تعيين رئيس جديد لـ'الشاباك' يُعمّق الانقسام في إسرائيل

نتنياهو يتجاهل قرار المحكمة العليا يتعيين رئيس جديد لـ'الشاباك'، في خطوة اعتبرها معارضوه 'كسر علني' لسلطة القضاء.

القدس - سلط قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس بتسمية الجنرال دافيد زيني، رئيسا لجهاز الأمن العام "الشاباك" خلفا لرونين بار، الضوء على عمق الخلافات بين الأول من جانب وكل من قيادة الجيش والسلطة القضائية في البلاد من جانب آخر.

واعتبر معارضو نتنياهو القرار بمثابة تحد مباشر للمستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، التي طلبت منه الأربعاء عدم اتخاذ أي خطوات في الوقت الراهن لتعيين رئيس جديد لـ"الشاباك"، قبل صياغة توجيهات قانونية للخطوة تتوافق مع قرار المحكمة العليا الأخير.

كما أغضب القرار قيادة الجيش، خاصة أنه لم يتم إعلامها به إلا قبل دقائق من إعلانه، وتسبب الأمر في إقالة زيني من الخدمة العسكرية لتواصله مع نتنياهو دون مصادقة رئيس الأركان.

في المقابل، رأى مؤيدو نتنياهو أن صلاحية تعيين رئيس "الشاباك" تعود حصريا لرئيس الوزراء، وفي مقدمة هؤلاء وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي قال، في منشور عبر منصة "إكس" الخميس "يُمنح قانونا لرئيس الوزراء وحده صلاحية تعيين رئيس جهاز الأمن العام".

كما تمسك نتنياهو بموقفه مؤكدا أنه "قانوني"، وأن قرار تعيين زيني، سيسري اعتبارا من تاريخ 15 يونيو/حزيران المقبل، وهو التاريخ الذي سبق أن أعلنه بار موعدا لتنحيه عن منصبه.

وبشكل مفاجئ، أعلن نتنياهو الأربعاء أن قرر تسمية الجنرال زيني رئيسا قادما لجهاز "الشاباك"، خلفا لبار.

وجاءت تسمية زيني، للمنصب رغم أن المستشارة القانونية للحكومة أبلغت نتنياهو بأنه يتوجب عليه الامتناع عن اتخاذ أي قرار بالخصوص حتى يتم صياغة التوجيهات القانونية اللازمة في ضوء قرار المحكمة العليا بشأن إقالة بار.

والأربعاء، قضت المحكمة العليا بأن حكومة نتنياهو لم تسلك الإجراءات القانونية السليمة عندما قررت، في 20 مارس/آذار الماضي، إقالة بار، لأن القرار لم يُعرض على "لجنة غرونيس للتعيينات العليا" المعنية بفحص النزاهة، وتم اتخاذه دون وجود أساس واقعي، ومن دون إجراء جلسة استماع قانونية لرئيس الشاباك.

كما اعتبرت المحكمة أن الإقالة جاءت وسط شبهة "تضارب مصالح"، لأن بار مشارك في إدارة تحقيقات جارية مع مقربين من نتنياهو في قضيتين.

والجمعة، ذكرت هيئة البث العبرية الرسمية، أن "نتنياهو تجاهل قرار المحكمة العليا، عندما أعلن عن تسمية زيني خلفا لبار".

ووصفت الخطوة بأنها "كسر علني لسلطة القضاء، وتهديد مباشر لبنية النظام الديمقراطي في إسرائيل".

وأضافت هيئة البث الرسمية "قرار نتنياهو، الذي قوبل بانتقادات واسعة في الأوساط القضائية والسياسية، يُعد أول تحد علني ومباشر لقرار صادر عن المحكمة العليا، التي شددت على أن إقالة بار، تفتقر إلى الأساس القانوني وتنتهك مبدأ الفصل بين السلطات".

وتابعت "يرى مراقبون أن هذا القرار قد يُشكل منعطفا حادا في العلاقة المتوترة أصلا بين السلطتين القضائية والتنفيذية، وسط تزايد القلق من أن يؤدي تجاهل قرارات المحكمة إلى تقويض ثقة الجمهور بالمؤسسات، وتعميق الانقسام الداخلي".

