تفويض شبابي يمنح قيس سعيد فوزا ساحقا في رئاسية تونس

2.7 مليون ناخب أغلبهم من الشباب صوتوا لأستاذ القانون الدستوري المتقاعد، بينما صوّت 1.04 مليون ناخب لمنافسه القروي في انتخابات رئاسية بلغت نسبة المشاركة الإجمالية فيها 55 بالمئة.

الرئيس التونسي الجديد يتعهد بالحفاظ على مكاسب الثورة
قيس سعيّد يعارض المساواة في الميراث
قيس سعيد شخصية محافظة لا إسلامية بحسب شهادة أستاذه
تحديات كثيرة في انتظار ساكن قرطاج الجديد
قيس سعيد يتبنى بعض الأفكار المحافظة ويجمع حوله شخصيات معروفة بمواقف مماثلة

تونس - أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس اليوم الاثنين عن فوز المرشح المستقل قيس سعيد برئاسة تونس على منافسه رجل أعمال والإعلام نبيل القروي بفارق كبير، فيما أظهرت استطلاعات الرأي وحملات دعم على مواقع التواصل الاجتماعي أن الشباب كان الفئة الأكثر تصويتا لأستاذ القانون الدستوري المتقاعد.

وقالت الهيئة إن سعيّد فاز بنسبة 72.71 بالمئة فيما حصل منافسه القروي على 27.2 بالمئة وهي نتائج متقاربة مع تلك التي أظهرتها استطلاعات الرأي بعد اغلاق مراكز الاقتراع مساء الأحد.

وصوّت 2.7 مليون ناخب لسعيّد بينما صوّت 1.04 مليون ناخب للقروي في الانتخابات التي جرت الأحد. وبلغت نسبة المشاركة الإجمالية 55 بالمئة وهي نسبة أعلى من تلك التي سجلت في الدورة الأولى (49 بالمئة) وفي الانتخابات التشريعية التي تلتها (41 بالمئة).

ويمكن لسعيّد والقروي أن يقدما طعونا في النتائج خلال الأيام القادمة تنظر فيها المحكمة الإدارية. وهنّأ القروي منافسه سعيّد بفوزه، وفقا لبيان صادر الاثنين عن حزب "قلب تونس".

ويصبح بذلك قيس سعيّد ثاني رئيس لتونس ينتخب بالاقتراع المباشر منذ ثورة 2011 ومن المقرر أن يؤدي اليمين نهاية الشهر الحالي.

وأفردت الصحف التونسية الصادرة الاثنين صفحاتها الأولى لتحليل فوز سعيّد الذي دخل السياسة حديثا ولا يتبنى توجها سياسيا معينا.

وكتبت صحيفة 'الشروق' المحلية اليومية إن "الشعب منحه انتصارا باهرا"، بينما عنونت صحيفة 'الصباح الأسبوعي' الاثنين "والآن إلى الأهم"، مشيرة إلى أن نتائج الانتخابات "ستكون بداية لمرحلة جديدة في تاريخ بلادنا للخروج من حالة الضيق التي عاشتها البلاد خلال السنوات الأخيرة وما رافقها من أزمات اقتصادية واجتماعية".

أنصار سعيد معظمهم من الشباب وكان صوتهم حاسما في ترجيح كفته
أنصار سعيد معظمهم من الشباب وكان صوتهم حاسما في ترجيح كفته

وركزت صحيفة 'لابراس' الناطقة باللغة الفرنسية في افتتاحيتها على "استيقاظ الشباب"، وفسرت الصحيفة بأن "عودة الشباب بقوة إلى صناديق الاقتراع مرده تشبيب السجل التجاري عبر تسجيل عدد كبير من الشباب في أبريل(نيسان) من قبل الهيئة بالإضافة إلى حركية هامة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أن تسعين بالمئة من الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين 25 و28 عاما صوّتوا لصالح سعيّد. وأصيب الشباب التونسي بخيبة أمل بعد فشل الحكومات المتعاقبة في تنفيذ وعود ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وفي ظل أزمة اقتصادية شديدة ونسبة بطالة مرتفعة.

