توماس ماكدو يرصد وثائق عمانية مهمة في زنجبار

الكتاب يضيء على 'ديون العمانيين في غرب المحيط الهندي وتنقُّلهم فيه'.

عمان - كتاب "شراء الوقت.. ديون العمانيين في غرب المحيط الهندي وتنقُّلهم فيه" تأليف توماس. إف. ماكدو، وترجمة: محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي، يرصد لوثائق عمانية مهمة لزنجبار، تلك التي كانت تخضع للحكم العماني، ملقيا الضوء على عوالم التجارة والهجرة في المحيط الهندي بين القارتين الأفريقية والآسيوية، وبين زنجبار وعمان على وجه الخصوص، لاسيما تجارة العاج والعبيد.

ويأتي الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 576 صفحة من القطع المتوسط، ويعد هذا الكتاب بمثابة الجزء الرابع من سلسلة ترجمات التزم بها الحارثي، وصدرت بالتتابع عن "الآن ناشرون وموزعون".

ويقول الحارثي في مقدمته للكتاب: "وفقا للمؤلّف فإن هذا الكتابَ يَتَمحور، بصفته تاريخا اجتماعيّا لعوالِم مُتَرابطة في المحيط الهندي، حول أشخاصٍ وعائلات غادرت مزارع النخيل في المنطقة العربية من الإمبراطورية العُمانية؛ ورقيقٍ مُعتَقين راهنوا على تجارة العاج؛ وسلاطين ومُنافِسيهم؛ ونخبةٍ 'سواحلية' مُرحَّلَة، وأيديولوجيات دينية، وعِرْقٍ 'هندو-إفريقي' مختلط، وتجّارٍ منفصلين، وكتابات معقّدة، وحَمّالين أفارقة، وصانِعي حلوى عرب، وأميرة عربية فارّة أصبحت ربّةَ منزل ألمانية وكاتبة، وسَكَنَ أعضاء من هذه المجموعة المتنوّعة مناطق مُتَداخِلة في الجزيرة العربية وإفريقيا، وشاركوا أيضا مجموعة من الممارسات المُتَّصِلة بالكتابة والتدوين، واستخدموا صيَغا ثابتة لإجراء التداولات التجارية، وتناقَلت وثائقهم في عالَمٍ طَغَت عليه الحدودُ القومية، وفي الوقت ذاته، استحدثوا التزامات بين المُدينين والمُستَدينين، وتطابقت التزاماتهم تلك مع أنماطٍ من الرعاية [مُقدِّم الدعم] والزبائنية [مُتلقّي الدعم المشمول بالرعاية] على نحو أشمل في المحيط الهندي".

ومن أهم القضايا التي يثيرها هذا الكتاب قضية الرقِّ، والعبيد الأفارقة الذين كانوا -ويا للأسف- قوام التجارة في تلك المنطقة، وكأنهم سلع جامدة يتم نقلها وتخزينها مثلما يتم التعامل مع الجمادات وسلا الفاكهة والخضراوات!

ويتابع الحارثي في مقدمة الكتاب حول هذا الموضوع قائلاً: "ويُضيء الكتابُ في فصوله إضاءة موجَزَة على الإعتاقِ من المَنظورَيْن الاجتماعي والدّيني في 'زنجبار' منذ مطلع القرن التاسع عشر إلى منتصفه بغية إثبات الأدوار الخفيّة -ومع ذلك المُتَمِّمة- للرقيق المُحَرَّرين في اقتصاد المنطقة، ورَدّاً على المعاهدات البريطانية المُناهِضَة لتجارة الرقيق في منتصف ذلك القرن، انبثق نَهْجٌ مُناقِض من الإعتاق 'المُخادِع'، فقد شارك الأوروبيون في نظام خاص 'لتحرير' الرقيق من أجل إمداد اليد العاملة لمزارع الجزيرة في العقد الخامس من القرن التاسع عشر، غير أنّ المُسلمين في 'زنجبار' اعتبروا ذلك نقيضا، بل خارج نطاق 'الاقتصاد' [الهدف] الأخلاقي للإعتاق، وخلافاً لذلك غالباً ما حَظيَ الرقيقُ الذين جرى إعتاقهم على نحو شرعي بممتلكات واحتفظوا بروابط 'علاقة الرعاية' مع أسيادهم السابقين، وعَرَّفَ الرقيقُ المُحَرَّرون أنفسَهم في الوثائق الرسمية باستخدام أسماء الرّاعين لهم وسُلالة نَسَبهم، وكانت هذه الوثائق الرسمية مستندات قانونية سَمَحَت لهم بـ'شراء الوقت' عبر بيع أو رَهْن ممتلكات لتحسين أوضاعهم".

