تشكيلية مصرية تقدم خبرتها حول الخامات في كتاب

رضا معوض: الخامة كل ثراء لها في العمل الفني على يد الفنان.

تعد الخامة في مجال الأشغال الفنية مصدرا هاما في تكوين الأعمال الفنية، فالخامة كمفهوم لغوي تعني المادة الأولية أي الخامة التي لم يجر عليها عمليات التشكيل والتشغيل، يُقصد بالمادة ما يستعمل في صنع شئ أو ما يدخل في تركيبه، فمادة التصوير هي الألوان والنغمات هي مادة الموسيقى، والفنان يعمل دائما في مادة ما فهو يبني بالحجر أو اللون أو الكلمات، ولأن الكثيرين نادرا ما يدركون قيمة الخامات في صناعة العمل الفني على اختلاف أشكاله خاصة الحلي، تقدم الفنانة التشكيلية والناقدة الفنية رضا معوض في كتابها الصادر حديثا "جمالك والحلي.. إعادة اكتشاف الحلي عبر الخامات" خبرتها لمصممي الحلي والسيدات الراغبات في الأناقة عن كيفية استخدام عدد متنوع من الخامات، كاشفة عبر تحليل عشرات النماذج الفنية للحلي عن تجليات الخامة عبر التصميمات الفنية والتأثيرات الجمالية للموروثات والرموز التراثية والاتجاهات الفنية التشكيلية الحديثة والتفاعلات الخارجية من انعكاسات الضوء والحركة وغيرها، مؤكدة أن القدرة على الإبداع والابتكار تنطلق من استيعاب الخامات المتاحة لنا، مستحضرة الفن الأفريقي الذي اكتشف الأوروبيون فجأة ألوانه وبهجته، والحلي الشعبية المصرية التي تصنع من خامات مختلفة والتي اندثر بعضها.

وتقول معوض إن المفهوم السائد أن المرأة لكي تتزين لا بد من الذهب هو مفهوم خاطئ، فالزينة متعددة المواد، وهذا يقودني إلى رغبتي في تأسيس مدرسة مصرية في تصميم الحلي بكافة أشكالها ومن مواد مختلفة، وهذا باب ثري لم يلق الاهتمام الكافي إلى الآن. وهنا أقدم دراسات تحليلية لنماذج مصممين أوروبيين ومصريين أرى أنهم تميزوا وأبدعوا من خلال العديد من مختلف الخامات، كما أنني أقدم لأول مرة مجموعة من تصميمات الحلي التي ابتكرتها لكي تكون مقدمة لمجموعات أخرى، وأيضا هناك التطبيقات العملية التي أجريتها وفقا لتحقيق الهدف من البحث للوصول إلى مدخلات تشكيلية مبتكرة والتعبير المباشر بالخامة لإستحداث الحلي كمشغولة فنية.

وتضيف: لقد أجريت العديد من التجارب المباشرة بالخامة بناءً على عدة محاور، وذلك بهدف الكشف عن الإمكانات التشكيلية للخامات مثل "أحجار شبه كريمة وصناعية ومخلقة من العقيق والجمشت واللؤلؤ في هيئات شكلية مختلفة (خرز ـ شرائح) ـ خيوط طبيعية وصناعية (قطن ـ صوف ـ مخلوط) ـ خيوط نايلون (ألياف بصرية ضوئية) - لمبة لد.أقماش طبيعية وصناعية (لباد صناعي (جوخ)، ليكرا، أُورجانزا) ـ ماش (شرائط ـ خراطيم) (سيليكون ـ لدّائن) ـ خرز (خشب ـ معدن) ـ أسلاك من النحاس الأحمر بأقطار مختلفة ـ طوق معدن إستانلس".

وتشير معوض إلى أن الخامة بالتعبير المباشر هي كل ما يمكن استخدامه في تشكيل وصياغة المشغولة الفنية سواء في ما قدمته الطبيعة للفنان من خامات لها أصل نباتي أو حيواني أو ما تزخر به البيئة من خامات، وكذلك الخامات المصنعة والمستحدثة، والتي تكتسب صيغة فنية بعد أن تمتد لها يد الفنان وتجعل منها واقعا محسوسا فنيا وجماليا، كما تحدد طبيعة الخامة وطرق استخدامها في بناء التشكيل. إن الخامة ليست مجرد شيء تصنع منه المشغولة وإنما هي غاية في حد ذاتها يجب المحافظة عليها وإظهارها لتبين المحسوس الجمالي والفني اللذين نشعر بهما حين نشاهد المشغولة التي تكتسب ليونة وطواعية وحسا بفعل تمرس الفنان وقدرته.

