تطبيقات الحزم الرقمية تنقذ الصحف من الكساد


الصحيفة في العصر الرقمي لم تعد معنية بالأخبار وحدها مع أنها مازالت صناعة بحاجة إلى إعادة إنتاج وتطوير كي لا تفقد قيمتها.
في أفضل أيامها لا تطبع ولا توزع الصحف العربية بضعة آلاف، من دون أن تلقى الاهتمام، قبل أن يصيبها فايروس كورونا بالموت السريري

 

لنتخيل كم من المشتركين والقرّاء من المهتمين بكرة القدم فقدت صحيفتا ديلي ميل البريطانية وبيلد الألمانية، منذ توقف مباريات كرة القدم في البلدين قبل شهر تقريبا؟ الرقم سيكون بمثابة صدمة لنا ونكسة مخيفة للصحيفتين.

نتكلم هنا عن صحف تحظى بأكثر من مليوني قارئ يوميا، بغض النظر عن مستخدمي المواقع الإلكترونية. فديلي ميل الصحيفة الشعبية التي ينظر إليها صحافيو الثقافة العالية بأنها من صحف التابلويد الخفيفة، توزع ما يقارب مليون نسخة يوميا في أسوأ أيامها قبل كورونا، وتحظى بأكثر من عشرة ملايين مستخدم لموقعها على الإنترنت. بينما توزع بيلد الألمانية أكثر من ثلاثة ملايين نسخة يوميا.

الغالبية العظمى من هؤلاء القراء مهتمون بشأن معين قد يكون متعلقا بالأخبار المثيرة للمشاهير أو التقارير الرياضية أو حتى الكلمات المتقاطعة، لا يمكن أن نقلل من شأن ذلك، فمثلا يوجد 500 ألف مشترك بصحيفة نيويورك تايمز يدفعون 6.95 دولار شهريا، من أجل الحصول على تطبيق متعلق بالكلمات المتقاطعة على أجهزتهم.

يؤسفني هنا بأنني لا أمتلك مثالا لصحيفة عربية تحظى بهذا الاهتمام أو يمكن التعويل عليها في معادلة التوزيع، لأنه في أفضل أيامها لا تطبع ولا توزع الصحف العربية بضعة آلاف، من دون أن تلقى الاهتمام، قبل أن يصيبها فايروس كورونا بالموت السريري. بينما وزعت على سبيل المثال صحيفة بيلد الألمانية 41 مليون نسخة احتفالا بمرور ستين عاما على صدورها.

هناك قراء متخصصون شغوفون بقراءة الجريدة لهدف محدد يلبي رغباتهم في الترفيه يقضون معها أثمن وقتهم، أما بقية الصفحات فلا تحظى باهتمامهم وفي أفضل الأحوال قد يمرون عليها سريعا.

اليوم خسرت الصحف الغالبية العظمى من تلك النوعية من القراء الذين يبحثون عن محتوى يلائم أمزجتهم، بالرغم من محاولتها إغراء الناس في الحجر المنزلي بإيصال الصحيفة الورقية إلى المنازل.

ثمة أكثر من كورونا يعيد الصحف الورقية إلى الخلف، منذ أكثر من عقد عندما وفرت متاجر أبل جهازا صغيرا اسمته آيتون، وفر مشقة شراء الأقراص على محبي الموسيقى، فبعد أن وصلت المعلومات إلى أطراف الأصابع صار يمكن جمع الأغاني برمتها بجهاز صغير يوضع في الجيب، بعدها كانت صدمة الصحف بآيفون، ثم آيباد، إذ جمعا صحف العالم وبكل اللغات في جهاز صغير خال من الأزرار، معلم صبور يستجيب لكل الطلبات باللمسات دول تذمر أو كلل.

صارت الحزمة الرقمية للصحيفة بديلا سهلا ومتاحا للمستخدمين فتراجع عدد القراء للصحيفة الورقية، علينا ألا ننسى أن جيل الألفية هو جيل ويكيبيديا حسب بيان الإنترنت، مازال بعيدا في اهتماماته عن محتوى الصحف الإخباري.

