توازنات حساسة: السياسات الخليجية تُجاه إسرائيل ومسار التطبيع

حرب غزة عطلت مسيرة التطبيع، لكن الأهم هل يقود التطبيع إلى تغيير إسرائيل من سياساتها تجاه الفلسطينيين؟

في خضم الصراع الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة ثمة توازنات حساسة يشهدها الإقليم لجهة مسار التطبيع الخليجي مع إسرائيل، إذ يبدو واضحاً أن الدول الخليجية تحاول المواءمة ما بين توجهاتها الاستراتيجية في المنطقة ونظم معادلات سياسية واقتصادية وأمنية مع إسرائيل، الأمر الذي كان مدعاة للنقاش والتعمق في جُلّ التوجهات والارتباطات التي هندست مسار العلاقة الخليجية الإسرائيلية. ومنذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر برزت محاولات خليجية للعمل ضمن مسارين لا ثالث لهما الأول تهدئة الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية خصوصاً بين طرفي النزاع حماس وإسرائيل، والثاني منع إشعال حرب إقليمية تجذب إليها إيران وحلفاؤها في المنطقة.

الدول الخليجية ورغم اجماعها على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية في فلسطين، إلا أن المواقف السياسية الفردية للدول الخليجية جاءت متفاوتة بشكل ملحوظ، الأمر الذي وضعه البعض في إطار التوازنات الحساسة الناظمة لعمق العلاقات الخليجية الإسرائيلية.

وفي إطار المواقف التقليدية فإن غالبية دول الخليج دعت إلى دعم حقوق الشعب الفلسطيني مع دعوات لتطبيق مبدأ حل الدولتين. إلا أن الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل في عهد دونالد ترامب وجدت نفسها في موقف محرج، لاسيما مع إستمرار المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

تحاول الإمارات والبحرين اللتان وقعتا على اتفاقيات أبراهام في العام 2020 موازنة علاقاتهما مع إسرائيل والولايات المتّحدة في ضوء التأييد القوي للفلسطينيين في شعبي الدولتين. لكن مقتل آلاف الفلسطينيين في الحرب الدائرة أجبر أبوظبي والمنامة على تبني خطاب أكثر حدة وإلقاء اللوم على إسرائيل وإدانتها بشدّة، لكن رغم ذلك أبقت الامارات والبحرين على حالة التماهي مع الشركاء الخليجيين في ما يتعلق بضرورة إنهاء الصراع.

لم يسجل حدث الأقصى بعناوينه اختباراً حقيقياً للعلاقات الإماراتية والبحرينية مع إسرائيل، وهذا يؤكد في جانب آخر أن التحول الدقيق في خطابي أبوظبي والمنامة مرتبط فقط بضغوط الرأي العام في كِلا البلدين، لكن تغير حقيقي تُجاه اسرائيل وسياساتها في فلسطين.

وعلى جنبات مسار التطبيع، فقد كانت الدول الخليجية الأُخرى أكثر حدة في إدانتها لإسرائيل وسياساتها. على سبيل المثال، أدانت قطر إسرائيل على تصعيد العنف واستمرار المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، لكن في المقابل لطالما كانت قطر وسيطاً بين إسرائيل وحماس في جُل جولات المواجهة، وقد كان الدور القطري في هذا الإطار فاعلاً ومؤثراً في التفاوض. في ذات الاطار فإن السعودية دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار وإعادة تفعيل اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالشرق الأوسط لإحياء جهود السلام الإقليمية، وعقدت منظمة التعاون الإسلامي اجتماعاً عاجلاً بقيادة السعودية من أجل اتخاذ موقفاً موحداً ضد العدوان الإسرائيلي.

الاجتماعات السابقة شكلت جزءًا من مسار ديبلوماسي مُكثّف بذلته الجهات الفاعلة في مجلس التعاون الخليجي خاصة الرياض والدوحة، الأمر الذي يمكن وضعه في إطار القلق جراء استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي قد يؤدي إلى جر إيران وحلفاؤها إلى حلبة الصراع ويتسبب ذلك في مزيد من التصعيد في جميع أنحاء المنطقة.

حدة الصراع بين حماس وإسرائيل كانت كفيلة بمحاولات سعودية لاحتواء التطورات في فلسطين، وترجمة ذلك جاءت عبر اتصالات هاتفية متعددة جرت بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

السعودية وعلى اعتبار أنها الوصية على أقدس مقامين في الإسلام، فإن علاقتها تختلف مع إسرائيل بشكلٍ كبيرٍ عن علاقات الدول الخليجية الأخرى. وهذا الأمر وضع القيادة السعودية في وضع دقيق لجهة تبني المواقف ومواءمتها مع إسرائيل، وخصوصاً خلال الأزمة التي أشعلتها الأخيرة. وإسرائيل تدرك ذلك، كما تدرك بأن التطبيع مع السعودية سيُشكل لإسرائيل جائزة أكبر من جائزة التطبيع مع الإمارات أو أي دولة خليجية أُخرى، ويعود ذلك تحديداً إلى الأهمية الدينية للمملكة، فضلاً عن نفوذها الاقتصادي والسياسي، وبالتالي فإذا قررت السعودية التطبيع، فيمكن أن تحذو حذوها دول أخرى ذات الغالبية المُسلمة مثل إندونيسيا وماليزيا، وهذا ما تسعى اسرائيل لتحقيقه واقعاً.

ولي العهد السعودي قال قبل الصراع الجاري في فلسطين في لقاء مع شبكة فوكس نيوز "كل يوم نقترب أكثر من التطبيع"، مضيفاً أن الصفقة يجب أن تسهل حياة الفلسطينيين. لكن التطورات في فلسطين على الأرجح قد جمدت هذه العملية إلى أجل غير مُسمى.

في الكويت، كانت الاحتجاجات أكثر نشاطاً مقارنة بباقي الدول الخليجية، فقد تجمع آلاف المواطنين والمقيمين في أوقات سابقة للاحتجاج ضد إسرائيل والتضامن مع الفلسطينيين. الكويت، وعلى الرغم من طردها قسم من سكانها الفلسطينيين في التسعينيات بسبب دعم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات غزو الكويت، إلا أنها دافعت بقوة عن القضية الفلسطينية وأكدت أنها ستكون آخر من يُطبع مع إسرائيل في المنطقة.

العمانيّون بدورهم احتجوا ومن ضمنهم المفتي العام أحمد بن حمد الخليلي، ضد العدوان الإسرائيلي على غزة وأدانوا عجز العالم العربي عن وقفه. وتعتبر عُمان التي تترأس حالياً مجلس التعاون الخليجي، أنّ التصعيد هو نتيجة الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني والاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة على المدن والقرى الفلسطينية.

من الواضح أن الدول الخليجية ستستمر على الأرجح في إظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني وانتقاد العمليات الإسرائيلية ضدّ غزة علناً. وعلى الأرجح أنّها ستمتنع عن التواصل مباشرة مع إسرائيل، على الأقل علناً، لتجنب غضب الشارع، وقد تختار هذه الدول التواصل مع إسرائيل عبر وسطاء وخصوصاً الولايات المتحدة، ويتوقع أن تكثف جهودها الدبلوماسية من أجل إنهاء الصراع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت إحدى الدول الخليجية قادرة على تأدية دور فعال في دفع إسرائيل نحو وقف إطلاق النار، أو أن تصبح وسيطاً رئيساً للسلام وتحديد ديناميّات المنطقة بمجرّد أن تهدأ المعركة في غزة.