تنامي مقلق لمشاعر عداء علنية للمهاجرين في تركيا

مشاعر الغضب الشعبي تظهر إلى العلن وعلى شاشات التلفزة الوطنية وكانت لافتة في الآونة الأخيرة حين بدأ آلاف من مشجعي كرة القدم ترديد "لا نريد لاجئين في بلادنا" خلال مباراة ضمن التصفيات لكأس العالم.
المهاجرون الأفغان يعيشون في حالة خوف دائم في تركيا
حزب الشعب الجمهوري يرفع شعارات مناهضة للهجرة
أردوغان يدعو للتعاطف مع المهاجرين بينما تمارسه أجهزته حملة توقيفات بحقهم

اسطنبول - تتعاظم مشاعر الخوف لدى المهاجرين الأفغان الذين وصلوا قبل سنوات إلى تركيا مع تدفق المزيد منهم إلى الأراضي التركية بعد سيطرة حركة طالبان مؤخرا على أفغانستان، في ظل مؤشرات على تنامي غضب الأتراك من موجات الهجرة وبروز مشاعر عداء علنية للمهاجرين سواء لدى عموم الناس أو لدى أحزاب سياسية مثل حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي يسيطر على مدن رئيسية مثل أنقرة واسطنبول.

وبحسب دراسة أعدها معهد استطلاعات الرأي "أكسوي" فان 85 بالمئة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم "قلقون" من وصول أفغان منذ عودة طالبان إلى السلطة بعد 20 عاما من طرد الحركة من الحكم.

وسبق أن حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدول الغربية، القلقة هي أيضا من موجة هجرة جديدة محتملة، من أن بلاده لا تعتزم أن تصبح "مخزنا للاجئين".

وظهرت مشاعر الغضب الشعبي إلى العلن وعلى شاشات التلفزة الوطنية في الآونة الأخيرة حين بدأ آلاف من مشجعي كرة القدم ترديد "لا نريد لاجئين في بلادنا" خلال مباراة ضمن التصفيات لكأس العالم.

ويعلن مكتب محافظ اسطنبول من حين إلى آخر عن توقيفات شبه يومية لأفغان ومهاجرين آخرين في أوضاع غير قانونية ووضعهم في مراكز اعتقال، وهو ما أثار مخاوف مهاجرين وصلوا قبل سنوات إلى مدن تركية واستقروا فيها ومنهم من نجح في تأمين عمل يوفر له مداخيل مالية محترمة يساعد من خلالها أهله في أفغانستان.

كما أن حزب المعارضة الرئيسي (حزب الشعب الجمهوري) المناهض بشدة للهجرة والذي يسيطر على مدن مثل اسطنبول وأنقرة، علق أيضا لافتات على بعض المباني تظهر زعيمه كمال كيلتشدار أوغلو مع عبارة "الحدود هي شرفنا".

ويشعر حبيب اوزبك وهو صاحب محل صغير بهذا الضغط، رغم أنه أصبح مواطنا تركيا في 1993.  ويقول "سواء كنا في حافلة أو في الشارع، الناس يدلون علينا بالأصابع قائلين الأفغان هنا".

وكان غوث الدين مبارز يقضي أساسا لياليه وهو قلق من احتمال إعادته إلى أفغانستان حين بدأ مشجعون أتراك في ملعب كرة قدم ترديد هتافات تدعو المهاجرين إلى العودة إلى بلادهم.

والشاب البالغ من العمر 20 عاما شعر باستقبال جيد عند وصوله إلى تركيا قبل عامين بعدما فر من مدينة قندوز بشمال شرق أفغانستان في ختام رحلة محفوفة بالمخاطر استغرقت ثلاثة أسابيع عبر باكستان وإيران.

وتمكن من إيجاد عمل سريعا في مطعم للوجبات السريعة في اسطنبول وكان يرسل نصف راتبه إلى أهله في أفغانستان لمساعدتهم في مواجهة الفقر والحرب في بلاده التي كانت تبدو بدون نهاية.