وتقول "عندما يبدأ الفنان عمله فإنه يبحث عن الخامة التي تتناسب مع فكره الفني، حيث أن كل خامة تحمل صفات حسية وتركيبية وقيم تشكيلية وتعبيرية، ففي التعبير المباشر تكون الخامة المثير الأول لتحقيق الفكرة التي يرغب الفنان التعبير عنها. وفي مجال الأشغال الفنية يجب أن تظهر الخامة كل ثراء لها في العمل الفني على يد الفنان، وأن تتضافر كل العناصر المادية المستخدمة في تكوينه حتى يتحقق الإحساس الجمالي له، فخامة الجلد قبل تشكيلها لا تحمل نفس التأثير بعد تشكيلها، وهو ما يسمى بالتجاوب الحسي للخامة، حيث تتحول على يد الفنان إلى شكل جمالي معبر. "فالخامة لا تُشكل من تلقاء نفسها محسوسا جماليا ولا تكتسب صفاتها الفنية ولا تؤدي إلى علاقات تشكيلية، والفنان هو الذي يتدخل ويتناولها ليحولها بطريقة فنية إلى مادة جمالية حيث يطوعها ويجلو صفائها الكامن، ليبتكر منها شيئا محسوسا قادرا على الإفصاح بلغة تعبيرية، ليكتشف إمكانياتها التشكيلية من خلال التعامل معها بأساليب متعددة". في التعبير المباشر بالخامة من خلال أساليب التشكيل والتقنيات المختلفة يعبر الفنان عن فكرته في مشغولته الفنية، بدءا من تفاعله مع الخامة، واضعا أمام عينيه إمكانياتها التشكيلية والتقنية، حيث يكون هدفه الأساسي هو تطويعها في عمله ويستطيع بواسطتها أن يكتشف ما بداخلها وكل ذلك يتوقف على الفنان وحسن اختياره للخامة.

وتلفت معوض إلى أن هناك عوامل تحدد جماليات التعبير المباشر بالخامة داخل المشغولة الفنية، حيث تتحدد الجماليات، ومن هذه العوامل: القيم البنائية ـ المحتوى ـ الفكرة ـ القيم التشكيلية ـ الابتكار ـ المعاصرة ـ طبيعة المشغولة الفنية ـ طريقة التناول ـ الخامة ـ الإدراك الحسي.

وتؤكد أن الفنان الحقيقي الممارس للأشغال الفنية يقوم بخلق موضوعه ومتابعته من حيث "عناصره الفنية من شكل ولون وملمس وخط ومساحة وكتلة في تكوين متسق من بداية فكرته واختياره للمادة الخام"، مارا بهذه المراحل في التعبير المباشر بالخامة: أولا نشأة الفكرة التي في خاطر الفنان وهي لحظة حدسية أو مشاهدة عقلية تحدث من وحي الخامة من خلالها تنشا الفكرة الإبداعية. ثانيا تجريب ومعاناة لتحقيق الفكرة بالصورة التي يرتضيها الفنان في مادة خام يقع اختياره عليها. ثالثا الصياغة أو الإخراج النهائي لشكل المشغولة الفنية. ومن خلال "العمل بالخامات يكتسب الفنان القدرة على التعبير النفسي تحركه طاقته الحدسية التي تنشط بإثارة التفاعل مع الخامات مباشرة". كما يوجد عامل لا يقل أهمية لتفهم جماليات الخامة لتعطي المشغولة الفنية وحدتها المتميزة وهو ما يعرف بشخص العمل "الإطار النوعي للفنان". وهو خبرته وقدرته التشكيلية على التفاعل مع الخامة مباشرة لتوحيد العمل الفني.

وتكشف أن الخامة تتميز ببعدها الحسي الذي يستند إليه الفنان عند التفكير في تنفيذ مشغولة فنية معينة حيث تسهم الخامة في تحقيقه وتنفيذه، والخامة بخواصها الحسية المرئية وتفاعلها المباشر مع الحواس تمثل عامل جذب عند توظيفها في المشغولة الفنية، لذلك يتأثر العمل بالمظهر الحسي للخامة حيث "يخاطب العمل حواس المشاهد بما فيه من فاعلية وأثر حسي خاص في تحقيق القدرة على تذوق العمل بصورة أكثر فاعلية مما يزيد من القيمة التعبيرية للعمل، ليعطي المشاهد انطباعا فنيا خاصا ونوعا من التخيل لما يمكن أن تحدثه الخامة داخل العمل الفني". فلم يعد دور الخامة يقتصر على تجسيم وبناء المشغولة الفنية وإعطائها كيانا ماديا يخاطب الحاسة البصرية للمشاهد فقط "بل أصبح لها من الأثر الحسي والنفسي الذي يخاطب جميع الحواس إنسانية بصورة أكثر فاعلية عن طريق توظيفها لتصدر الضوء أو الحركة لتكسب المشغولة الفنية بعدا زمانيا ومكانيا في تفسير مستمر وانتقال الأثر النفسي لها من العمل إلى المشاهد". ومن الصفات الحسية التي تمثل قيما جماليا (التوازن غير المتماثل، والوحدة بتنوع)، ويقصد بهذه الصفات العلاقات التي تنشأ عن ارتباط الأجزاء بالكل، والتوافقات بإستعمال الزوايا نفسها والنسب ذاتها مع التنويع الذي يضيف إلى التشابه والتكرار عناصر التشويق.

