تزييت عجلات السرد في ملتقى الرواية

خليل صويلح يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت مدماكًا لترميم الخطاب الروائي بمذاقٍ آخر.
سمر نور: لم يكن لديَّ ما أفعله سوى القراءة
لينا هويان الحسن: الكتابة هي حياتنا التي نعيشها عن اختيار، ونعيش نقيضها، عندما نعود إلى تاريخنا الشخصي المتواري في كل شيء فينا

في شهادته الأدبية التي جاءت بعنوان " فضاء افتراضي لتزييت عجلات السرد" قال الكاتب خليل صويلح – في الجلسة التي ترأسها الكاتب الحبيب السالمي بملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي -: أن تكتبَ روايةً عن شوارع اليوم بكل عنفها وصخبها وغرائزها، دون أن تشتبك مع وسائل الميديا الجديدة بوصفها عناصر مؤثرة في أفعال شخصيات الرواية، كمن ينتظر عبور قطار على الفحم في محطة مترو. 
وأوضح أنه لا مناص إذًا، من اقتحام الفيسبوك أو تويتر، أو الماسنجر، المتن الروائي لتزييت عجلات السرد بوقائع ومنعطفات تختزل المسافة بين الشخصيات، لجهة التلاقي أو الافتراق، وكأن مواضع الحب والعشق والشوق واللهفة لا تكتمل إلا باستخدام هذه الوسائل، وتاليًا ضرورة الانتباه إلى آليات السرد لجهة الكثافة والاختصار في استدراج الجملة البليغة والمراوغة والمشاغبة لصوغ إيقاع متوتر وخاطف، والحال. 
ورأى صويلح أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت مدماكًا لترميم الخطاب الروائي بمذاقٍ آخر، ينطوي على لحظة عولمية راهنة تستدعي معجمًا مختلفًا في تأثيث السرد. واستشهد بروايته "اختبار الندم" وبتأثير الفيسبوك في المقام الأول، سيتعرَّف الراوي على أسمهان مشعل افتراضيًّا بوصفها شاعرة صوفية، ولكنه حين يلتقيها واقعيًّا بعد خمس سنوات، سيكتشف بأنها تكتب باسم مستعار، وأن اسمها الحقيقي هو آمال ناجي، وستتكفَّل الدردشات اللاحقة بينهما بانخراطها في نصٍّ آخر. نصٌّ حسِّي مكشوف يحمل وجعًا حقيقيًّا، ومكابدات جسد معذَّب ومحروم، أطاح معجم التصوُّف من جذوره. 
وأتبع: من ضفة أخرى ستبزغ شخصية نارنج عبد الحميد بمرآتين مختلفتين، قبل أن تتوضَّح صورتها عبر دردشات ليلية على الماسنجر، دردشات ستردم المسافة بينهما، بإزاحة غطاء الرأس عن أذن مشوَّهة بعد خروجها من المعتقل بحادثة اغتصاب، وسأستعين بجمل شعرية كنت تلقيتها من صديقات افتراضيات وبزجِّها في المتن الروائي، كما سأعود إلى صفحة سينمائية شابة انتهت إلى الانتحار، لاستثمار بعض كتابتها في تظهير صورتها النهائية. هكذا وجدت في الرسائل الشخصية والاعترافات وشكوى الفقدان فضاءً روائيًّا موازيًا، أو مادةً خام لتطريز اللغة بحرير اللحظة الراهنة وجحيمها بآنٍ واحد.
الكاتبة ربيعة ريحان تعترف في شهادتها الأدبية بأن أول خطوة باتجاه الرواية كانت "طريق الغرام". وتوضح أن كل ما كتبته (سبع مجاميع قصصية)، لم تكن التكنولوجيا إلهامًا يؤثث للتجربة.
وقالت: كنت أستعمل الورقة والقلم لتنهض الأصوات والتصورات والأفكار. المعلومات المخزنة التي تخلط ويعاد خلطها جيدًا، من العشوائية إلى التسلسل إلى الرسائل الغرامية، عزلتها تقنيات التواصل، واكتملت دائرة التجربة الافتراضية، لتصبح عالمًا مفتوحًا على كل الاحتمالات. تضافر الخيال والتجربة والتناص.
