'تونس مسارح العالم' تنطلق برحلة في عوالم النساء

التظاهرة تقدم في دورتها الثالثة برنامجا ثريا يتضمن عروضا تونسية وعالمية.

تونس - افتتحت الخميس بقاعة الفن الرابع بالعاصمة فعاليات الدورة الثالثة من تظاهرة "تونس مسارح العالم" التي ينظمها سنويا المسرح الوطني التونسي احتفاء باليوم العالمي للمسرح، وتتواص إلى غاية السابع والعشرين من مارس/آذار الجاري.

وانطلقت فعاليات التظاهرة، ليل الخميس، بمسرحية مشتركة بين المغرب وإسبانيا بعنوان "حديقة الهسبيريدس" من إخراج الإسبانية أليسيا سوتو، وهو عرض يمزج بين المسرح والرقص والسرد البصري والموسيقى، قدم للجمهور تجربة مسرحية غامرة استكشفت عوالم المرأة الداخلية من خلال استلهام الأسطورة والشعر والحركة.

ويجمع العرض بين الأداء الحركي والسرد المسرحي مستلهما من الأسطورة الإغريقية في رؤية معاصرة تعكس صراعات الإنسان. ويأتي هذا العمل ضمن تعاون ثقافي مغربي – إسباني، حيث تم تقديمه في إسبانيا والبرتغال والمغرب قبل أن يصل إلى تونس في إطار تظاهرة "تونس مسارح العالم".

ويُبرز هذا التعاون أن قضايا المرأة تتجاوز الحدود الجغرافية حيث تؤكد أن النضال النسوي في مواجهة القيود المجتمعية هو تجربة إنسانية مشتركة لا تقتصر على ثقافة أو بلد معين بل هي صدى عالمي يعكس واقع المرأة في مختلف أنحاء العالم.

ويستمد العرض عنوانه من الأسطورة الإغريقية "الهسبيريدس" التي تحكي عن حوريات يحرسن بستانا مليئا بأشجار التفاح الذهبي، الذي يمثل رمزا للحماية والأنوثة والخلود.

وفي المسرحية يتحوّل هذا البُعد الأسطوري إلى استعارة تعكس العالم الداخلي للنساء حيث تتنقل الشخصيات بين الفضاءات الخاصة والعامة سعيا للحماية والتحرر.

وجاءت مسرحية "حديقة الهسبيريدس" رحلة حسية وتأملية جعلت المتفرجين يغوصون في متاهات الذات النسائية، حيث تتقاطع المشاعر بين جملة من التناقضات كالألم والفرح والقيود والتحرر والقمع والمقاومة. وقد أعادت المخرجة أليسيا سوتو برؤية فنية مبتكرة صياغة هذه الحكاية فصارت "الحديقة" فضاء داخليا لكل امرأة تحفظ فيه أحلامها وخيباتها وتسعى لإيجاد مسارها نحو النور.

وعلى خشبة المسرح تحوّلت الأجساد إلى لغة بصرية تروي معاناة النساء، حيث تمازجت اللوحات الكوريغرافية بين السكون والاضطراب، مُجسّدة الصراع بين الرغبة في التحرر والقيود المفروضة عليهن.

وكشفت الحركات التعبيرية الراقصة عن هذا التوتر الدرامي بوضوح، إذ بدت النساء في بعض المشاهد مستلقيات على أقمشة مزركشة وملونة وكأنهن جزء من الطبيعة التي تحيط بهن، وفي ذلك إشارة إلى الأنوثة والخصوبة والتقاليد المتوارثة، بينما يظهرن في مواقف ومشاهد تعبيرية أخرى ذات بعد طقوسي تتشابك فيها الأذرع وترتفع نحو الأعلى وكأنهن في حالة تمرد جماعي ضد القهر الذي يعانين منه.