وتتابع معوض أن الخامات المستخدمة من (جلد، أحجار، قماش، خرز، خيوط، ماش، أسلاك وشمع ولادائن... وغيرها من الخامات المختلفة) تتمتع بجمال ولون وملمس وشكل، فهي عامل جذب للمشغولة الفنية، وأحيانا تحول الانتباه عن فكرة المشغولة نتيجة تفاعلها المباشر مع الحواس، حيث يصبح الإعجاب بالخامة بدلاً للنظر للمشغولة ككل، لذلك يجب أن تظهر الخامة كل ثراء لها في العمل الفني على يد الفنان المبدع، وأن تتضافر كل العناصر المادية المستخدمة في تكوينه حتى يتحقق الإحساس الجمالي له.

وحول دور الخامة كوسيط حسي تقول معوض "لم يعد يقتصر دور الخامة على تجسيم العمل الفني وإعطائه كيانا ماديا يخاطب الحاسة البصرية للمشاهد فقط، بل أصبح لها من الأثر الحسي والنفسي الذي يخاطب جميع الحواس الإنسانية بصورة أكثر فاعلية، عن طريق توظيفها البنائي في الشكل لإصدار الصوت والحركة والضوء، لتكسب العمل بعدا زمانيا ومكانيا في تغير مستمر، وانتقال الأثر النفسي لها من العمل إلى المشاهد". كما في الأعمال الفنية التي تجمع في بنائها الخامات التي تحدث الحركة والصوت والضوء في تركيب يجمع بين العشوائية والنظام، "فسعة الصوت تشمل الضوضاء والضجيج، والموسيقى، والإيقاعات المنتظمة، وغير المنتظمة، والحركة تشمل العشوائية الناتجة من دفع الهواء والنظام الصادر للطاقة الحركية، والضوء الناتج من طبيعة الخامة كعنصر أساسي في بناء النظام التركيبي للشكل وحركته، والضوء الناتج من تفاعل سطح الخامة مع عناصر الطبيعة".

وتشير إلى أن التجريب في مجال الأشغال الفنية فرصة للتعليم والتدريب على ممارسة أسلوب الفكر الإبداعي، حيث يقدم الفنان ثقافة وخبرات وحلول متنوعة ومبتكرة للوصول لرؤى فنية جديدة، حيث تزخر الأشغال الفنية بجوانب تقنية ومهارية عديدة فيها ممارس الأشغال الفنية صياغة خامات مختلفة بين يديه ليمدنا في النهاية بالتعبير بالفن، حيث اندماج المهارة مع طبيعة التعبير لإنتاج عمل فني أصيل يتميز بالعديد من العقبات الفنية والتشكيلية المتنوعة، والمثير هنا إنه ليست العبرة بنوعية الخامة المستخدمة سواء تقليدية أو مستحدثة ولكن العبرة بخيال الممارس وأسلوبه في التناول لتلك الخامات ليكشف عن إمكاناتها التي لم تمارس من قبل بأسلوب متاح وميسر للجميع.

تعتبر معوض أن الصوت يعد بالنسبة إلى الفنان عنصرا أساسيا مؤثرا تعبيرا وتشكيليا في بناء العمل الفني، حيث يستخدم الخامات التي تلزمه لتحقيق ذلك داخل العمل الفني، كأن يستخدم مجموعة من الخرز تتدلى في انسيابية وأطوال مختلفة لتصدر صوت وذلك لتحقيق فكرته المراد التعبير عنها. وكذلك يعد الضوء عنصرا أساسيا مؤثرا تعبيرا وتشكيليا في بناء أعماله الفنية، وذلك باستخدم خاماته من لمبات الإضاءة والأسلاك الكهربائية لتحقيق مصدر الضوء داخل العمل الفني وهناك قلادة صدر عبارة عن مُشكلة بالتجسيم من خامات شفافة للاستفادة من التغير الشكلي للقلادة أثناء مرور الضوء بداخلها، حيث يصنع للضوء مجالاً صناعيا فراغيا يتحرك فيه، طبقا لنظام تركيب خاماته.