اليوم الصحف تستقطب جمهور آخر من المستخدمين وهو تعبير ملائم كمعادل رقمي للقراء، عبر توفير التطبيقات التي تشبع اهتمامهم، لاسترداد شيء من العائدات التي تراجعت مع تراجع الإعلانات وانهيار كمية التوزيع والاشتراكات.

فتعلق عدد كبير نسبيا من المستخدمين بالكلمات المتقاطعة يدفعهم للاشتراك بالصحيفة الورقية، الأمر الذي دفع نيويورك تايمز إلى استثمار هذا التوجه المتصاعد عبر تقديم حزمة رقمية محدودة من تطبيقات الكلمات المتقاطعة على أجهزتهم المحمولة. مستعيدة ما يعادل 38 في المئة من العائدات.

هذا مستخدم جديد يشترك بتطبيق رقمي توفره نيويورك تايمز للكلمات المتقاطعة، يوفر أكثر من ثلاثة ملايين دولار شهريا للصحيفة. هناك مستخدم آخر يشترك بتطبيق الطبخ، الرياضة، الفنون، الترفيه… هذا يعني أن هناك من لم يفقد تعلقه بالجريدة بمفهومها الرقمي الجديد وفق التطبيقات التي توفرها.

حسنا، نتفهم أن الاهتمام بالمحتوى الإخباري يتضاءل، ولا أحد يدفع من أجل مطالعة الأخبار، لكن الاشتراك بالتطبيقات الترفيهية والرياضة معين مهم لدعم استمرار الصحف وتقديم المحتوى الإخباري بوصفه هدفا لا يمكن التخلي عنه.

الإنترنت يشجع التخصص ويزيد استعداد المستخدمين للدفع مقابل المحتوى الحصري في كل صنوف المعرفة والترفيه، الصحيفة في العصر الرقمي لم تعد معنية بالأخبار وحدها مع أنها مازالت صناعة بحاجة إلى إعادة إنتاج وتطوير كي لا تفقد قيمتها.

الصحف الكبرى اليوم تقدم محتوى متميزا عبر تطبيقات تحقق النجاح لمستخدم جديد في عالم رقمي متسارع. الأمر الذي دفع العلامات التجارية الإخبارية اليومية إلى إدراك أن هذه الشرائح يجب أن يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها فرص تجارية لبناء جماهير متخصصة في نوع إعلامي من التجارة الإلكترونية، وعدم اكتفاء الصحف بزيادة عدد المشتركين في الصحيفة الورقية.

فبمجرد أن تبدأ الصحف اليومية في النظر إلى أنها مجرد قنوات إعلامية متخصصة في الأخبار بحد ذاتها، لن تكون سوى خطوة قصيرة لبناء علامات تجارية يصعب أن تجذب الجمهور الجديد الذي ترك الصحيفة بعيدا عن متناول يده. إنه يبحث عن شيء مختلف كليا تقدمه الصحف على جهازه المحمول. وتلك فرصة يجب أن تنجح بها الصحف للخروج من السوق المريضة وبناء قطاعات متخصصة قوية.

التطبيقات سوق واعدة بدأتها الصحف ويمكن أن تتصاعد بالاستعانة بالعلامات التجارية الناجحة ومهارات الترويج والاشتراك، يكفي أن نتخيل أن صحيفة تمتلك عشرة ملايين متابع لها على فيسبوك، كم منهم يمكن أن يكون هدفا للاشتراك في تطبيق رياضي أو ترفيهي أو فيديوي مقابل اشتراك شهري رمزي. إذا نظرنا إلى العدد الكبير للمشتركين بتطبيق الكلمات المتقاطعة في نيويورك تايمز يمكن لنا أن نتوقع عدد المولعين بمحتوى كرة القدم وتطبيقات الطبخ والترفيه والفيديو… تلك حزم رقمية جديدة تستثمرها الصحف اليوم للخروج من أزمتها.