توجس تونسي من 'مرزوقي' ثان بعد ظهور قيس سعيد على الجزيرة

أستاذ القانون الدستوري يخرق القانون الانتخابي بتوجهه إلى وسيلة إعلام اجنبية بعد مقاطعته للإعلام التونسي منذ إعلان مروره إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
حركة النهضة الإسلامية والمنصف المرزوقي أعلنا دعمهما لسعيّد
حملة شرسة لأنصار متصدر الجولة الأولى من الانتخابات ضد قناة تونسية خاصة
توجهات سعيّد المحافظة تشجع الإسلاميين لإستمالته في صفوفهم

تونس - أثار ظهور قيس سعيّد، متصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية على قناة الجزية القطرية، جدلا واسعا في تونس، بسبب خرقه للقانون الانتخابي الذي يمنع المرشحين من التحدث لوسائل الإعلام الأجنبية خلال الحملة الانتخابية.

ورفض سعيّد وهو أستاذ قانون دستوري، التحدث إلى وسائل الإعلام التونسية منذ إعلان فوزه أمام منافسيه من الأحزاب ذات الثقل في تونس، وشن أنصاره هذا الأسبوع حملة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد قناة "الحوار التونسي" الخاصة داعيين إلى مقاطعتها.

ورغم توجيه وسائل الإعلام التونسية الخاصة منها والعمومية الدعوة إلى سعيّد للحديث عن برنامجه الانتخابي وتعريف التونسيين بنظرته المستقبلية لحكم البلاد في حال فوزه، إلا أنه رفض التحدث والاستجابة لذلك، حيث بقي معتمدا فقط على صفحات يديرها أنصاره على فيسبوك.

ومساء أمس الخميس، ظهر سعيّد البالغ من العمر 61 عاماً، في حوار مع قناة الجزيرة القطرية التي يتوجس التونسيون من دورها المشبوه والداعم للإخوان منذ بداية ثورات "الربيع العربي" التي انطلقت من بلادهم "سأحافظ على استقلاليتي، وسأحاول بكل جهدي وبإمكانيات محدودة، لن أقبل بأي دعم مالي من أي جهة كانت، وأرفض حتى التمويل العمومي من ناحية مبدئية".

وأضاف "أعي جيدا أن العملية صعبة وشديدة التعقيد وأن الطريق طويل، لكن ذاك خياري حتى لا أكون رهين أي جهة كانت من ناحية مالية أو سياسية".

وقال سعيد الذي لا يمتلك حزبا سياسيا يدعمه لكنه اعتمد في السنوات الثلاث الأخيرة على التنقل ميدانيا إلى العديد من المحافظات التونسية مع أنصاره لإقناع الناخبين بالتصويت له "أنا أنتمي إلى حزب الشعب التونسي، وهو لا يحمل تأشيرة من وزارة الداخلية".

وأوضح المرشح المستقل الذي يرى فيه البعض إنه يمثل الشعبوية في تونس "مشروعي يتمثل في إنشاء مجالس محلية بحساب نائب عن كل معتمدية، لكن لا يتم قبول الترشح إلا بعد أن تتم تزكيته من قبل عدد من الناخبين والناخبات مناصفة، ويتم الاقتراع على دورتين إلى جانب من يمثل الأشخاص ذوي الإعاقة وإلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني، وأن يكون ربع المترشحين من العاطلين عن العمل".
ودعا سعيد الذي واصل تفرده بأسلوبه الخاص في الحديث بلغة عربية فصحى مسترسلة مثل الآلة، خلال ظهروه على القناة القطرية، أوروبا إلى رفع يدها عن ثروات البلاد، قائلا "حان الوقت لنبني علاقات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل وتعايش بين الشعوب فليس هناك ترتيب تفاضلي لشعب على آخر".

وانتقد نشطاء تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي توجه سعيد إلى قناة أجنبية للتحدث عن برنامجه، حيث رأوا في ذلك خرقا للقانون الانتخابي من أستاذ يدرس القانون الدستوري قبل حتى توليه أعلى منصب في البلاد.

ويحجر الفصل 66 من القانون الانتخابي في تونس والذي أقرته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في شهر أغسطس/آب الماضي، بخصوص القواعد الخاصة بتغطية الحملات الانتخابية الرئاسية والتشريعية بوسائل الإعلام، "استخدام ''المترشّحين والقائمات المترشّحة وللأحزاب بالنسبة للاستفتاء (..) وسائل الإعلام الأجنبيّة''.

وحسب نفس القانون يعاقب كل مخالف لذلك بغرامات مالية.

ويتبنى سعيّد الذي قال خلال الحوار التلفزيوني إنه لن يتحالف مع أي حزب سياسي، توجهات اجتماعية محافظة بينما يسعى للعودة لمبادئ ثورة عام 2011.

كما حظيت موافقه الاجتماعية المحافظة من بعض المسائل مثل رفضه المساواة في الميراث أو التسامح مع المثلية الجنسية ومعارضة إلغاء الإعدام، بدعم من الإسلاميين.

