توترات وتلاسن في جلسة مساءلة الغنوشي

النقاش في البرلمان التونسي يتمحور حول الدبلوماسية النشطة لرئيس البرلمان رئيس حركة النهضة التي تعتبرها أحزاب سياسية دبلوماسية موازية ومساءلته أيضا حول جر تونس لسياسة المحاور بدعمه لحكومة الوفاق.
رئيس برلمان تونس يعمق الانقسامات بأنشطة موازية لدبلوماسية الدولة
عبيرموسي: مستعدون للبقاء حتى الفجر لمساءلة الغنوشي
الحزب الدستوري الحر يقدم مشروع لائحة حول رفض التدخل في ليبيا

تونس - شهد البرلمان التونسي اليوم الأربعاء جلسة مشحونة تخللتها ملاسنات بين النواب، فيما كانت (الجلسة) مخصصة أساسا لمسائلة رئيسه راشد الغنوشي الذي يرأس حركة النهضة الإسلامية حول الدبلوماسية الموازية التي يقودها ومحاولة جرّ تونس إلى سياسة المحاور عبر دعمه لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا.

ووسط خلافات حادة بين نواب حركة النهضة وحلفائها من جهة وبقية نواب الكتل البرلمانية حول مدة مساءلة رئيس المجلس، تم رفع الجلسة العامة المخصصة لموقف البرلمان من التدخل الخارجي في ليبيا "لمزيد التشاور". ورفض عدد من النواب طريقة توزيع المداخلات وتحديد مدتها بـ3 ساعات.

ويتمحور النقاش في البرلمان التونسي حول الدبلوماسية النشطة للغنوشي والتي تتعدى على صلاحيات رئيس الدولة قيس سعيد، في مؤشر على تجدد التوترات السياسية بينما تئن تونس تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة وتركة ثقيلة من المشاكل من مخلفات حكم الترويكا الأولى والثانية التي قادتها النهضة إضافة إلى الحكومات المتعاقبة التي فشلت في معالجة ملفات التنمية والبطالة والعدالة الاجتماعية.

ومن المتوقع أن تتواصل جلسة البرلمان التونسي حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء، في الوقت الذي أعلنت فيه عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر أن كتلتها مستعدة للبقاء حتى فجر الخميس لمساءلة الغنوشي.

وتقدم الحزب الدستوري الحر بمشروع لائحة تتعلق ''بإعلان رفض البرلمان للتدخل الخارجي في الشقيقة ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل''، وفق ما أوردته اذاعة موزاييك الخاصة التي قالت إنها تحصلت على النص الكامل لهذه اللائحة التي أثارت اختلافات داخل البرلمان.

وأعلن النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة (حليف للنهضة) عبداللطيف العلوي اليوم الأربعاء في تصريح لاذاعة موزاييك المحلية الخاصة، أن الائتلاف لن يصوت مع لائحة الدستوري الحر حول "رفض التدخل الخارجي في ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل".

ووصف تلك اللائحة بالمخاتلة والمخادعة، مضيفا أن طرح مساءلة الغنوشي جاء اثر تغير موازين القوي في ليبيا.

وبدا واضحا حجم الانقسام الذي تسبب فيه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بسبب نشاطاته الخارجية من زيارته إلى تركيا في يناير/كانون الثاني وصولا إلى موقفه الأخير الذي أعلن فيه دعم حكومة الوفاق الوطني الليبية.

وكان الغنوشي الذي لم يمضِ سوى شهرين بالكاد على انتخابه رئيسا للبرلمان قد التقى في يناير/كانون الثاني بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما لم يكن قيس سعيد الذي انتخب قبل ثلاثة أشهر قد سافر إلى الخارج بعد.

وأثارت تلك الزيارة جدلا سياسيا حادا في تونس كونه (الغنوشي) زار أنقرة بصفته رئيسا للبرلمان التونسي لا بصفته رئيسا لحركة النهضة التي تقول أحزاب سياسية تونسية إنها تتلقى الدعم من تركيا وقطر.

ونظرا إلى كون الدبلوماسية من الناحية الدستورية من اختصاص رئيس الجمهورية، فقد خضع الغنوشي إلى جلسة استماع حول ذلك في البرلمان، دافع خلالها عن نفسه مؤكدا أنه أبلغ الرئاسة بهذا اللقاء الذي أجراه بصفته زعيما لحزب النهضة، لكن وكالة الأناضول التركية للأنباء التي غطت الزيارة كانت قد أوردت صفة رئيس البرلمان لا رئيس حركة النهضة.

وظهر الجدل من جديد في نهاية مايو/أيار بعدما هاتف الغنوشي رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا فايز السراج مهنئا إياها على قيام قواتها المدعومة عسكريا من تركيا، بالسيطرة على قاعدة الوطية الجوية بعدما كانت خاضعة لسيطرة قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر.

