
توجه عربي للانفتاح على سوريا، إدراك متأخر لخطر التمدد الإيراني
بودابست/القاهرة - من المؤكد أن ترك الساحة السورية فريسة للتدخلات الخارجية وتحديدا لإيران ليس في مصلحة لا الدول العربية ولا حتى الغربية، كون الوجود الإيراني في أي منطقة عادة ما يشكل عاملا مزعزعا للأمن والاستقرار.
وتقف التجربة السابقة مع العراق شاهدا على وجاهة التوجه لانفتاح دبلوماسي على سوريا، فقد ترك الغياب العربي الساحة العراقية مفتوحة للتغلغل الإيراني وأصبح من الصعب اليوم إخراج إيران من العراق أو حتى تقليل تأثيرها على قراراته السيادية.
وقد نجحت إيران عبر وكلائها العراقيين في التغلغل في مفاصل الدولة ومؤسساتها بما فيها المؤسسات السيادية والاقتصادية وأصبحت رقما صعبا في معادلة التوازنات الإقليمية. وكانت دولة الإمارات العربية قد أعادت في ديسمبر/كانون الأول 2018 فتح سفارتها في دمشق بعد دراسة رصينة ومتزنة وإدراكا منها لخطر بقاء الساحة السورية فريسة للتمدد الإيراني.

والخطوة الإماراتية التي كانت جريئة في توقيتها وفي مضامينها فتحت الباب لحالة إدراك عربي ولو بشكل متأخر للوقوف على حقيقة خطر غياب الوجود العربي في الساحة السورية.
وبالمنطق السياسي والدبلوماسي فإن الفراغات العربية في مثل الوضع السوري تكون نتائجها كارثية وفي التجربة مع العراق خير دليل على ذلك.
واليوم تتحرك دول عربية لها وزنها الإقليمي مثل السعودية بشكل مكثف لاستعادة الساحة العراقية من إيران وهذا التحرك يحتاج جهدا كبيرا لقطع الطريق على التغلغل والتمدد الإيراني.
ولو كان التحرك في وقت أبكر لكان من السهل أو من الأيسر تطويق التمدد الإيراني أو على الأقل إحداث توازن في العلاقات. والوضع ذاته ينطبق على الحالة السورية
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة المجرية اليوم الأربعاء إنها تعتزم تعيين دبلوماسي لها في دمشق اعتبارا من العام القادم، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري يوم الثلاثاء، إن هناك "مشاورات عربية للتوافق حول التوقيت المناسب لعودة سوريا إلى الجامعة العربية".
وأوضح شكري في تصريحات صحيفة أودرتها وكالة الأنباء المصرية أن "سوريا دولة عربية مهمة"، مضيفا "هناك مشاورات فيما بين الدول العربية للتوافق حول التوقيت الملائم والمناسب لعودتها إلى الجامعة العربية بعد إزالة محنتها والعمل على تنفيذ المسار السياسي"، دون تحديد موعد بشأن ذلك.
وأوضح أن اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي تم الثلاثاء، لم يناقش موضوع عودة سوريا بـ"شكل واسع"، مؤكدا أنه "بعد إزالة محنة سوريا والعمل على تنفيذ المسار السياسي، فستكون بالتأكيد هناك فرصة أخرى والمزيد من الحوار في ما بين الوزراء العرب لتحديد التوقيت الملائم لهذه العودة".
والثلاثاء، ناقش وزراء الخارجية العرب في القاهرة عدة قضايا أبرزها التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة والأوضاع في سوريا وليبيا واليمن وسبل مواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قررت الجامعة العربية تجميد عضوية سوريا على خلفية لجوء نظام بشار الأسد إلى الخيار العسكري بدعم إيراني ولاحقا بدعم روسي لإخماد الثورة الشعبية المناهضة لحكمه.
وإذا كانت وزارة الخارجية المجرية قد أعلنت في بيان أنها ستوفد دبلوماسيا سيزور سوريا من حين لآخر للقيام بمتابعات بشأن الدعم الإنساني والقيام بمهام قنصلية، فإن الأولى بحسب متابعين أن تبادر الدول العربية بدورها لاستعادة سوريا من مخالب إيران تعزيزا لوحدة القرار وتحصينا للساحة السورية العربية من الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وذكرت الخارجية المجرية أن بودابست توفر مساعدات إنسانية للمسيحيين في الشرق الأوسط بما في ذلك في سوريا، فيما يدرس "عدد كبير" من الطلاب السوريين في المجر مستفيدين من منح دراسية.

وجمهورية تشيكيا هي الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بسفارة في دمشق، فيما أغلقت دول الاتحاد الأوروبي الأخرى والولايات المتحدة وكندا سفاراتها وقطعوا علاقاتهم مع نظام الرئيس بشار الأسد.
ولا يزال لدى رومانيا تقنيا سفارة في دمشق لكنّ السفير يقيم في بيروت، فيما تحتفظ بلغاريا بقائم بالأعمال.
ودأبت دول الاتحاد الأوروبي على إرسال مبعوثين إلى سوريا خلال السنوات الثماني الماضية لكنّ ليس لأغراض قنصلية بل لإجراء مباحثات بخصوص المساعدات.
وتشهد سوريا نزاعا داميا تسبّب منذ اندلاعه في 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دماراً هائلا في البنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وقال مصدر مقرب من الحكومة المجرية إنّ بودابست تنظر في إجراء محادثات مع الأسد من أجل تحسين المساعدة التي تقدم للمسيحيين وكذلك لتكون في "طليعة" دول الاتحاد الأوروبي التي ستعيد على الأرجح علاقاتها مع دمشق للحصول على فرص اقتصادية.
وصرّح أن "الكثيرين في فيدس (الحزب الحاكم) وفي الحكومة يعتقدون أنّ مسألة الحوار مع الأسد مجددا ليست سوى مسألة وقت".
ودخلت المجر التي يقودها رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان في خلافات قوية مع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ومع قادة الاتحاد أنفسهم بخصوص ما يعتبره اوربان مواقفهم المؤيدة للهجرة.
ويثير الانفتاح الدبلوماسي على سوريا خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي التي تدعم في معظمها إجراءات عزل النظام السوري وليس عزل الدولة والشعب والأمر ذاته ينطبق حتى على الدول العربية التي لم تتفق بعد في ما بينها على العودة الدبلوماسية للساحة السورية.