وأمس الخميس، أعلنت النهضة التي تسعى لتجاوز هزيمة مرشحها عبد الفتاح مورو في الرئاسيات، دعمها لسعيّد في جولة الإعادة، وقال القيادي بالحزب الإسلامي محمد بن سالم، إنه "تقرر دعم سعيّد لأنه أقرب إلى روح الثورة ونظيف اليدين".

التونسيين أمام مرشح برنامجه غير واضح ومرشح في السجن
التونسيون حائرون أمام مرشح بيرنامج غير واضح ومرشح في السجن

انتقادات التونسيين لتوجه سعيّد لقناة الجزيرة لم تتوقف عند خرقه للقانون الانتخابي فقط، بل تطرقت إلى "تهربه من توضيح برنامجه في وسائل إعلام محلية على دراية بالواقع التونسي، الذي يرى نشطاء على فيسبوك أنه يبدو بعيدا جدا عن البرنامج المثالي الذي يروج فيه إلى تغيير مراكز السلطة عبر تعديل دستور البلاد.

ورغم وعوده "للانتصار لإرادة الشعب وتبنيه لمبادئ الثورة" في خطاباته، لا يرى التونسيون إعلان سعيّد رفضه التحالف مع أي حزب سيمكنه من تطبيق ما يدعو له في حواراته الصحفية القليلة من دون دعم في البرلمان الذي يستعد لانتخابات تشريعية ستكون حاسمة أكثر قريبا، باعتبار أن السلطة الفعلية في الدستور التونسي الجديد لا تعطي صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية.

والثلاثاء، قال سعيّد للصحافيين "ليس هناك تحالف بين أحزاب سياسية أو مع حزب أو ائتلاف أحزاب، هناك مشروع".

ويتخوف التونسيون من أن يحذو سعيّد الذي لا ليس لديه حزب يدعمه، حذو الرئيس المؤقت الأسبق المنصف المرزوقي الذي اتخذ من قناة الجزيرة المحسوبة على الإخوان، منبرا للخدمة مصالحه واجندات الإسلاميين خلال حكم "الترويكا".

وسبق للمرزوقي أن هاجم الإعلام التونسي في 2017 من قناة الجزيرة نفسها، قائلا آنذاك إن إعلام بلاده يمعن في مناصبته العداء بإصرار.

والثلاثاء، فور مرور سعيّد للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، أعلن المرزوقي الذي ترشح بدوره لهذه الانتخابات، دعمه له.

وقال المرزوقي الذي أوصلته حركة النهضة الإسلامية إلى قصر قرطاج في 2011، أعلن عن دعمي الكامل للمرشح الأستاذ قيس سعيد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، انتصارا لقيم الثورة ولروح الدستور وتواضعا أمام حكم الشعب، راجيا أن يتم الدور الثاني في أجواء من الاستقرار والتنافس النزيه والقبول بارادة الناخبين".

وفي 12 ديسمبر 2011 اختير المرزوقي من قبل المجلس الوطني التأسيسي في إطار تحالف عرف بائتلاف "الترويكا" الذي تكون من حركة النهضة وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المرزوقي السابق المؤتمر من أجل الجمهورية وقد شغل هذا المنصب ثلاث سنوات.

وعاشت تونس خلال هذه الفترة من حكم الترويكا أسوء فتراتها، حيث شهدت عمليات اغتيال لسياسيين يساريين بارزين، ولا يزال القضاء التونسي يبحث إلى اليوم في خفاياها وقد وجهت فيها أصابع الاتهام إلى جهاز سري تديره حركة النهضة.

وخسر المرزوقي في الانتخابات الرئاسية الديمقراطية الأولى في تاريخ تونس أمام الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي عام 2014، بسبب خدمته لأجندات خارجية أضرت بتونس وأيضا بسبب اتجاهاته السياسية غير المحايدة والتي يقول التونسيون إنها تخدم مصالح الإسلاميين وداعمتهم الأولى قطر ثم تركيا.

واستفاد المرزوقي من خدمات قناة الجزيرة القطرية التي تطوعت لقيادة حملته الانتخابية ودعم توجهاته، بالإضافة إلى استغلاله لمركز الدراسات التابع للجزيرة الذي يكتب له "الحقوقي" بإمضاء رئيس دولة سابق وبمقابل مادي.

ولا يزال متابعون إعلاميون في تونس يتوجسون من الأدوار التي تلعبها قناة الجزيرة، حيث يرون فيها منبرا إعلاميا يروج للإسلام السياسي ويترصد أي توتر سياسي في البلاد لاستكمال دوره بصناعة الفوضى مثلما حدث مباشرة بعد ثورة 2011.

وتعيش تونس هذه الأيام على وقع الانتخابات الرئاسية المبكرة والتشريعية التي بدأت حملاتها الانتخابية هي الأخرى، وتثير الأجواء المتوترة التي شهدتها بسبب فشل الطبقة السياسية في تحقيق وعودها السابقة للناخبين، تخوف التونسيين أكثر من أي وقت مضى، حيث لا تبدو ضبابية برنامج قيس سعيد وتصريحاته الهاجس الوحيد لدى معظمهم فالمرشح الثاني الذي سينافسه في الدور الثاني لرئاسة قرطاج، يقبع في السجن ولم يستطيع القيام بحملته الانتخابية.