وحصلت تعبئة واسعة لصالح سعيد في صفوف الشباب خلال الحملة الانتخابية. وبدا واضحا أنها ردّ على منظومة الحكم ورفض لكل الأحزاب وللأداء السياسي.

ونظم عدد كبير من الشباب السبت والأحد رحلات مشتركة من مقر سكنهم في مناطق مختلفة من تونس إلى العاصمة حيث اقترعوا لصالح سعيّد.

ويقول المحلل السياسي سليم الخراط إن سعيّد "انتُخب بأريحية" وحاز تقريبا على ثلاثة ملايين صوت وهو ضعف عدد الناخبين الذين صوتوا لانتخاب 217 نائبا في الانتخابات التشريعية.

وتعتبر هذه النتيجة "رسالة إلى البرلمان، إذ توجه الناخبين كان نحو مشروع تغليب النزعة الأخلاقية على الحياة السياسية ومقاومة الفساد ومنح سلطة أكبر للكتل المحلية".

ولم يتمكن رجل الإعلام نبيل القروي من الفوز ولم تسعفه القاعدة الانتخابية التي شكلها منذ سنوات عبر زيارات ميدانية قام بها في مناطق داخلية مهمشة في تونس هدفت إلى تقديم مساعدات لمقاومة الفقر.

وكان تأهل للدورة الثانية في الانتخابات إلى جانب سعيّد بالرغم من كونه كان مسجونا. وحلّ حزبه "قلب تونس" في الانتخابات التشريعية ثانيا في البرلمان بكتلة تجمع 38 نائبا، بعد حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي.

ووجه القضاء تهم غسل أموال وتهرب ضريبي لنبيل وشقيقه غازي. وتم توقيف نبيل القروي في 23 أغسطس/اب الماضي وأطلق سراحه الأربعاء الماضي.

ويعتبر القروي أن القضاء ظلمه. وقال إن "نكران العدالة" له حرمه من القيام بحملته الانتخابية كبقية المرشحين.

وقال النائب لطفي المرايحي "التونسيون يبحثون عن النزاهة". ولذلك انتخب سعيّد الذي "يشكل إرادة القطع مع النظام القديم".

ويتبنى "الأستاذ"، كما يلقبه طلابه، بعض الأفكار المحافظة ويجمع حوله شخصيات معروفة بمواقف مماثلة وأثار ذلك نقاشا واسعا منذ بروزه بعد الدورة الرئاسية الأولى.

ويتبنى سعيّد أيضا أفكار الثورة التونسية وشعاراتها ويرفع لواء "الشعب يريد"، ويدعو إلى توزيع السلطة على المناطق عبر انتخاب ممثلين عنها.

ودعا حزب النهضة الذي خرج مرشحه إلى الرئاسة منذ الدورة الأولى، قواعده إلى التصويت لسعيد في الدورة الثانية.

ويمنح الدستور التونسي صلاحيات توصف بالمحدودة لرئيس البلاد تتعلق أساسا بملفات الخارجية والأمن القومي والدفاع إلى جانب إمكانية اقتراح مشاريع قوانين.

وأفرزت الانتخابات النيابية برلمانا بكتل نيابية مشتتة وحلت النهضة أولا بـ52 مقعدا وباشرت مشاورات مع الأحزاب الفائزة من أجل تقديم رئيس حكومة ليشكل بدوره ولاحقا حكومة تتطلب 109 صوتا في البرلمان لكي تتم المصادقة عليها.

ومن المنتظر أن يؤدي سعيّد القسم الدستوري نهاية الشهر الحالي ويتولى مهامه في قصر قرطاج خلفا للرئيس بالنيابة محمد الناصر الذي يشغل المنصب منذ وفاة الباجي قائد السبسي في 25 يوليو/تموز.

ومن أستاذ في القانون الدستوري إلى معلّق سياسي بعد تقاعده، كان الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيّد شبه مجهول حتى وقت قصير مضى وهو رجل الصرامة والنظافة في نظر فئة واسعة من التونسيين، يتبنى أفكارا محافظة، ولا يتخلّى عن الثورة.

