تركيا تنفتح بعد الزلزال على أكثر من أزمة

تقديرات أولية تشير إلى أن خسائر الاقتصاد التركي جراء الزلزال قد تبلغ 85 مليار دولار وأن عجز الموازنة قد يقفز من 3.5 بالمئة إلى 5.4 بالمئة.
سجال مبكر بين المعارضة وحزب أردوغان
ارتدادات سياسية متوقعة لأعنف زلزال ضرب تركيا

أنقرة - بمجرد أن يهدأ ضجيج حصر عدد الضحايا ويستقر رأي السلطات على إزالة ركام أسوأ زلزال يضرب البلاد وحصر الخسائر الاقتصادية للكارثة التي جاءت بينما تستعد تركيا للانتخابات التي قدم الرئيس التركي موعدها من يونيو/حزيران إلى مايو/ايار القادم، سينفتح المشهد السياسي التركي على أكثر من أزمة سياسية ومالية وسط سجالات بدأت مبكرا بين المعارضة التركية والحكومة التي تحاول لملمة فضيحة الانهيارات غير المفهومة لآلاف المباني بينما بقيت أخرى مجاورة لها صامدة، ما يعني وجود مخالفات واسعة لمعايير البناء خاصة في مناطق بلدية يديرها مسؤولون من حزب العدالة والتنمية الحاكم.

سارع الرئيس التركي للرد على هجوم معارضيه بأن اتهمهم بالكذب ومحاولة تشويه سمعة الحكومة وقد يكون مصيبا في جزء من رده لجهة استثمار المعارضة للكارثة لأغراض سياسية، لكن لم يعد من الممكن للحكومة أن تداري فشلها أيضا في التعامل البطيء مع الزلزال والتأخر في التدخل.

وتقول مصادر محلية إنه كلما كان التدخل سريعا في مثل هذه الكوارث كلما كان من الممكن إنقاذ المزيد من الأرواح، لكن بطء التحرك تسبب في مقتل الآلاف تحت الأنقاض بعضهم بقي لأكثر من يوم تحت الأنقاض في بعض المناطق لم تصلها فرق الإنقاذ إلا بعد فوات الأوان.  

ولم يقتصر الأمر على هذا الجانب فقط، فللكارثة التي حلت بتركيا في وقت يبدو غير مناسب لأردوغان وحزبه، تداعيات اقتصادية خطيرة ستكلف خزينة الدولة عشرات مليارات الدولارات.

وتكابد حكومة الرئيس أردوغان منذ فترة طويلة للخروج من حالة الركود الاقتصادي ومعدل تضخم بلغ مستويات قياسية وعملة ضعيفة بالكاد تغادر مربع الاضطراب حتى تعود إليه مجددا.

ويبدو أن فاتورة الزلزال ستكون مكلفة سياسيا بالنسبة لأردوغان وحزبه وقد تقوض أشهر من الدعاية الانتخابية والبيانات الوردية لوضع يبدو قاتما .

وبحسب تقديرات أوردها اتحاد الشركات والأعمال التركي اليوم الاثنين، فإن حجم خسائر اقتصاد تركيا جراء زلزال كهرمان مرعش بجنوب البلاد قد تزيد عن 84 مليار دولار أو 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي موزعة بين 70.8 مليار دولار حجم الأضرار التي لحقت بالمباني السكانية و10.4 مليار دولار في الدخل القومي.

وقدّر أيضا أن حجم الخسارة في القوى العاملة التركية قد يكلف البلاد أدنى قليلا من 3 مليارات دولار بسبب الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والطرق وشبكات الكهرباء والمستشفيات والمدارس.  

وسيرتد حجم الخسائر عجزا كبيرا في الموازنة التركية ليرتفع من 3.5 بالمئة إلى 5.4 بالمئة حسب التقديرات الأولية.

وهذه الحصيلة الثقيلة لا يمكن أن ينظر إليها بمعزل عن مشهد سياسي ملتبس قد يزداد قتامة مع حالة الشدّ والجذب بين الحزب الحاكم والمعارضة، بينما يشحذ كل منهما سكاكينه السياسية استعدادا للانقضاض على الآخر.

ومع أن الوضع الكارثي الذي باتت فيه تركيا في ظل مأساة إنسانية قبرت خلالها عائلات بأكملها تحت الأنقاض وتشردت معها آلاف العائلات، قد لا يسمح بالخوض في سيناريوهات ما بعد الزلزال وارتداداته السياسية، إلا أن السجالات الأخيرة بين الرئيس أردوغان ومعارضيه تشير بكل وضوح إلى مواجهة محتدمة ستشكل تبعات الزلزال مادة خصبة لها.

ومع تبادل الطرفين اتهامات كان آخرها اتهام حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض في تركيا لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالاستيلاء على المساعدات التي تبرع بها مواطنون وتوظيف ذلك انتخابيا عبر الاحتيال من خلال وضع ملصقات للحزب على صناديق التبرعات، تستعد البلاد لدخول مرحلة جديدة في قادم الأيام.

وفي ظل الوضع الكارثي أعلن الرئيس التركي حالة الطوارئ وقد يتعلل بذلك لتأجيل الانتخابات وهو سيناريو وارد جدا خاصة بعد تعرضه لانتقادات حادة عمقت متاعبه ودفعت شعبيته مجددا لمستويات دنيا.

وقبل الزلزال كان أردوغان يقاوم بشدة لاستعادة ثقة الناخبين وبالفعل استطاع ترميم بعض من شعبيته عبر إجراءات اجتماعية يصفها معارضوه بـ"الخادعة"، لكن الكارثة الأخيرة نسفت كل تلك الجهود وأعادته للمربع الأول.

وتعتقد مصادر محلية وغربية أن الوضع الراهن لما بعد الزلزال لن يخدم أردوغان وحزبه انتخابيا وأنه قد يستخدم مجددا صلاحياته الدستورية لإرجاء الاستحقاق الانتخابي.