توظيف الخطاب الديني لغايات سياسية في الجزائر

أمام اشتداد القبضة بين أطراف الصراع السياسي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، تحول الخطاب الديني إلى ورقة مهمة في أيدي التيارات الإسلامية من أجل استمالة عواطف الشارع لتحقيق مكاسب سياسية.

الجزائر-  أضحى الخطاب الديني مطية التيارات الإسلامية في التي تبحث عن موقع لها في الجزائر التي شهدت في العامين الأخيرين تحولات سياسية كبيرة بعد إجبار الحراك الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة، حيث يسعى هؤلاء لتمرير أجنداتهم وتحقيق أهدافهم وترميم شعبيتهم عبر تجييش المشاعر الدينية لاستقطاب أكبر عدد ممكن المناصرين في مجتمع يحتل الدين داخله مكانة هامة.

وأمام اشتداد القبضة بين أطراف الصراع السياسي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، تحول الخطاب الديني إلى ورقة مهمة في أيدي هؤلاء، من أجل استمالة عواطف الشارع واللعب على الوتر الروحي، على اعتبار أن الدين يمثل قيمة مقدسة لدى الجزائريين، ويمكن أن يكون حاجزا أو خادما أو جاذبا لأي تصور سياسي.

وفتحت صلاة التراويح سجالا سياسيا بين الحكومة والمناوئين لها، بعد السماح النسبي لأدائها خلال شهر رمضان الكريم، بشروط صارمة بسبب وباء كورونا، وأخذ السجال منحى سياسيا بين المتعاطفين مع تيار الإسلام السياسي والسلطة، بعدما تم ترويج منشور لوزارة الشؤون الدينية، يهدد باللجوء إلى القضاء إزاء كل من تجاوز مهلة النصف ساعة المخصصة للصلاة المذكورة.

وأظهر منشور الوزارة الذي تم تداوله على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، شدة لافتة تحمل موقفا معينا تجاه ممارسة الشعائر الدينية، قبل أن تتدخل الوزارة وتقدم توضيحات نفت فيها ما نسب اليها، ونسبت الأمر إلى ما أسمته بـ"حملة مبرمجة ضد البلاد من أجل خلق هوة بين الشارع والسلطة العمومية."

ومنذ انتشار الجائحة الصحية العام الماضي، ودخول الإجراءات الصحية حيز التنفيذ لمواجهة الوباء، عرفت علاقة الوزارة الوصية والمرتادين على المساجد توترا غير مسبوق، خاصة وأنها حملت روائح سياسية في إطار الصراع القائم بين السلطة والحراك الشعبي، حيث ظل تحفظ الوزارة على عودة المساجد للخدمة، محل انتقادات شديدة لها.

وفيما تمسكت السلطة بحجة الوباء، أصر هؤلاء على اتهامها بتوظيفها سياسيا، للحيلولة دون عودة الاحتجاجات السياسية إلى الشارع، خاصة وأن بعض المساجد تحولت إلى نقاط انطلاق إلى المظاهرات والمسيرات الشعبية، خاصة في العاصمة وبعض المدن والمحافظات الكبرى.

وكما تم توظيف الكثير من الأوراق في لعبة الصراع بين السلطة والشارع الجزائري، منذ انطلاق الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، كان الدين ورقة ثقيلة في أيدي هؤلاء، وظهر انقسام في الصفوف بين الأجنحة غير المهيكلة للتيار الإسلامي، ففيما دخل ما يعرف بالتيار السلفي في صف السلطة، واستعمل "حرمة التظاهر والخروج عن الحاكم"، كحجة دينية لإجهاض حملة التعبئة والشحن المناوئة للسلطة، اختارت وجوه بارزة في تيار الإسلام السياسي الانخراط في الحراك، على غرار رئيس حزب الأصالة والمعاصرة سابقا أحمد بن محمد، ونائب رئيس جبهة الإنقاذ المنحلة علي بلحاج.

وفيما يخيّم الانقسام على موقف الإسلاميين تجاه الأوضاع السياسية في البلاد، تتضارب المواقف بين مختلف التيارات الأيديولوجية تجاه الدين في الزخم الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، حيث اتهمت زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، ما وصفته بـ"الظلامية الإسلاموية" باختراق الحراك الشعبي، بينما رد عليها ناشطون فيه بترديد شعار "لا إسلامي، لا علماني.. كاين (توجد) مافيا تسرق عيناني (صراحة)."

