تسوية روسية أميركية تمهد لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا

الولايات المتحدة تضغط مع حلفائها على روسيا من أجل إعادة فتح معبر اليعربية الحدودي من العراق إلى سوريا الذي يعتبر حاسماً لعمليات تسليم المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى الجزء الشمالي الشرقي من الدولة التي مزقتها الحرب.

الحسكة (سوريا) - أجرت قوات روسية وأميركية، اليوم الأربعاء، دورية مشتركة في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، للمرة الأولى منذ دخول قوات البلدين إلى البلد الذي تمزقه الحرب منذ 2011، ما يؤكد تلميحات المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري منذ أيام حول تفاهمات تم الاتفاق عليها بين موسكو وواشنطن.
وأفادت مصادر محلية بأن عربات مدرعة أميركية وروسية أجرت دورية مشتركة في محيط قرية دير غصن التابعة لمحافظة الحسكة شرقي مدينة القامشلي، قرب الحدود السورية التركية.
وأضافت أن الدورية المشتركة تعتبر الأولى من نوعها منذ دخول قوات البلدين إلى سوريا.
وذكرت المصادر أن الدورية المشتركة ضمت أكثر من 10 عربات مدرعة من الجانبين، فيما من المنتظر أن تتواصل الدوريات المشتركة في الأيام القادمة.
ويشهد ريف الحسكة في السابق توترات بين القوات الأميركية والشرطة العسكرية الروسية، تطور بعضها إلى قيام الطرفين باستعراض قدراتهما الجوية في المنطقة.

وخلال الأشهر الماضية، قطعت القوات الأميريكية عدة مرات الطريق على دوريات روسية كانت تحاول الوصول إلى حقل “رميلان” عند مفرق “خزنة” على بعد 20 كيلومترا شرق القامشلي.
كما منعتها من المرور في جزء من الطريق الواصل بين مدينتي تل تمر، شمال غربي الحسكة، والقامشلي..

ومنذ 22 من اكتوبر/تشرين الأول الماضي، تسيّر القوات الروسية والتركية دوريات مشتركة في أرياف الرقة والحسكة وحلب، تطبيقًا لاتفاق “سوتشي” الذي أنهى العملية العسكرية للجيش التي شنها الجيش التركي في منطقة شرق الفرات.

وقضى أيضًا بتسيير دوريات تركية- روسية بعمق عشرة كيلومترات على طول الحدود، باستثناء القامشلي، مع الإبقاء على الوضع ما بين مدينتي تل أبيض ورأس العين.

ورغم انسحاب القوات الأميركية من قواعدها في سوريا، إلا أنها أبقت على تواجدها في المنطقة المحيطة بالحقول النفطية، وعززت تواجدها فيها بإرسال مئات الشاحنات بتعزيزات عسكرية ولوجستية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إرسال مزيد من القوات والتعزيزات لحماية آبار النفط شرقي سوريا. فيما اتهمت وزارة الدفاع الروسية، في بيان سابق، واشنطن بممارسة “اللصوصية” على مستوى عالمي، بعد إعلان نيتها حماية حقول النفط.

وأمس الثلاثاء، قالت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) إن القوات الأميركية أدخلت رتل آليات محملا بمعدات ومواد لوجستية لدعم قواعدها المتواجدة بريف اليعربية شمال شرق الحسكة.

ونقلت سانا عن مصادر أهلية في المنطقة أن "رتلا يضم شاحنة دخلت من الأراضي العراقية إلى الأراضي السورية عبر معبر الوليد غير الشرعي تحمل حاويات ومدرعات إضافة لثلاثة أبراج خاصة بالاتصالات".

وأضافت أن مصادر أهلية في قرية السويدية شمال شرق المحافظة أشارت إلى دخول 6 مدرعات تابعة للقوات الأميركية من قرية المحمودية في العراق الواقعة جنوب معبر الوليد واتجهت إلى حقول كرتشوك النفطية السورية.