وولد سعيد في 22 فبراير/شباط 1958 في عائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى من أب موظف وربة منزل ودرس بالجامعة التونسية وتخرج منها ليدرّس فيها لاحقا القانون الدستوري قبل أن يتقاعد منذ سنة وهو أب لبنتين وولد وهو متزوج من القاضية إشراف شبيل.

وحصل على دبلوم في سن 28 عاما من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ثم باشر تدريس القانون في جامعة سوسة وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام لينتقل منذ العام 1999 إلى حدود 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة.

ويقول طلابه إنه كان يكرّس نفسه للتدريس ويصفونه بالإنسان المستقيم والصارم الذي نادرا ما يبتسم.

وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عليه اسم "روبوكوب" لأنه دائما غالبا ما يعتمد في كلامه اللغة العربية الفصحى التي يتكلمها بطلاقة وبدون توقف.

ويروي أحد طلابه في تغريدة على "تويتر"، أنه "كان يمكن أن يمضي ساعات خارج حصص الدرس مع الطلبة لتوضيح بعض النقاط بخصوص امتحان".

لكن الصحافي نسيم بن غربية الذي كان من طلابه يصفه "بالأستاذ الجديّ والمسرحي أحيانا، لكن دائم الإصغاء لطلابه".

ويتذكر صحافي في وكالة فرانس برس أن سعيّد كان، حين يدخل صباحا الكلية، يبدأ بإلقاء التحية على كل من يصادفه من زملائه وعلى عمّال النظافة والموظفين بالإدارة والطلبة، ويسأل عن أحوالهم وأحوال عائلتهم فردا فردا.

وضمت شبكة أنصاره طلبة متطوعين إلى جانب شخصيات كان حضورها بارزا خلال احتجاجات "القصبة 1" عام 2011 التي شكلت منعطفا في مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد الذي انطلق بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

ولقي استحسانا بين التونسيين خلال ظهوره المتعدد منذ 2011 في وسائل الإعلام التونسية، ليقدّم تفسيرات وتوضيحات ويبسّط المسائل الدستورية المعقدة في دستور البلاد الذي وضع في العام 2014.

وأثار سعيّد الجدل منذ إعلان ترشحه للرئاسة لقلة المعلومات عنه ولقربه من شخصيات سياسية محافظة. واعتبره البعض يساريا، فيما صنفه آخرون بالإسلامي المحافظ.

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر بعض توجهات الرجل المدافع بشدة على لامركزية القرار السياسي وضرورة توزيع السلطة على المناطق.

ويدعو سعيّد لانتخاب مجالس جهوية تعين بدورها ممثلين لها "من أجل أن تصل إرادة الشعب للسلطة المركزية ومقاومة الفساد".

ومن الواضح أن التأييد الذي حصل عليه سببه النظرة إليه على أنه شخصية خارج نظام الحكم والسياسيين قريبة من التونسيين الذين ملّوا نظام الحكم وممثليه.

وينظر إليه "كرجل نظيف"، وهو يقطن منزلا في منطقة سكنية متوسطة وكان مقر حملته الانتخابية مكتبا متواضعا وسط العاصمة.

وانتُقد سعيّد لمواقفه المحافظة في بعض القضايا الاجتماعية، لكنه في خطاباته لا يستند إلى مرجعيات دينية وعقائدية.

وقال عنه خبير القانون الدستوري وأستاذه السابق عياض بن عاشور في تصريح لصحيفة "لاكروا" الفرنسية "هو بالفعل محافظ جدا وليس إسلاميا".

غير أن سعيّد أكد في مؤتمر صحافي إثر صدور نتائج الدورة الأولى أن "لا رجوع عن المكتسبات في ما يتعلق بالحريات وحقوق المرأة"، رافضا في الوقت ذاته اقتراح المساواة في الميراث.

وسيتمثل التحدي الأول الذي سيواجهه في توسيع دائرة مساعديه المندفعين جدا، لكن من دون أن يملكوا أي خبرة في الحكم.

وكان شقيقه نوفل أحد أركان حملته، لكن قيس سعيد أكد في المناظرة الجمعة مع منافسه الخاسر نبيل القروي، أنه لن يوظف "أبدا" فردا من عائلته في الدولة.