دور العبادة تبقى محل تجاذب بين الأطراف السياسية التي تحاول استمالتها إلى صفها لتمرير رسائلها
دور العبادة تبقى محل تجاذب بين الأطراف السياسية التي تحاول استمالتها إلى صفها لتمرير رسائلها

دور العبادة تبقى محل تجاذب بين الأطراف السياسية التي تحاول استمالتها إلى صفها لتمرير رسائلها

وحتى المخاوف التي سوقتها روايات رسمية حول وجود مخططات إرهابية تستهدف سلمية الحراك الشعبي، من طرف إسلاميين مسلحين ونشطاء سياسيين مقربين من الإرهاب، كما تم تقديمه على لسان الإرهابي حسان زرقان (أبوالدحداح)، وعلاقته بقادة حركة رشاد، لم يحقق صداه وتحول إلى أسلوب للسخرية مما وصفته المظاهرات الأخيرة، بـ"استنساخ العشرية الدموية لترويع الشعب"، واتهمت صقور الجيش الجنرالين المتقاعدين خالد نزار، و(توفيق)، بـ"فبركة السيناريو."

وكانت الجزائر من آخر الدول الإسلامية التي أعادت الحركة إلى المساجد وأماكن العبادة بتحفظ شديد، رغم الأصوات المتعالية منذ شهر رمضان الماضي لإعادتها، واستغل هؤلاء فرصة العودة التدريجية لنشاط مختلف القطاعات والخدمات، لانتقاد قرار السلطة بالتأخر في إعادة المساجد ودور العبادة إلى الخدمة.

ولم يسلم قرار وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، القاضي بممارسة شعيرة صلاة التراويح خلال شهر رمضان الحالي، بشروط صارمة، من الانتقادات ومن التلويح لـ"خلفيات سياسية" تستهدف حسبهم "الانتقام من ثوابت ومقومات الشعب"، وعبّر هؤلاء على شبكات التواصل الاجتماعي، عن استغرابهم من "الخوف غير المبرر من اختراق الإجراءات الصحية، بينما الاختلاط والاحتكاك قائم في مختلف الفضاءات والخدمات."

وصرح وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي، بأن "هناك العديد ممن يريدون التشويش على هذا الالتزام والانضباط داخل المساجد، خاصة وأن بعض الناس لا يعجبهم احترام المصلين والتزامهم بالبروتوكول الصحي داخل المساجد، ويريدون كسر هذا البروتوكول لإفساد الوضع الصحي في الجزائر".

وشددت اللجنة الوزارية للفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، على أن فتح المساجد المعنية بصلاة الجمعة والصلوات الخمس لأداء صلاة التراويح خلال شهر رمضان، لا يتجاوز مهلة نصف ساعة، وعلى احترام جميع البروتوكولات الصحية.

وأكد المفتش العام لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الخميسي بزاز، على أن "بيان وزارة الصحة بشأن قرارات الترخيص أو إلغاء صلاة التراويح خلال شهر رمضان المبارك، موفق وجاء في وقته ردا على الإشاعات والتصريحات غير الموفقة لبعض الأشخاص."

وأضاف في تصريح لإذاعة حكومية محلية، بأن "اللجنة العلمية الصحية لا تتخذ أي قرار دون استشارة لجنة الفتوى، والبيان أعطى راحة نفسية لكل الجزائريين ونحن منهم، لأن الإشاعة أثرت سلبا على الجميع في الأيام الماضية، وأن الوزارة بصدد إعداد بروتوكول صحي دقيق تحضيرا لشهر رمضان المبارك، واتخاذ قرارات فيها جميع الاحتمالات بما فيها صلاة التراويح، وذلك بالتنسيق مع اللجنة العلمية لوزارة الصحة."

ولفت إلى أن "البروتوكول سيصدر في وقته لكل الجزائريين، ونحن نستبشر خيرا خاصة مع تحسن الحالة الوبائية، وأن دورات المياه بالمساجد ستبقى حاليا مغلقة نظرا لخطورتها في انتقال العدوى"، وهو ما اعتبره خصوم الحكومة من المرتادين على المساجد، "عرقلة لأداء شعيرة مقدسة بأريحية، وأن المغالاة في الإجراءات هو حرمان من قدسية الشهر في المساجد".

وتبقى دور العبادة والمساجد ورجال الدين، محل تجاذب وصراع بين مختلف الأطراف التي تحاول فرض نفسها أو استمالتها إلى صفها لتمرير رسائلها وأجنداتها السياسية، ولا يخلو أي استحقاق من توظيف القطاع في خدمة أغراضه، وهو ما أفضى إلى حالات استقطاب حادة في مختلف المناسبات الدينية والروحية، خاصة خلال السنوات الأخيرة.