من هذا المنطلق – تقول ريحان - يمكن النظر إلى "طريق الغرام" من زاوية تأنيث الفضاء الإلكتروني، باعتباره امتدادًا لذات البطلة، تُمارس فيه سلطة الحضور الحر، والملكية الخاصة، في غرفة خاصة لا يمكن لأحد أن يلجها سواها.
ووفق ذلك أتصور أنه منظور متطوِّر ومتجدد، يسعى إلى البحث المستمر عن تقنيات سردية جديدة، ويطمح إلى تجريب أشكال تعبيرية حداثية... مثالية الافتراضي من خلال رسائل منعشة، واسترجاعات الواقع المر. 
هذه المزاوجة تفضي إلى جوار بين الافتراضي والواقعي، بل وتعلن عن انتصار الافتراضي عليه، وبالتالي انتصار إرادة الحياة في "طريق الغرام".
وتقدم الكاتبة سمر نور "علامات استفهام بلا أجوبة" وتقول: لم يكن لديَّ ما أفعله سوى القراءة، طفلة هادئة بصوت خافت لا يُسمَع في كثير من الأحيان، تعشق القراءة والسينما، وتواظب على برنامج الطفل في قصر السينما كل يوم سبت وتزور مكتبة القصر قبل عرض الفيلم وبعده. في المرحلة الإعدادية صرت أختار كتبي بنفسي، خمسة كتب أستبدلها كل أسبوع من مكتبة النعماني بسور السيدة زينب، بالقرب من مدرستي، كتب المغامرات ومجلات الأطفال مع قصص تشيكوف ويوسف إدريس وروايات تشارلز ديكنز وتولستوي، مع سلسلة عالم المعرفة، كتب لا تشي بالمرحلة العمرية التي أمرَّ بها، كان صاحب المكتبة يعتقد أني أستبدل الكتب من أجلي أنا وإخوتي وأنهم بالتأكيد أكبر مني عمرًا، وكان يرشح لي أعمالاً في بعض الأحيان، مع الوقت أيقن أن تلك الصغيرة تلتهم الكتب بمفردها، حتى وإن لم تكن تعي كل الأفكار التي بين السطور، إلا أن تأثيرها في الروح والوجدان لا ينمحي، لكنه لم يكن يعرف أن الصغيرة تكتب القصص أيضًا منذ كانت في العاشرة، وأنها انتهت من أول رواية قصيرة وهي في الثانية عشرة من عمرها.

وتضيف سمر نور أن البدايات الطفولية كانت متأثرة بما يهتم به من حولي، فكانت أول قصصي عن النوبة من خلال حوار بين جد متخيل وطفلة في طريق عودتهما إلى النوبة القديمة، بحكم انتمائي إلى عائلة نوبية مقيمة في القاهرة، وانشغال أبي الراحل بتلك القضية، وكانت أولى رواياتي عن القضية الفلسطينية، حيث كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ما زالت مشتعلة في أوائل التسعينيات مع تفتح وعيي، وظل هذا الانشغال معي لسنوات حتى إن أول قصة نشرت - وفازت بجائزة نجيب محفوظ في نادي القصة المصري، في آخر أعوام دراستي الجامعية - كانت نابعة من القضية الفلسطينية بنفس الأسلوب الرومانسي. 
وأوضحت نور أنها اعتمدت على التجريب، والانشغال باللغة في حد ذاتها، كأنها هدف مستقل وليست مجرد وسيلة، حتى إن البعض كان يرى في بداياتها، أنها أقرب إلى كتابة الشعر، وهذا ما تجلَّى في مجموعتها القصصية الأولى "معراج"، وبشكل أقل في مجموعتها الثانية "بريق لا يحتمل"، لكن حين كتبت روايتها الأولى "محلك سر" كانت قد بدأت مرحلة جديدة، ولغة مختلفة. 
