تشاد تخفف الأعباء عن فرنسا العالقة في منطقة الساحل الافريقي

ماكرون يُروّج لانجازات عسكرية لعملية برخان بينما بلغت حصيلة قتلى قواته 55 جنديا، فيما تمددت الجماعات الجهادية من شمال مالي إلى مناطق أخرى في دول الساحل الافريقي منذ التدخل العسكري الفرنسي.
تشاد تنشر 1200 جندي في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو
فرنسا تخطط لخفض عدد قواتها وإعادة الانتشار تجنبا للمزيد من الخسائر
ماكرون يواجه ضغوطا داخلية وحملة عدائية لفرنسا غير مسبوقة في دول الساحل

نجامينا/باريس - ذكر بيان صادر عن قمة لزعماء منطقة الساحل بغرب أفريقيا وحلفائهم اليوم الثلاثاء أن تشاد نشرت 1200 جندي من قواتها للمساهمة في التصدي للإسلاميين المتشددين الذين احتلوا مساحات من الأراضي في هذه المنطقة.

ويُمهد هذا الإجراء العسكري لتخفيف الضغوط على فرنسا العالقة في منطقة الساحل والتي تخطط لتقليص تواجدها العسكري في ظل فشلها في كبح تمدد الجماعات الجهادية وعلى ضوء تعرضها لانتقادات داخلية وأخرى اختزلت أمرا لم تكن تحسب له حسابا وهي موجة عداء محلية غير مسبوقة لوجودها العسكري.

وبدأ الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون منذ أشهر يعدّ العدّة بما يحفظ ماء وجه بلاده قبل تقليص عديد القوات الفرنسية وإعادة انتشار عسكري يجنب جنوده المواجهة على جبهات القتال.

وتكبدت فرنسا خسائر فادحة في الأرواح حيث ارتفعت حصيلة قتلاها إلى 55 جنديا منذ تدخلها عسكريا في مالي لطرد جماعات إسلامية متشددة من شماله، إلا أن عملياتها دفعت مسار مكافحة الإرهاب إلى اتجاه عكسي ما تمدد تلك الجماعات إلى مناطق أخرى في منطقة الساحل الافريقي.

والتقى رؤساء النيجر ومالي وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا وهي دول مجموعة الخمس لمنطقة الساحل، بحلفاء أوروبيين ودوليين لبحث التقدم في قتال المسلحين الذين تربطهم صلات بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية ويهددون استقرار المنطقة.

وقال ماكرون في مؤتمر صحفي بعد القمة إن قوات تشاد التي انتشرت في منطقة الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ستُضاف إلى أكثر من 5100 جندي فرنسي يشاركون في عمليات مكافحة الإرهاب في الساحل.

وشدد في كلمته أمام قمة مجموعة دول الساحل الخمس المنعقدة في نجامينا، على ضرورة تعزيز مكافحة المجموعات الجهادية وإعادة سلطة الدولة في تلك المنطقة.

ماكرون يعيد ترتيب أوراقه في منطقة الساحل بعد خسائر فادحة في الأرواح وتمدد الإرهاب جغرافيا إلى مناطق أخرى
ماكرون يعيد ترتيب أوراقه في منطقة الساحل بعد خسائر فادحة في الأرواح وتمدد الإرهاب جغرافيا إلى مناطق أخرى

وقال ماكرون الذي تحدث عبر الفيديو من باريس إنه بعد سنة من 'قمة بو' (جنوب غرب فرنسا) "نجحنا في تحقيق نتائج فعلية في المثلث الحدودي" بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وأبرز تنظيم تم استهدافه "تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، "فقد هيمنته ومني بخسائر كبرى".

وتبدو تصريحات الرئيس الفرنسي مغرقة في التفاؤل أو في سوء التقدير أو هي اقرب للالتفاف على الحقائق على الأرض في منطقة الساحل، فالانجازات التي يتحدث عنها لا وجود لها على الأرض وإن وجدت فهي محدودة جدا مقارنة بانفلات الإرهاب من عقاله وتمدده إلى المثلث الحدودي الذي انتشرت فيه قوات تشادية اكتسبت خبرة كبيرة في قتال الجماعات المتمردة.

