'تشات جي بي تي' يُعلم لا يُلقن بميزة قد تنقذ التعليم من أزمته

'أوبن إيه آي' تختبر أداة تعليمية جديدة تحمل اسم 'الدراسة معًا' تعتمد على الأسلوب السقراطي في توجيه المستخدم نحو الحل عبر طرح الأسئلة بدلًا من تقديم الأجوبة الجاهزة.

واشنطن - بدأت تظهر مؤشرات على أن شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، المطوّرة لنظام "تشات جي بي تي"، بصدد إطلاق أداة جديدة مخصصة للدراسة، أُطلق عليها اسم "Study Together"، أي "الدراسة معًا"، وفق ما لاحظه بعض المستخدمين في واجهة التطبيق خلال الأيام الماضية.

ورغم أن الشركة لم تُعلن رسميًا عن هذه الميزة، إلا أن عدة مستخدمين قاموا بنشر لقطات شاشة تُظهر المحادثة وهي تقودهم خلال مسألة رياضية أو مفهوم علمي جديد بأسلوب تفاعلي تدريجي، يُشبه إلى حد بعيد الطريقة التي كان الفيلسوف سقراط يستخدمها لتعليم تلامذته: الاستفهام بدلًا من التلقين.

الأداة الجديدة، إن تم تأكيدها وتعميمها، تمثل تحولًا نوعيًا في كيفية تعامل الذكاء الاصطناعي مع التعليم. فعوضًا عن أن يُقدّم الإجابة الجاهزة، كما اعتاد الكثير من الطلاب في استخدامهم لتشات جي بي تي، تُحاول هذه الميزة توجيه الطالب نحو التفكير النقدي، من خلال طرح أسئلة متتابعة، تثير فضوله وتدفعه للربط والاستنتاج.

هذه المقاربة تتجاوز مفهوم "روبوت ينجز فروضك المنزلية"، لتقترح نموذجًا جديدًا أكثر وعيًا وتربويّة، يُعيد للطالب دوره الأساسي: التعلم الذاتي والمشاركة في بناء المعرفة، لا مجرد استهلاكها.

في زمن الغش المُمَنهج: هل آن أوان الإصلاح؟

خلال العامين الماضيين، ارتفعت وتيرة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في المؤسسات التعليمية حول العالم. وبينما اعتمدته بعض المدارس والجامعات كأداة تعليمية رسمية، استعمله آخرون وسيلة للغش، ما دفع المعلمين إلى التحايل بإدراج تعليمات خفية، أو الاعتماد على الامتحانات الحضورية دون أجهزة، لمنع الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي.

والواقع أن الأداة الجديدة قد تشكل نوعًا من التسوية: فهي تتيح للطالب المساعدة، لكنها تُلزمه بالمشاركة، بالتفكير، وبالمرور عبر مراحل الحل، مما يجعل "التعلم" يحدث فعلاً، لا شكلاً.

يشير هذا التوجه إلى إمكانية إعادة تعريف العلاقة بين الطالب والمعلم، وبين الطالب والتكنولوجيا. فإذا كانت النماذج الكبرى من الذكاء الاصطناعي قادرة على تبني أسلوب سقراطي، فهي لا تعني إلغاء دور المعلم البشري، بل تعزّز من أهميته كموجّه ومُقيّم ومُلهِم.

يساعده على التحضير، مراجعة المفاهيم، أو التدريب على الاستيعاب

يمكن للأداة أن تكون رفيقًا منزليًا للطالب، يساعده على التحضير، مراجعة المفاهيم، أو التدريب على الاستيعاب، بينما يظل الفصل الدراسي المجال الذي تُكرّس فيه هذه المكتسبات ضمن أطر تربوية واضحة.

خلفيات اقتصادية وقانونية: الذكاء الاصطناعي بين الإبداع والنزاعات

ومن اللافت أن هذا التطور يأتي في سياق قانوني متوتر، إذ أن شركة Ziff Davis، المالكة لموقع Mashable، كانت قد رفعت في أبريل/نيسان الماضي دعوى ضد OpenAI، تتهمها بانتهاك حقوق النشر الخاصة بها أثناء تدريب أنظمتها. وقد يطرح هذا النزاع تساؤلات حول مصادر المحتوى التعليمي الذي تستخدمه مثل هذه الأدوات.

يبقى أن نجاح أداة "Study Together" المحتملة، أو غيرها من المبادرات التعليمية الذكية، مشروطًا بعدة عوامل:

  • الشفافية: في كيفية تدريب النماذج ومصادر المعلومات.
  • المرافقة التربوية: من طرف المؤسسات التعليمية.
  • تأهيل المعلمين: للتعامل مع الذكاء الاصطناعي لا كتهديد، بل كشريك.
  • الوعي الطلابي: بأن الغش الرقمي لا يختلف عن الغش التقليدي، بل ربما هو أشد ضررًا، لأنه يُخفي العجز في قناع من الكفاءة الزائفة.

قد تُمهّد أداة مثل "Study Together" لحقبة جديدة من التعليم الرقمي الشخصي، حيث لا يكون الذكاء الاصطناعي مجرد آلة إجابة، بل أداة للتفكير والتعلم والتحفيز. ولكن نجاح هذا النموذج يتطلب مقاربة أخلاقية وتربوية متكاملة، تُوازن بين إغراء التكنولوجيا وحاجة الإنسان إلى تعلم حقيقي يعزز استقلاله الذهني، لا يُقزّمه.

فهل ستكون هذه بداية نهاية "تشات جي بي تي الغشّاش"، وبداية "تشات جي بي تي المربي"؟
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.