تغيير السياسة الاقتصادية لا يكفي لاستعادة تركيا ثقة المستثمرين

محللون يقولون إنه يتعين على الشركات الآن التكيف مع قواعد ولوائح شاملة في بعض الأحيان تنشرها يوميا الجريدة الرسمية لأردوغان وتشمل الضرائب والإقراض وتحديد اللوائح الخاصة باستخدام الأراضي والتجارة.
هناك حاجة للتحول من برنامج اقتصادي غير تقليدي
لا إصلاحات هيكلية وقضائية متوقعة في تركيا
سياسة أردوغان تشيع مناخا من الخوف لدى المستثمرين

إسطنبول - يراقب مستثمرون محليون وأجانب مسار السياسة التركية بعد إعادة انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لولاية رئاسية جديدة، بينما يتوجسون من أن التغييرات الاقتصادية التي وعد بها لن ترافقها تغييرات في السياسة السابقة التي أشاعت مناخا من عدم الاستقرار المالي بما جعل الاستثمار في تركيا مجازفة لنظرا لبيئة اتسمت بقمع الحريات ينظر لها أيضا على أنها بيئة عالية المخاطر.

وقال محللون إن عودة تركيا المتوقعة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية قد لا تكون كافية للحصول على استثمارات دولية أطول أمدا، إذ لا يزال من الضروري استعادة القدرة على التنبؤ وتعزيز سيادة القانون من أجل بناء الثقة.

وفي حين أن ارتفاع أسعار الفائدة من شأنه أن يجذب بعض المستثمرين الأجانب إلى الأصول التركية، يقول محللون إن الاستقرار والمساءلة والشفافية اللازمة لطمأنة المستثمرين لن تتحقق إلا بتعديلات جوهرية في الامتثال للقوانين.

وبعد أسبوع من إعادة انتخابه، عيّن الرئيس رجب طيب أردوغان وزيرا جديدا للمالية هو محمد شيمشك لتحويل المسار بعيدا عن سياسات الرئيس غير التقليدية السابقة التي أدت إلى ارتفاع التضخم وهبوط الليرة. وكان شيمشك يحظى بتقدير كبير من الأسواق المالية حين شغل المنصب نفسه سابقا.

لكن بعد سنوات من التشريعات غير المتوقعة وما يرى منتقدون إنه انحسار للحريات في ظل نظام رئاسي، ومع عدم إمكانية توقع إجراء أردوغان إصلاحات جوهرية، فإنه من غير المرجح أن تشهد تركيا تغييرا جذريا في معنويات المستثمرين.

وقال محمد غون رئيس جمعية عدالة أفضل "كي يكون هذا دائما، يجب ألا يعتمد على الأشخاص فحسب لكن على احترام سيادة القانون"، مضيفا "يتعين علينا تعزيز البنية التحتية القانونية لضمان أن يتخذ الشخص الجديد الذي سيحل في المستقبل محل شيمشك القرارات الصائبة. يتعين علينا الحد من سلطات الرئيس".

واستشهد غون وهو محام، على سبيل المثال بقرار تركيا في عام 2021 بالانسحاب من اتفاقية إسطنبول وهي معاهدة دولية لمكافحة العنف القائم على نوع الجنس. وقال إن ذلك "نقل رسالة للأسواق الدولية مفادها أنه يمكن إلغاء أي اتفاق دولي على أساس تعسفي بمرسوم رئاسي".

وأيد الأتراك الانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي في استفتاء عام 2017، مما أعطى سلطات واسعة لأردوغان، وهو نظام تقول الحكومة إنه يفضي إلى وضع قواعد فعالة وواضحة.

ويتعين على الشركات الآن التكيف مع قواعد ولوائح شاملة في بعض الأحيان تنشرها يوميا الجريدة الرسمية للرئيس وتشمل الضرائب والإقراض وتحديد اللوائح الخاصة باستخدام الأراضي والتجارة.