وقالت: في شهادتي أتقصى تلك المسافة بين أول رواية قصيرة كتبتها وأنا في الثانية عشرة من عمري، وبين آخر رواية أكتب في نهايتها وأنا في الثانية والأربعين، وما بينهم من محطات، وأقف تحديدًا عند روايتي "محلك سر" و"الست". وأحاول تقديم قراءة لكتابتي في ظل تنامي الوعي وتغير علاقتي بالقارئ المفترض، والتحولات التي أحاطت بفكرة الكتابة وعلاقتها بطبيعة العالم الذي نعيش فيه.
وعن تجربتها الشخصية في الكتابة قالت الكاتبة لينا هويان الحسن: عندما تزعزعنا أيدي الذاكرة الصلبة، نكتب. نرضخ لحالة الكتابة عندما يجتاحنا اليقين الغامض أنه لا يمكننا التملُّص من عنف الذاكرة، إلا بتدوينها. نحن مذنبون واعون بذنوبنا والدليل أننا نكتبها.
وأضافت: بعد تجربتي المتواضعة في عالم الأدب (عشرين سنةً بالضبط)، أتلمَّس بضع كلمات لأحكي شيئًا عن تجربتي، عن تلك اللحظة الفاتنة عندما تأتي فكرة الرواية، وفق قوانين غريبة غير متوقعة وفق قوانينها الخاصة التي أجهلها، ويجهلها الجميع، لكن لا شيء يمكنه عرقلة الفكرة عندما تأتي. لعل حياتنا "الماضية"، تخبِّئ على نحو غير واعٍ المصباح الذي نستضيء به، عندما نكتب.
وأضافت: لا شك أن الحنين يجعلنا نؤوب إلى أرض الذاكرة، الكتابة هي حياتنا التي نعيشها عن اختيار، ونعيش نقيضها، عندما تعود إلى تاريخنا الشخصي المتواري في كل شيء فينا؛ في جوارحنا وتفكيرنا ومشاعرنا، لهذا بدأت من عالمي الخاص، والواسع في نفس الوقت بدأت من الصحراء.
لعلِّي رأيت البدو من منظور مخالف للمعتاد، فكتبت عنهم ما اعتقدته غريبًا وسحريًّا ولافتًا، في ثلاثة أعمال: "بنات نعش" و"سلطانات الرمل" و"رجال وقبائل". لأن الكاتب يهضم كل ما يراه ويسمعه، ويغدو بحد ذاته مشروعًا منفتحًا على كل ما قد يصادفه أو يلتقيه، انفتاح الشراع على الرياح لهذا عبرت صحرائي وتلك البوادي والقفار صوب مدينة دمشق.
وأوضحت أنها بدأت تجربةً جديدةً مع هذه الأنثى الفتاكة: دمشق، التي أراها أخطر امرأة عرفها التاريخ، استثمرت أربع جهات لتفتح أكثر من عشر بوابات تفتحها وتغلقها وفق لعبتها القادمة مع التاريخ، فكانت رواية "نازك خانم" عندما فتنتني جرأة تلك الشخصية التي سمعت عنها، وأنا أجلس في حديقة تتوسط دمشق من خلال نساء يجلسن على المقعد المجاور، يثرثرن عن شابة دمشقية تذهب إلى باريس بذريعة الدراسة، وهناك تتمرد على مدينتها وأهلها، وتعيش حياةً مجنونةً قوامها التحرر النادر. ثم تجربتي مع "ألماس ونساء"، بعد سنوات طويلة عشتها في دمشق، سمحت لي بالتعرف على أسرارها وخفاياها.
ولأن الذاكرة كائن مجنح ومحلِّق شرس أيضًا لا يسمح لنا بالاسترخاء طويلًا، عادت لينا الهويان الحسن إلى مدينة حلب، التي شكلت محطات متقطعةً من حياتها الشخصية، وكتبت روايتها الجديدة "ليست رصاصة طائشة تلك التي قتلت بيلا".