقجي"، مضيفا أنه كان موضوعا تحت المراقبة خلال الأشهر الستة الأخيرة.

وتابع "من المحتمل أنه كانت هناك محاولة لجمع معلومات عن عرب، بينهم معارضون سياسيون يعيشون في تركيا".

وتحاكي هذه الادعاءات سيناريو التسريبات الإعلامية التي رافقت مقتل خاشقجي وأبقت الأضواء مسلطة عليها لأشهر في عملية مدروسة تستهدف الهاء الرأي العام التركي عن القضايا والأزمات الداخلية.

وبحسب السلطات التركية ألقي القبض على الرجلين في اسطنبول يوم الاثنين في إطار عملية لمكافحة التجسس وصادر مسؤولون أتراك جهاز كمبيوتر مشفرا كان في جزء خفي في مقر شبكة التجسس، بحسب وصف المسؤول المحلي.

وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه إن تصريحات الرجلين توحي بأن عمليتهما كانت تستهدف سياسيين يعيشون في الخارج وطلابا.

وكان يفترض بالمنطق القانوني والدبلوماسي أن يكون هناك تعاون تركي مع السلطات السعودية لاستكمال التحقيقات والإجراءات في مقتل خاشقجي ومدّ الرياض بكل ما توفر من معلومات وأدلة، لكن الحكومة التركية أبقت على هذه القضية كورقة تستخدمها كلما تتطلب الأمر ذلك للتغطية على أزمات داخلية و لتوظيفها سياسيا.