وقال البنك الدولي إن تركيا في معسكر للدول التي تنشر مسودات اللوائح وتطلب آراء أصحاب المصلحة، لكنها لا تبلغ عن نتائج المشاورات.

وقال أورهان توران رئيس اتحاد الأعمال والصناعة التركية في مؤتمر في مارس/آذار، إنه يتعين على البلاد تقوية علاقاتها مع الحلفاء الغربيين من خلال تعزيز سيادة القانون والقضاء المستقل.

وحصل أردوغان على تفويض لتمديد حكمه إلى عقد ثالث في جولة الإعادة في 28 مايو/أيار وحصل فيها على أكثر من 52 بالمئة من الأصوات.

وقال في خطابه بعد الانتخابات "نخطط من أجل إدارة مالية تتمتع بسمعة دولية واقتصاد إنتاجي يستهدف الاستثمار والتوظيف".

وقال اثنان من كبار المسؤولين في حزب العدالة والتنمية الحاكم، إنه من أجل طمأنة المستثمرين الأجانب بعض الشيء، من المهم للغاية إدخال إصلاحات قضائية وستعلن الحكومة الجديدة عن خطوات قريبا لإصلاح "الضرر المتصور" في النظام القضائي.

وقال أحد المسؤولين الكبيرين "من الواضح أنه لضمان الحصول على الثقة الاقتصادية، لا محيص عن الاتساق القانوني".

ويقول مدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضة السياسية إن حزب العدالة والتنمية استخدم في بعض الأحيان النظام القضائي لمعاقبة المعارضين، وهو اتهام نفته السلطات.

ولم تلتزم تركيا بأحكام كثيرة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومنها قرار المحكمة بإطلاق سراح عثمان كافالا كون احتجازه ينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وحكم على كافالا (65 عاما) بالسجن مدى الحياة دون عفو مشروط بعد إدانته بمحاولة الإطاحة بالحكومة عن طريق تمويل احتجاجات متنزه غازي عام 2013، وهو ما نفاه.

ولا يزال شرف الدين جان أتالاي، العضو المنتخب حديثا في البرلمان، محتجزا باتهامات مماثلة. وقال دنيز أوزين محامي النائب عن حزب العمال التركي، إن السلطات تنتهك القانون تامحلي بإبقاء اتالاي في السجن.

وقالت إيما سنكلير ويب، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في تركيا، إن نظام العدالة الفاقد للمصداقية يمثل مصدر قلق خاص للمستثمرين الأوروبيين، مضيفة "بدون صحافة حرة وبدون محاكم مستقلة، يكون مناخ الاستثمار سلبيا عموما".

وفي ظل الاستنفاد الشديد لاحتياطيات العملات الأجنبية وبلوغ الليرة أدنى مستوياتها القياسية، عزز تعيين شيمشك التوقعات بأن السلطات ستخفف القيود على أسواق الصرف الأجنبي والائتمان والديون.

ولدعم التحول الكامل فيما يبدو، عين أردوغان يوم الجمعة الماضي حفيظة غاية أركان محافظة للبنك المركزي التركي، مما يمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة.

لكن محللين يقولون إنه على الأمد الطويل، لن يأتي الاستثمار الأجنبي المباشر للبلاد بسبب تأثير أردوغان المفترض على الكيانات المستقلة مثل البنك المركزي.

وتظهر بيانات وزارة المالية أن الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ حوالي 13.1 مليار دولار في العام الماضي، ارتفاعا عما كان عليه قبل خمس سنوات لكنه يتماشى تقريبا مع عام 2021.

وقال هوارد إيزنستات الأستاذ المساعد في تاريخ وسياسة الشرق الأوسط بجامعة سانت لورانس، إنه من غير المرجح حدوث ارتفاع كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر ما لم تنفذ تركيا إصلاحات جوهرية تعالج مشكلات رئيسية مثل الفساد،مضيفا "بغض النظر عن الإصلاحات الاقتصادية، لن يزداد الاستثمار كثيرا".