تصفية سليماني تعزز الخلاف الأميركي الأوروبي في التعاطي مع إيران

مقتل سليماني والمهندس في بغداد يربك علاقات واشنطن مع الحكومة العراقية ويثير غضب المسؤولين من انتهاك سيادة العراق.
مقتل سليماني أحدث شرخا في علاقة واشنطن بالعراق

بغداد - هز مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني على إثر الضربة الأميركية بطائرة مسيّرة في بغداد، علاقات الولايات المتحدة بالحلفاء الأوروبيين تاركة الدبلوماسيين في حيرة لاحتواء التداعيات والتعاطي مع إيران التي طالما شكلت تهديد لأمن واستقرار المنطقة على أكثر من صعيد.

كما أحدثت الغارة الأميركية التي وقعت الجمعة على طريق مطار بغداد وأسفرت عن مقتل سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، شرخا في علاقة واشنطن بالعراق وأثارت غضب المسؤولين العراقيين من انتهاك المجال الجوي.

رحبت الولايات المتحدة بالاغتيال باعتباره فوزاً لـ"السلام والاستقرار" في المنطقة، على عكس الدبلوماسيين الغربيين والمسؤولين العسكريين الأميركيين في بغداد.

لم يتلق أي من هؤلاء إخطاراً مسبقاً بضربة وعلموا بها عندما استيقظوا، مضطرين للتعامل مع محادثات أزمة لإنقاذ العلاقات مع المسؤولين العراقيين.

وقال دبلوماسي غربي طلب عدم كشف هويته إن "الضربة كانت مفاجأة لنا جميعاً".

وأضاف أن "التحدث إلى الأميركيين الآن أمر بالغ التعقيد. نتحدث كثيراً مع الاتحاد الأوروبي، لكن الأميركيين لديهم مشاكلهم الخاصة الآن".

كان معظم السفراء خارج بغداد لقضاء عطلة نهاية العام في يوم الضربة، لذلك بدأ الموظفون السياسيون الذين كانوا متواجدين في العراق يتواصلون مع العراقيين.

رفض هؤلاء التعليق بسبب الطبيعة الحساسة للعلاقات الحالية مع واشنطن، وإن كانوا عبروا عن غضبهم من بيان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي قال لقناة 'فوكس نيوز' بعد ساعات من الغارة "بصراحة لم يكن الأوروبيون متعاونين بقدر ما كنت أتمنى".

وأضاف "يجب على البريطانيين والفرنسيين والألمان أن يفهموا أن ما فعلناه وما فعله الأميركيون أنقذ أرواحاً في أوروبا أيضاً".

أميركا وضعت بقتل سليماني والمهندس حلفائها بالعراق من مدنيين وعسكريين تحت التهديد
 

وأدت الضربة على المستوى العسكري والأمني إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وشركائها الآخرين في التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأميركية في العراق إنه "بالنسبة إلى حلفائنا الغربيين في الصورة الكبيرة يبدو أننا أغضبناهم".

وتنتشر قوة أميركية في العراق عددها 5200 جندي، تعمل على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية ضمن تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية العام 2014، بناء على طلب من الحكومة العراقية. وأضيف إليهم بضع مئات الأسبوع الماضي لحماية السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وسط بغداد، التي سبق أن تعرضت لهجوم من فصائل موالية لإيران.

ورداً على على مقتل المهندس وسليماني، صوّت البرلمان العراقي الأحد على تفويض الحكومة إنهاء تواجد القوات الأجنبية في العراق.

وأعلنت الولايات المتحدة الاثنين أنّها أبلغت العراق "عن طريق الخطأ" أنها تعدّ لسحب قواتها من أراضيه، بعدما نفى البنتاغون رسالة موجهة من قائد قوة المهمات الأميركية في العراق.

زادت تلك الخطوة من فوضى الوضع القائم مع إعلان دبلوماسيين من دول التحالف أنهم لم يكونوا على علم بتلك الرسالة الموجهة إلى القوات العراقية، التي قالت الولايات المتحدة إنها كانت "مسودة".

وسبق للتحالف وقوات حلف شمال الأطلسي أن علقت تدريباتها وعملياتها العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية بسبب المخاوف الأمنية في أعقاب اغتيال سليماني.

وقال مسؤول عسكري أميركي إن "الضربة جعلت العلاقات مع الشركاء في التحالف متوترة للغاية"، مضيفا "لن ينظروا في عيوننا، تخيل أن تكون جزءًا من هذا الفريق وقرر شخص أن يوجه ضربة منفرداً".

دعوات في بغداد لطرد القوات الأميركية من العراق
دعوات في بغداد لطرد القوات الأميركية من العراق

كما توترت التفاعلات اليومية مع المسؤولين العراقيين، حيث دانت بغداد بشدة الضربة باعتبارها انتهاكاً لسيادتها.

وقال المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن "ذلك تسبب في تصدعات كبيرة في علاقاتنا معهم".

وقال مصدر أمني عراقي إن الأمر خلق "أزمة ثقة" بين القوات الأميركية والقوات العراقية، مضيفاً "لقد توقفوا إلى حد كبير عن التحدث مع بعضهم بعضاً".

في الأيام التي تلت الضربة سقطت صواريخ على المنطقة الخضراء الشديدة التحصين وسط بغداد، والتي تضم مقار سفارات وقواعد عسكرية تتمركز فيها قوات التحالف بقيادة واشنطن.

وقال روبرت فورد من معهد الشرق الأوسط إنه "سواء عن قصد أم لا، فإن الولايات المتحدة وضعت حلفاءها على الأرض من مدنيين وعسكريين، تحت التهديد".

وكان فورد دبلوماسياً في السفارة الأميركية في العراق بين عامي 2004 و2006 و2008 إلى 2010.

وأشار إلى أن فشل واشنطن في التنسيق مع قواتها العسكرية على الأرض وحلفائها "تركهم يتعاملون وحدهم مع النتائج".

وأضاف فورد أن إدارة دونالد ترامب "تطلب من الحلفاء الأوروبيين توقيع شيك على بياض لدعم ما تفعله، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على وضع خطة لعب طويلة الأجل لإيران".

من جهته اعتبر الدبلوماسي الفرنسي السابق والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط جان بيير فيليو أن سلوك البيت الأبيض يعكس الفترة التي سبقت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.

والآن كما في تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة "عمياء تماماً" عن تداعيات أعمالها العسكرية في بغداد، بحسب ما قال فيليو.

وأضاف أن "الأمر الأكثر إثارة للقلق في التصعيد الأميركي هو عدم وجود أي إستراتيجية مناسبة للعراق، والتي يمكن أن تؤدي فقط إلى زعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة في التحالف".