وتميّز العرض برؤية بصرية وموسيقية متكاملة، حيث لعبت العناصر السينوغرافية المؤثثة للعرض، من إضاءة ومؤثرات موسيقية وأزياء، دورا محوريا في إبراز الحالات النفسية للشخصيات. وقد عبّرت الإضاءة الخافتة عن القيود والعزلة، بينما كانت الإضاءة الساطعة رمزا للحرية والانعتاق. كما استخدمت السينوغرافيا الأقمشة الملونة والأضواء المتحركة لتعزيز البعد البصري للمسرحية. أما الموسيقى فقد جمعت بين التقاليد المغربية والإيقاعات الغربية الحديثة، وهو ما منح العرض طابعا عالميا يربط بين ثقافات مختلفة.

وعلى مستوى القضايا المطروحة، سلط العرض الضوء على قضايا جوهرية تتعلق بتجربة المرأة في مختلف المجتمعات، حيث تناول مفهوم الحرية الفردية والصراع بين الهوية النسائية في المجتمع. واستعرض العمل كذلك رحلة النساء الوجودية عبر العصور بحثا عن تحقيق المعنى والكينونة بعيدا عن القيود التي تكبلهن، ليعكس بذلك فكرة الرحلة الجسدية والروحية التي تخوضها المرأة في محاولتها للعثور على هويتها الحقيقية.

وانطلقت العروض التونسية والتي تمثل الجزء الأكبر من برمجة الدورة، ببرنامج ثري يحتفي بالإنسانية، الجمعة 21 مارس/آذار بعرض "جرانتي العزيزة" للمخرج فاضل الجزيري، وهو عرض يجمع بين التمثيل والموسيقى، ويليه يوم السبت 22 مارس/آذار عرض "كيما اليوم" من إنتاج مشترك للمسرح الوطني التونسي وشركة "الفن مقاومة"، وبتوقيع الفنانة ليلى طوبال في الكتابة والإخراج والسينوغرافيا.

وعلى الصعيد الدولي سيتم تقديم عروض متنوعة، أبرزها "سكر – مثلجات لجريمة لطيفة" يوم الأحد 23 مارس/آذار، وهو عمل يمزج بين المسرح والرقص من تصميم الكوريغراف عبدولاي تريزور كوناتي من كوت ديفوار. كما سيُعرض يوم الاثنين 24 مارس/آذار العمل التونسي "تحت الضغط" للمخرج ريان القيرواني، وسيليه يوم الثلاثاء 25 مارس/آذار عرض "اعتراف" للمخرج التونسي محمد علي بن سعيد.

وفي مراوحة بين العروض التونسية والأجنبية، يتابع المولعون بالفن الرابع يوم الأربعاء 26 مارس/آذار عرضا للمسرحية الإيطالية "بروميثيوس – الكنغر الأزرق" من إخراج سيموني مانينو وعن نص للكاتب السياسي لورانزو مارسيلي، حيث يجمع هذا العمل فنانين من تونس وإيطاليا في إطار تعاون بين مسرح بريمن في باليرمو ومهرجان الحمامات الدولي. وتستمد أحداث المسرحية من مأساة "إسخيلوس"، لكن برؤية حديثة تعكس الأزمة البيئية والإنسانية في البحر الأبيض المتوسط.

وستختتم فعاليات المهرجان الخميس 27 مارس/آذار الذي يتزامن مع اليوم العالمي للمسرح، بعرض مسرحية "التابعة" للمخرج توفيق الجبالي وإنتاج مسرح التياترو، وهو عرض نقدي ساخر يعكس التداخل بين الواقع والخيال بأسلوب متميز، ويعيد طرح الأسئلة الكبرى عن المجتمع والسلطة والفن.

وتظاهرة "تونس مسارح العالم" التي تأسست سنة 2023 أصبحت اليوم منصة رئيسية للإبداع المسرحي في العالم العربي والمتوسطي، حيث تلتقي المدارس المسرحية المختلفة من أوروبا إلى أفريقيا في فضاء مشترك للحوار والتجديد، وفق ما نقلته وكالة تونس أفريقيا للأنباء عن المنظمين.

وتمثّل التظاهرة كذلك مناسبة لعشاق المسرح لاكتشاف عروض مميّزة تخاطب الفكر والوجدان وتفتح أبواب النقاش حول قضايا إنسانية معاصرة في زمن أصبح فيه المسرح مساحة للمقاومة والتعبير والحرية.