وردا على القرار، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، الشارع إلى إعلان عصيان مدني وقال في مقابلة مع القناة "12" العبرية الخاصة "لا أعرف رئيس وزراء يتحدث مباشرة إلى الجنرالات دون الرجوع إلى رئيس أركان الجيش".

وتابع أن "رئيس الوزراء ليس فوق القانون، وما يحدث هنا هو تحديدا أزمة دستورية. نتنياهو يتمرد ويعلن الحرب، وحكومته تُفكك دولة إسرائيل"، مضيفا "أدعو إلى إغلاق كامل للبلاد، لا أقل من ذلك. عصيان مدني سلمي".

وفي السياق ذاته، أعلنت "الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل" غير الحكومية، الخميس، عزمها تقديم التماس إلى المحكمة العليا ضد قرار تعيين زيني.

وقالت الحركة في بيان "يُعد هذا التعيين تجاهلا غير مسبوق لقرار المحكمة العليا وتعليمات المستشارة القانونية للحكومة، ومواصلة لنهج خطير بتقويض سيادة القانون خدمة لمصالح شخصية ضيقة".

وأضافت "سنقدم التماسا إلى المحكمة العليا خلال الأيام المقبلة ضد هذا التعيين الباطل، وسنواصل وقوفنا الحازم ضد محاولات تحدي النظام القضائي وسيادة القانون في إسرائيل".

وفي حال أصدرت المحكمة العليا قرارا ضد التعيين، وأصرت الحكومة على المضي فيه، فقد تجد إسرائيل نفسها أمام أزمة دستورية، بالنظر إلى أن المحكمة العليا تُعد أعلى سلطة قضائية في البلاد.

وفي رده على الهجوم عليه بعد إعلانه تسمية رئيس جديد لـ"الشاباك"، تمسّك نتنياهو بقراره، وقال مكتبه في بيان الجمعة إن "رئيس الوزراء مسؤول عن أمن الدولة، وتزداد هذه المسؤولية أهمية خلال حرب متعددة الجبهات".

وأضاف البيان "في خضم الحرب، من الخطأ الاكتفاء بتعيين قائم بأعمال مدير جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، ويجب تسمية مدير دائم للجهاز فورا، فهذا مطلب أمني بالغ الأهمية، وأي تأخير يُلحق ضررا بأمن الدولة وأمن جنودنا".

من جهة أخرى، قالت هيئة البث، إن نتنياهو أجرى محادثات مع الجنرال زيني، بينما كان لا يزال في الخدمة العسكرية، دون علم رئيس الأركان إيال زامير، وهو ما سلط الضوء على التوتر بين الحكومة والجيش.

وأفادت بأن "الحادثة أعادت إلى الأذهان على التوتر القائم بين القيادة العسكرية والمستوى السياسي في إسرائيل، وعلى طريقة اتخاذ قرارات حساسة في توقيت أمني معقد".

وكشفت الهيئة أن نتنياهو زار قبل أسبوعين قاعدة "تسئيليم" في جنوب إسرائيل خصيصا لإجراء مقابلة مع الجنرال زيني تمهيدا لتعيينه رئيسا لجهاز "الشاباك".

وأضافت أن "هذا الكشف يأتي في ظل الأزمة التي تفجّرت صباح الجمعة، بعد أن استدعى رئيس الأركان زامير، الجنرال زيني، لجلسة توضيح انتهت بإقالته من الخدمة العسكرية".

وتابعت "أكد الجيش أن القرار جاء بعد تفاهم بين الطرفين على إنهاء خدمته خلال أيام، مع الإشادة بسجله القتالي الطويل".

وأردفت أن "زامير أوضح أن أي تواصل لضباط الجيش مع المستوى السياسي يتطلب مصادقة رئيس الأركان"، في إشارة واضحة إلى أن الخطوة تمت دون علمه.

وختمت الهيئة بالقول إن "إعلان التعيين تم خلال جلسة أمنية في مكتب نتنياهو، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين، وقد علم رئيس الأركان بالأمر قبل ثلاث دقائق فقط من إعلان نتنياهو، وهو ما وُصف بأنه تجاوز فاضح للتسلسل القيادي في المؤسسة الأمنية".