ويشير الحارثي في المقدمة إلى أفول نجم العرب (العمانيين) في زنجبار بين عامي 1892، و1894 بعد اجتياح الكونغو للمنطقة، مؤكدا دور الديون في هيكلة الصراع السياسي وتحوُّل السلطة في تلك المناطق إلى النفوذ الأفريقي، إضافة إلى تلك النزاعات التي نشأت بين أبناء السيد سعيد بن سلطان على السلطة حتى قبل وفاة الأب، ما أدَّى إلى التدخُّل البريطاني في شؤون جزيرة زنجبار، ومن ثم الفصل بينها وبين عمان إلى الأبد!

ويختتم الحارثي مقدمة الكتاب بمقطع أشبه بالرثاء للوجود العربي في زنجبار، قائلاً: "وثمة خاتِمَةٌ تصل ما بين تلك الأحداث في القرن التاسع عشر والوقت الحاضر، فمن الملاحظ أنه على الرغم من الانقسام السياسي للأراضي في العام 1861، فقد شَهِدَ النصفُ الثاني لذلك القرن أيضاً استمرار الهجرات (والتنقُّل جيئةً وذَهاباً) بين الأراضي العربية وشرق إفريقيا، كما تتتبّع خاتمةُ الكتابِ قوسَ التنقُّل عبر القرن العشرين إلى القرن الحادي والعشرين، ومن خلال الأدلة المتناقلة، يوضّح ماكدو كيف انقلبت حظوظُ زنجبار وعُمان في القرن العشرين، وحدث الغزو الدموي في زنجبار العام 1964 والمذابح التي قَتَلَت وطَرَدَت ألوف العرب من ناحية، وانقلابُ القصر في عُمان العام 1970، والازدهار النفطي في عُمان من ناحية أخرى؛ الذي مَهَّدَ الطريقَ أمام عرب شرق إفريقيا 'للعودة' إلى مَوطِن أسلافهم؛ وموقع أولئك الذين يُدعَون 'الزنجباريين' في عُمان الحديثة".

وتأتي أهمية تلك الوثائق من كونها مدوَّنة في الأرشيفات الوطنية الزنجبارية، وهي عمود الخيمة الذي اعتمد عليه المؤلف في اختيار الوثائق التي أوردها في الكتاب.

ويأتي إهداء المترجم كتابه إلى إحدى شخصيات الكتاب اعترافا منه بقيمة تلك الشخصية ورفاقها في تقديم الكثير من وقتهم وجهودهم لحفظ الأمن والاستقرار لجزيرة زنجبار في ثوبها العربي حين كانت تحت القيادة العمانية؛ يقول الحارثي في الإهداء: "إلى روح إحدى شخصيات هذا الكتاب؛ الملقَّب بذي الجناحين (جناح العلم والرئاسة) الأمير المحتسب الشيخ صالح بن علي الحارثي زعيم الحركة الإصلاحية في عمان في القرن التاسع عشر الذي أسهم في النهضة العلمية في عمان في تلك الفترة وأنشأ مدرسة للعلوم الشرعية في القابل أخرجت أبرز علماء عمان في القرن العشرين".

ويضم الكتاب عددا من صور بعض الوثائق المهمة، وكذلك الخرائط والرسوم التعبيرية، بالإضافة إلى شجرة عائلة البراونة.

ويأتي تعليق المؤلف في خاتمة الكتاب على تلك الصراعات المحتدمة بين عرب الكونغو وأصحاب الأرض الأصليين للسيطرة على مقدَّرات التجارة والإنتاج في جزيرة زنجبار، ولا يخفى الدور الأوروبي ممثلاً في الاحتلال البريطاني، الذي أرغم الجميع على التسليم بشكل جديد لمجريات الأمور في إفريقيا بوجه عام، وفي جزيرة زنجبار بشكل خاص.

يقول ماكدو في الأسطر الأخيرة من خاتمة الكتاب، معترفا بذلك الأثر العميق للوجود العربي في زنجبار: "أمكنَ لي في خلال تأليف هذا الكتاب أن أُسافِر في أنحاء المنطقة العربية وشرق إفريقيا مُستَطلِعاً 'البلدات-الواحات'، و'المدن المواني'، ومحطات القوافل، والمواقع المُتَقدِّمة على ضفاف البحيرات المذكورة في العقودِ أو الصكوك المُدَوَّنة باللغة العربية، تلك التي مَوَّلَت التَغيُّرات الواسعة النطاق التي شَهِدَها القرن التاسع عشر، ولقد تَحدَّثَتُ في كُلٍّ من تلك الأماكن بـ'السواحلية'، وأكلتُ الحلوى، وسمعتُ قصصاً عن سيَر الأسلاف وعن عالَم المحيط الهندي غير المنسي".