وتأتي هذه التحركات الأميركية بعد أيام من حديث المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، عن الانسحاب الإيراني من سوريا باعتباره مسألة تكتيكية وليست استراتيجة، لافتا إلى ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية في سوريا التي لم تكن موجودة قبل 2011 أي القوات الأميركية والإسرائيلية والتركية لكنه استثنى روسيا من ذلك.

وحول الانسحاب الإيراني قال جيفري إن طهران "لم تعد في حاجة إلى أعداد كبيرة من القوات البرية على الأرض في سوريا، فضلا عن التكاليف المالية الباهظة لاستمرار انتشار القوات في ظل العقوبات الاقتصادية المستمرة من الولايات المتحدة، ناهيك عن الضغوط المالية الهائلة التي فرضها انتشار وباء كورونا على إيران.

وأضاف المبعوث الأميركي إلى سوريا أن واشنطن تدعم “بكل الطرق الممكنة”، دبلوماسياً ولوجيستياً، الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، مشيرا إلى أن بلاده ستواصل "فرض العقوبات على الرئيس السوري حتى قبوله بالحل السياسي".

وأوضح جيفري أن “العقوبات الاقتصادية على دمشق تزيد من سوء الأوضاع على دائرة الشخصيات المقربة للغاية من الأسد، وهذا ما نحاول على الدوام الوصول إليه"، مؤكدا على أن "لتلك الشخصيات أنه لا مستقبل واضحاً أمامها إذا استمروا في دعم وتأييد الرئيس الأسد، وحري بهم ممارسة الضغوط من أجل الانتقال السياسي".

ل
لن تدخل المساعدات الإنسانية لسوريا إلا بشروط روسيا

ويرى مراقبون للشأن السوري أن الإدارة الأميركية لا تسعى حاليا إلى انسحاب روسيا من سوريا، بل ترغب في تخفيف حدة الصراع والتنافس معها عبر توافق حول مسألة مصير الأسد وإزاحته ثم تشكيل مجلس أمني من النظام الحالي يمسك بزمام السلطة حتى يسهل عملية خروج القوات الإيرانية من البلاد تمهيدا للتفاوض على حل سياسي بموجب قرار مجلس الأمن 2254.

وتتوافق هذه الرؤية مع التدهور الذي شهدته العلاقات بين روسيا ونظام بشار الأسد في الآونة الأخيرة حين شنت وسائل إعلام روسية حملة ضد بشار الأسد وعائلته عبر فتح ملفات فساد في الحكومة السورية أهمها قضية رامي مخلوف ابن خال الرئيس وهي إشارة واضحة لبداية تململ روسي من النظام السوري رغم محاولة نفي الكرملين لذلك لاحقا.

ويرى جيفري أن الجيش الروسي كان ناجحاً في سوريا، ولكن لا تتوافر لديه طريقة سياسية للخروج من مشاكله مع الأسد، كما أشار في تصريحات سابقة في مارس/آذار الماضي إلى أن الولايات المتحدة تهدف إلى جعل الأمر صعباً للغاية على روسيا لمساعدة الحكومة السورية على تحقيق انتصار عسكري.

ولم يخف المسؤول الأميركي أن "الوجود العسكري الأميركي في سوريا رغم صغره، مهم للحسابات الشاملة، لذلك نحض الكونغرس والشعب الأميركي والرئيس على إبقاء هذه القوات"، مشيرا إلى أن سوريا "ليست أفغانستان، ولا فيتنام، إنها ليست مستنقعاً، ولكن مهمتي هي جعلها مستنقعاً للروس".
ويشير تعيين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع الأسبوع الجاري مبعوث خاص به في سوريا، إلى استعداد موسكو لفرض المزيد من الهيمنة واستشعارها لحدوث فراغ في السلطة في دمشق.

وترى مصادر دبلوماسية إن رفع رتبة السفير الحالي في سوريا ألكسندر يفيموف ليصبح مبعوثا شخصيا لبوتين هو محاولة روسية لفرض المزيد من الهيمنة على الملف السوري وحصر حل التسوية بيديها.