لكن كل شيء تغير حين بدأت الشرطة جمع الأفغان ووضعهم في مراكز احتجاز تمهيدا لطردهم وهو رد من السلطات على الغضب المتزايد لدى الشعب حيال المهاجرين والذي أججته أزمة اقتصادية أضرت بقدرته الشرائية.

ويقول مبارز وهو يقدم الطعام للزبائن في المطعم "حين وصلت إلى تركيا، كان الأمر سهلا"، مضيفا "الأمر أكثر صعوبة بكثير اليوم. أينما ذهبنا، نعيش في الخوف، نخشى أن يتم توقيفنا وإعادتنا إلى أفغانستان نظرا لوضعنا غير القانوني".

ومنذ العام 2016، تؤوي تركيا إحدى أكبر تجمعات المهاجرين في العالم اثر اتفاق أبرمته مع الاتحاد الأوروبي خلال أزمة اللاجئين الوافدين من سوريا خصوصا في 2015-2016.

وأعلن أردوغان أن بلاده التي تعد 84 مليون نسمة باتت تستقبل حاليا خمسة ملايين مهاجر ولاجئ بينهم حوالي 3.7 ملايين من سوريا وما يصل إلى 420 ألف أفغاني.

لكن عدم الاستقرار الاقتصادي الذي فاقمه وباء كوفيد-19 أثار ارتيابا من السلطات والشعب حيالهم، إلى مستويات قلما سجلت سابقا.

ويؤكد مبارز ذلك قائلا إنه يسمع الأمر نفسه، مضيفا "ينتابني أرق في الليل وأنا أفكر بما سأفعله إذا تم توقيفي ثم طردي"، متابعا "لقد أخذت طالبان كل ما كنا نملكه، نحن بائسون".

وهذا الخوف دفع بالعديد من اللاجئين الأفغان إلى البقاء بعيدا عن الأنظار قدر الإمكان. الأرض التي كان بعضهم يلتقي فيها للعب الكريكت ضد جيرانهم الباكستانيين أيام الأحد، بقيت غير مستخدمة منذ أشهر.

ويدافع أحد نواب رئيس حزب الشعب الجمهوري-فرع اسطنبول برقاي دوزجه عن نهج حزبه وخطابه المناهض للمهاجرين مع اقتراب الانتخابات العامة المرتقبة في يونيو/حزيران 2023 على أبعد تقدير.

وقال "لا نقول إن هؤلاء الأشخاص يجب أن يسلموا إلى طالبان لكن المسألة هي معرفة ما يمكننا تقديمه للوافدين الجدد الذين يصلون. تركيا ليست غيتو للمهاجرين".

ووجدت شعارات حملة حزب الشعب الجمهوري أصداء لدى الأتراك الذين يرون الأسعار ترتفع بشكل كبير ومدخراتهم تذوب مع انهيار العملة وارتفاع التضخم.

وقال محمد أمين وهو أحد سكان اسطنبول بشأن المهاجرين إن "الإيجارات ترتفع بشكل كبير بسببهم"، مضيفا "هم يتقاسمون شقة بعدد عشرة أو 15 شخصا، لا أريد وجودهم".

وتقول المحللة دنيز سينول سرت من جامعة اوزيجين في اسطنبول إن عدائية الشعب هذه سترغم أردوغان الذي حض الأتراك على إبداء تعاطف حيال الذين يحاولون إيجاد ملجأ، أن يبدي تصلبا.

وأضافت "طالما هناك منافسة على المداخيل، فإن هذا الحقد تجاه الأجانب سيستمر".

رغم كل شيء، فإن البعض يعبر عن صدمة إزاء هذا التحول الكبير في مدينة معروفة منذ قرون بأنها ملتقى ثقافي. وقال التاجر علاء الدين كافجا "كنت أوظف أفغانيا قبل أن يفر إلى ألمانيا"، مضيفا "كنت أترك له المتجر وأثق به بشكل كامل".