تعزيز التعاون الأمني والتجاري يوطد العلاقات بين باريس والرباط

زيارة وزير الداخلية ووزير الفلاحة الفرنسيان إلى الرباط للتعاون في عدة مجالات أمنية واقتصادية تساهم في إعادة الدفء إلى علاقة فرنسا مع المغرب.
فرنسا تعزز تعاونها الأمني مع المغرب في مكافحة الإرهاب وتأمين أولمبياد باريس
دارمانان: بدون دوائر الاستخبارات المغربية قد تكون فرنسا معرضة أكثر للإرهاب

الرباط – بدأ وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان زيارة عمل إلى المغرب، في إطار سلسلة من الخطوات لتوطيد العلاقات بين باريس والرباط، حيث يعقد مباحثات مع مسؤولين مغاربة عدة، في مقدمتهم نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت، تتركز على تعزيز التعاون الثنائي في المجال الأمني، وذلك بالتزامن مع وجود وزير الفلاحة الفرنسي مارك فينسو بالمغرب، في زيارة عمل للمشاركة في النسخة السادسة عشر من معرض الفلاحة، إلى جانب توقيعه اتفاقيات مع نظيره وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي.

وأكد دارمانان الاثنين عزم بلاده على تعزيز تعاونها الأمني مع المغرب في مكافحة الإرهاب وتأمين أولمبياد باريس، وقال في تصريح للصحافيين عقب اجتماع مع نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت “أريد أن أشكر المغرب الذي سيساعدنا بقوة في التظاهرات الرياضية الكبرى التي سننظمها، وخصوصا الألعاب الأولمبية هذا الصيف”، مشيرا أيضا إلى التعاون في تأمين بطولة أمم إفريقيا لكرة القدم بالمغرب العام المقبل.

وأضاف “بدون دوائر الاستخبارات المغربية قد تكون فرنسا معرضة أكثر للإرهاب خصوصا في أفق الألعاب الأولمبية”، التي تستضيفها باريس هذا الصيف.

من جهتها قالت وزارة الداخلية المغربية في بيان إن الوزيرين “اتفقا على تقوية قنوات تبادل الخبرات والمعلومات من أجل استباق أفضل للمخاطر المتعددة، خصوصا المرتبطة بالأنشطة الإجرامية للجماعات الإرهابية”.

وفي معرض حديثه عن “مكافحة الإرهاب” أشار دارمانان إلى “الحصول على معلومات أصدقائنا المغاربة حول المخاطر التي تخترق شريط الساحل والصحراء”.

وتوترت علاقات فرنسا مع بلدان في منطقة الساحل الإفريقي في الفترة الأخيرة، عقب سلسلة من الانقلابات العسكرية القريبة من روسيا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وهذه ثالث زيارة لوزير فرنسي إلى المغرب منذ مجيء وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه إلى المملكة أواخر شباط/فبراير، مع سعي الرباط وباريس إلى إعادة الدفء لعلاقاتهما الثنائية بعد سلسلة من الأزمات في الأعوام الأخيرة.

وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أن وزير الداخلية دارمانان يزور المغرب، بدعوة من نظيره لفتيت في زيارة تهدف إلى “تعميق” التعاون بين البلدين في المجال الأمني “في سياق دولي من عدم الاستقرار”، وأوضحت أن “الزيارة تندرج في إطار دينامية تعاون متعدد الأوجه بين فرنسا والمغرب، لكي يتصديا معا للتحديات التي تواجه كلا البلدين” فيما سيرافق دارمانان في الزيارة مدراء عامون رئيسيون في وزارة الداخلية وأقاليم ما وراء البحار.

ويلتقي وزير الداخلية الفرنسي أيضا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق، إضافة إلى ممثلين لمجتمع الأعمال الفرنسي المغربي والجالية الفرنسية في الرباط.

زيارة فينسو تأتي في إطار تجديد التعاون بين باريس والرباط في المجال الفلاحي والزراعي والغابات في شراكة جديدة استثنائية متوازنة مبتكرة وطموحة

وتأجلت زيارات وزراء فرنسيين للرباط كانت مرتقبة الأسبوع الماضي بسبب جدول أعمال مسؤولين مغاربة، بحسب مصادر مطلعة أكدت في وقت سابق أن زيارتي وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان ووزيرة الثقافة رشيدة ذاتي “تم تأجيلهما وليس إلغاؤهما”، مؤكدة أن التنسيق المشترك بين الرباط وباريس “مستمر”.

من جانبها، قالت وزارة الفلاحة الفرنسية، إن زيارة فينسو تأتي “في إطار تجديد التعاون بين باريس والرباط في المجال الفلاحي والزراعي والغابات” معتبرة هذا التعاون بين البلدين ”شراكة جديدة استثنائية، متوازنة، مبتكرة وطموحة”.

ويرافق المسؤول الفرنسي، في زيارته للرباط التي سيستهلها بالمشاركة في افتتاح معرض الفلاحة، الذي تشارك فيه بلاده ب 37 شركة في جناح خصصت له مساحة 300 متر مربع، ممثلين من معاهد البحوث والمؤسسات التعليمية الفرنسية ورجال أعمال وأرباب شركات.

وفي اليوم التالي، يعقد الوزير لقاء ثنائية مع محمد صديقي للتوقيع على اتفاقية عمل غايتها التعاون الزراعي والغابات. وخاصة في “مجال الانتقال إلى أنظمة زراعية وغابات متينة ومستدامة ومنتجة في سياق التغير المناخي، وتعزيز التبادلات في التدريب والتبادلات العلمية”.

كما سيتم توقيع عدة اتفاقيات بين المهنيين الفرنسيين والمغاربة (البذور، اللحوم، الألبان، الحيوانات الصغيرة، المحاصيل الزيتية) في معرض الفلاحة بالإضافة إلى ثلاث اتفاقيات تعاون بين المعاهد التعليمية والبحثية الفرنسية والمغربية، المعهد الزراعي والبيطري الحسن الثاني وجامعة محمد السادس بوليتكنيك.

وتشهد العلاقات المغربية الفرنسية مؤشرات على طي صفحة الأزمة الدبلوماسية التي طبعت علاقاتهما في الأعوام الأخيرة، مع توالي زيارة المسؤولين الفرنسيين، وقد أعرب وزير التجارة الخارجية الفرنسي، فرانك ريستر في وقت سابق من شهر أبريل/نيسان الجاري عن استعداد بلاده للاستثمار إلى جانب الرباط في الصحراء المغربية، كما أكد في تصريحات صحفية أخرى أن الوقت حان "لإنعاش العلاقة" بين بلاده والرباط. وأضاف "علينا أن نتأكد من أننا نعمل معا، لدينا مصالح مشتركة".

وترى فرنسا في الاقتصاد مدخلا لإعادة الدفء إلى علاقتها مع المغرب، التي توترت منذ إعلان الولايات المتحدة أواخر عام 2020 اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء المغربية. كما تعكرت بسبب ما بات يعرف إعلاميا بقضية "التجسس" وعدم قبول الرباط مساعدة باريس إثر الزلزال الذي ضرب البلاد في سبتمبر/أيلول الماضي.

وسجلت المبادلات التجارية بين باريس والرباط "مستوى قياسيا" عام 2023، إذ بلغت 14 مليار يورو، في وقت تستمر فيه فرنسا في صدارة قائمة المستثمرين الأجانب بالمغرب.

في المقابل، تعد الرباط أكبر مستثمر إفريقي في فرنسا، مع محفظة استثمارية بلغت 1.8 مليار يورو في 2022، مقابل 372 مليون يورو فقط في 2015، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.