وأنقذت روسيا نظام الأسد المحاصر في سوريا في 2015 من خلال نشر سلاح جوي لمساعدتها على رد المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، لكن مع استمرار الصراع في محافظة إدلب وخروج الجماعات المسلحة عن سيطرة أنقرة مع تفاقم الأوضاع الإنسانية بسبب انتشار فيروس كورونا، يواجه الكرملين خيارا مختلفا لما رسمه لإنهاء الحرب والمرور نحو التسوية السياسية.

ورغم انحسار القتال قليلا في الشمال الشرقي لا يثق الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة بنوايا تركيا التي تتربص بهم مع عودة بعض الجيوب التابعة لتنظيم داعش للظهور في مناطق متفرقة في سوريا والعراق ما يعزز امكانية استمرار التصعيد في منطقة الصحراء الوسطى غرب نهر الفرات.

وسط كل هذه التعقيدات التي تؤجل التسوية السياسية في سوريا لن تتمكن موسكو في النهاية من تحمل عبء الحرب ومواصلة تمويلها بمفردها ما يستوجب عقد اتفاق مع الغرب يخرجها من المأزق.

وصرح دبلوماسي روسي بارز متقاعد الشهر الماضي بأن سوريا كانت "كارثة إنسانية.. الواقع العسكري الجديد لا يمكن أن يستمر دون إعادة البناء الاقتصادي وتطوير نظام سياسي يعتمد حقا على نهج شامل وموافقة دولية."

وتضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا من أجل إعادة فتح معبر اليعربية الحدودي من العراق إلى سوريا الذي يعتبر حاسماً لعمليات تسليم المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى الجزء الشمالي الشرقي من الدولة التي مزقتها الحرب.

وتم إغلاق معبر اليعربية بقرار من مجلس الأمن الدولي تحت الضغط الروسي والصيني في 10 يناير وهو قرار يعزز فرض روسيا سيطرتها على كل المشاركين في الحرب مع تدهور الوضع الإنساني بسبب انتشار فيروس كورونا في مناطق الشمال السوري.

وانتقدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت الأسبوع الماضي، روسيا والصين لعرقلتهما المساعدات الإنسانية لسوريا.

ومع مخاوف متزايدة من مواصلة روسيا رفض فتح المعبر واستخدامها الفيتو في مجلس الأمن ومنع مساعدات الأمم المتحدة، تشير التحركات المتناسقة بين واشنطن وموسكو إلى امكانية سماح الأخيرة بإعادة استخدام الممرين الآخرين عبر تركيا من أجل الحفاظ على تفاهماتها مع أنقرة، لذلك يمكن أن تصل المساعدات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتها وهي طريقة أخرى للضغط على الأكراد أيضا.

وهناك تصويت لمجلس الأمن في يوليو/تموز المقبل لإعادة منح الإذن بفتح ممري المساعدة المتبقيين من تركيا إلى سوريا.

ومع إمكانية استئناف القتال في إدلب، حيث يوجد توقف مؤقت لإطلاق النار بين المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا وقوات النظام السوري المدعوم من روسيا، سيتفاقم موضع اللاجئين أكثر وستصبح مواصلة الحرب عبئاً ومصدراً لاستنزاف المال لموسكو، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الروسي بسبب انخفاض أسعار النفط وجائحة "كوفيد-19". ومن ثم، ربما ينظر بوتين في خفض التكاليف التي تتكبدها روسيا واقتسام العبء مع الحليف الأميركي.

ومن شأن فتح الممرات الإنسانية، وهو ما يمثل أولوية للولايات المتحدة، أن يخفف من سوء الوضع، لذلك فأن واشنطن وموسكو تحتاجان إلى إيجاد أرضية مشتركة في مجلس الأمن لإنهاء الحرب في سوريا خصوصا مع توجيه البوصلة نحو ليبيا حاليا.