ويتناقض هذا الموقف مع الحياد الذي أظهرته تونس لفترة طويلة، في حين أن ليبيا يمزقها النزاع بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وتدعمها تركيا، القريبة من حزب النهضة، وبين القوات الجيش الوطني الليبي.

وأوضح حمزة المؤدب الباحث في مركز كارنيغي أن "راشد الغنوشي لم يخف قط كونه جزءا من المحور التركي-القطري لكنه الآن رئيس البرلمان والمؤسسات التونسية تجد نفسها منخرطة بهذا المحور".

وتمكنت عدة أحزاب من بينها حليفا حزب النهضة في الأغلبية البرلمانية، من مناقشة الدبلوماسية التي وصفها البعض بأنها "موازية" في البرلمان، خلال جلسة عامة بدأت يوم الأربعاء وسط أجواء متوترة.

كما أطلقت دعوات للتظاهر ضد النهضة ورئيسها إضافة إلى حملة أطلقها نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي لجمع تواقيع للدعوة للتحقيق مع رئيس حركة النهضة التونسية حول مصدر ثروته.

نص لائحة الحزب الدستوري الحر
نص لائحة الحزب الدستوري الحر

واتهمت وسائل إعلام موالية لتركيا المتظاهرين بإثارة انقلاب زعمت أنه بإيعاز من دولة الإمارات في افتراء آخر تحاول من خلاله المنصات الإعلامية التركية والقطرية شغل الرأي العام التونسي عن نشاط رئيس البرلمان في الخارج والتي نددت به أحزاب سياسية كونه يعتبر نشاطا موازيا لدبلوماسية الدولة المعلنة التي تتبنى مبدأ الحياد والنأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية.

وتتفاقم هذه التوترات الدبلوماسية بسبب النزاع في رأس هرم السلطة بين الغنوشي وسعيد، ومن خلال التنافس داخل الائتلاف الحكومي بين النهضة وحلفائه وأيضا من خلال الانقسامات العميقة داخل البرلمان.

وطالب زهير المغزاوي النائب عن الكتلة الديمقراطية في مداخلته خلال الجلسة العامة للنظر في الدبلوماسية البرلمانية، رئاسة الجمهورية بمبادرة تجمع دول الجوار الليبي لمنع كل عمليات التدخل الخارجي في ليبيا.

ويرى المؤدب أن التحالف الحكومي غير المتجانس والذي وصل بمشقة إلى السلطة في فبراير/شباط "تمكن من الصمود بفضل الأزمة الصحية التي جمدت الخلافات لمواجهة عدو مشترك هو الفيروس"، مشيرا إلى أنه مع عملية رفع الإجراءات الصحية "سيستأنف" النزاع.

وتنتهي الصلاحيات الخاصة الموكلة إلى الحكومة لإدارة الأزمة في 11 يونيو/حزيران وسيتعين على القرارات بعد ذلك المرور عبر أروقة السلطة البرلمانية المعقدة، حيث لا تسيطر النهضة القوة الرئيسية في البرلمان، سوى على ربع المقاعد.

سياسيون ونواب يتهمون راشد الغنوشي بالقيام بأنشطة مشبوهة موازية لدبلوماسية الدولة
سياسيون ونواب يتهمون راشد الغنوشي بالقيام بأنشطة مشبوهة موازية لدبلوماسية الدولة

وواصل سعيد هجومه على الشخصية الثانية في الدولة، مشددا في خطاب قاس في نهاية مايو/ايار على أن تونس لديها "رئيس واحد فقط داخل البلاد وخارجها"، في انتقاد ضمني للنشاط الدبلوماسي المكثف للغنوشي.

وفيما يتعين على حزب النهضة اختيار زعيم جديد في عام 2020 خلال مؤتمره الذي يجريه كل أربع سنوات "يلعب الغنوشي أوراقه الأخيرة ويضع بيادقه للحفاظ على ما لديه من سلطة ومرتكزات"، وفق الباحث في العلوم السياسية سليم خراط الذي أضاف "لقد كان لديه على الدوام اتصالات عالية المستوى للغاية وهالة دولية لا يمكن إنكارها ويراهن على ذلك".

وأشار خراط إلى أن الغنوشي يواجه قيس سعيد وهو أستاذ جامعي لم يكن يمتلك خبرة في السلطة حتى انتخابه المفاجئ في أكتوبر/تشرين الأول 2019 "ولم يثبت وجوده بالكامل" على الجبهة الدبلوماسية.

وتأتي هذه الخلافات فيما تتعرض تونس التي تجهد لتلبية المطالب الاجتماعية للمواطنين، إلى ضربة شديدة بسبب توقف السياحة والصدمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء.

وحذر المؤدب من "أن تؤدي الأزمة السياسية أو العراقيل إلى تفاقم العواقب الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الصحية".