ويسوق ماكرون لما يراه هو انتصارات بينما يواجه داخليا ضغوطا شديدة وأسئلة محرجة عن انجازات عسكرية لم ير منها الفرنسيون إلا جثامين تعود جوا من حين إلى آخر في حرب يراها شق من مواطنيه من العامة والساسة لا ناقة فيها لفرنسا ولا جمل.

ويعتبر نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل مقارنة بنفوذ أفرع القاعدة، اضعف بكثير مما ورد في حديث ماكرون، فالمعركة التي يبدو أنها خرجت عن سيطرة فرنسا هي تلك المتعلقة بالجماعات الجهادية الموالية للقاعدة والتي لها امتداد تاريخي في المنطقة وعززت وجودها من خلال عمليات اندماج بقيادة زعيم تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" إياد غالي أغا.

وأقر ماكرون بأن التنظيمين التابعين للقاعدة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وكتيبة تحرير ماسينا "واللذين لا تزال قيادتاهما تغذيان برنامجا جهاديا" لا يزالان يشكلان تهديدا لمنطقة الساحل، واعدا "بتعزيز التحرك" في محاولة "للقضاء على هذين التنظيمين".

ولم يتطرق في المقابل إلى خفض عديد عملية "برخان" الفرنسية لمكافحة الجهاديين التي تضم حاليا حوالي 5100 عنصر في منطقة الساحل.

جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وكتيبة تحرير ماسينا لا تزال قيادتاهما تغذيان برنامجا جهاديا ولا يزالان يشكلان تهديدا لمنطقة الساحل

وأشاد بقرار الرئيس التشادي ادريس ديبي الذي أعلنه الاثنين بإرسال 1200 جندي إلى منطقة "المثلث الحدودي" قائلا "إنه قرار قوي وشجاع يعزز قوة مجموعة الدول الخمس في منطقة الساحل".

من جانب آخر اعتبر الرئيس الفرنسي أن "التعبئة الدولية من أجل منطقة الساحل لم تكن أبدا بالجوهر قوية كما هي عليه الآن" وتوجه بالشكر إلى الدول الأوروبية المشاركة في التجمع الجديد للقوات الخاصة "والتي قبلت بالتالي تقاسم مخاطر التضحية التي يتحملها جنودنا ".

وإلى جانب الشق العسكري، شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة "منح أفق لسكان منطقة الساحل" داعيا إلى "قفزة ثانية، تتمثل بإعادة الأمن والخدمات إلى السكان" ومطالبا "بدفع أقوى على مستوى الدولة" من أجل إعادة فرض سلطتها في الأراضي المتروكة في المنطقة.

وهذا الجانب في تصريحات ماكرون مهم على مستوى الدعاية ومغازلة سكان المنطقة في الوقت الذي يتعرض فيه الوجود الفرنسي إلى انتقادات وحتى احتجاجات منددة به من السكان المحليين.

وخلص إلى القول "إنه عبر العمل الجماعي على الأرض سننجح. فرنسا ستواصل تحمل قسطها لأنني أعلم أن كل جهة هنا في تعبئة".

وتعقد قمة نجامينا بعد سنة على قمة 'بو' الفرنسية التي أدت إلى تعزيز القوات العسكرية في منطقة "المثلث الحدودي" وإرسال 600 جندي فرنسي إضافي ليرتفع عدد الكتيبة الفرنسية من 4500 إلى 5100 بسبب التهديدات المتزايدة للجهاديين.

ورغم النجاحات التكتيكية المسجلة، لا يزال الوضع قاتما، فبعد أكثر من ثماني سنوات على بدء أزمة أمنية في شمال مالي امتدت إلى الجوار، لا يمر يوم تقريبا في الدول الثلاث من دون وقوع هجوم ضد ما تبقى من قوات السلطات أو انفجار لغم يدوي الصنع أو ممارسات تستهدف المدنيين. ويشكل المدنيون الضحايا الرئيسيين للنزاع. وتجاوز عدد النازحين المليونين في يناير/كانون الثاني الماضي.