ثلاثون عاما على أيام الشارقة المسرحية

لجنة جائزة الشارقة للإبداع المسرحي تختار تكريم الفنانين صالح زعل وسعود الدرمكي من سلطنة عمان، تقديرا لمسارهما الفني.
الفنان النيادي يوجه رسالة مسجلة مؤثرة لضيوف المهرجان
شرشال خالف توقعات المتتبعين للمسرح الجزائري ورواده، حينما اختار أن يسلك طريقا ثانيا

تعتبر أيام الشارقة المسرحية، وهي تظاهرة مسرحية ثقافية تقام سنوياً، محطة فنية سنوية لتتويج العروض المسرحية الإماراتية. لكن الدورة الحالية، والتي احتضن قصر الثقافة في الشارقة السبت 29 فبراير/شباط حفلها الافتتاحي، تشكل دورة استثنائيا بحكم إطفائها لشمعتها الثلاثين.  
ضيوف من مختلف الدول العربية، ووجوه فنية ومسرحية عايشت أيام الشارقة المسرحية، والتي اختارت أن تكرم في دورتها الحالية، المؤلف والمنتج المسرحي والتلفزيوني الإماراتي سلطان النيادي (مواليد العين 1964) بوصفه «الشخصية المحلية المكرمة»، تقديراً من الأيام لمسيرته الفنية الخصبة، واحتفاء أيضا بمنجزه الفني والإداري في المجالين المسرحي والتلفزيوني. وبتوجيهات من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أطلقت جائزة الشارقة للإبداع المسرحي. دعما للجهود المسرحية العربية، واحتفاء بأسماء الرواد، وهكذا اختارت لجنة الجائزة هذه السنة 2020، الفنانين القديرين صالح زعل وسعود الدرمكي من سلطنة عمان، تقديرا لمسارهما الفني.
الفنان الاماراتي النيادي، من مؤسسي مسرح العين الشعبي، وهو مؤلف وممثل، إلى جانب كونه منتجاً ومديراً مسرحياً، كتب العديد من المسلسلات التلفزيونية، (طماشة، "من الثاني إلى السادس"، دروب المطايا/2009 وزمن طناف/2010، ومكان في القلب/2016،..) وقام بالتمثيل في معظم هذه الأعمال التي أنتجها أيضاً. مسرحيا شارك بالتمثيل في الأعمال المؤسسة لمسرح العين، مثل «للكبار مع التحية»، و«طارش والعنود»، كما كتب مسرحيات عدة، منها صرخة ميثاء، والفزعة.
ونظرا لظروفه الصحية، فقد وجه الفنان النيادي رسالة مسجلة مؤثرة لضيوف المهرجان، وتسلم ابنه درع التكريم، في حفل افتتاح اختار أن يختصر الكلام ويفسح للمسرح لغة العرض، حق إعلان الأيام، أيام الفرجة المسرحية والتي ستتواصل خلال الأيام الست القادمة.
"سمفونية الموت والحياة" لمسرح الشارقة الوطني، "لمس المواجع" لمسرح رأس الخيمة الوطني، "سمرة" لمسرح ياس، "حارس النور" لمسرح دبي الوطني، "أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي" للمسرح الحديث بالشارقة، "الرحمة" لمسرح الفجيرة، "أين عقلي يا قلب" لمسرح كلباء للفنون الشعبية والمسرح، "بكاء العربي" لمسرح دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح، "صبح ومسا" لمسرح دبي الأهلي، "ليلة مقتل العنكبوت" لمسرح خورفكان للفنون، إلى جانب تقديم العمل الفائز بجائزة أفضل عرض في الدورة التاسعة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، "لير ملك النحاتين" و"مأساة الحجاج".
هذا إلى جانب تنظيم ندوات تطبيقية للعروض المسرحية المقدمة، إلى جانب الندوات الفكرية المصاحبة واللقاءات والحوارات المفتوحة. وتشهد إحدى القاعات، بإقامة الضيوف المشاركين، تنظيم الملتقى الفكري حول موضوع المسرح والبحث الاكاديمي اليوم، وكيف أثر التطور التكنولوجي في حركة البحث المسرحي الاكاديمي؟ والإخراج والسينوغرافيا في المسرح المعاصر، إلى جانب احتفاء الأيام بأوائل المسرح العربي، من المتميزين من طالبات وطلاب معاهد وكليات المسرح في الوطن العربي. وتنبع إرادة المنظمين في خلق فضاء للتفاعل، بين المسرحيين العرب وإخوانهم الإماراتيين. 
وانطلقت الدورة الأولى لأيام الشارقة المسرحية،  في 10 مارس/آذار 1984 واستمرت منذ ذلك الحين إلى دورتها الحالية الـ 30، وكان لها تأثير إيجابي على الحراك المسرحي الاماراتي، أفضى إلى ظهور تجارب جديدة من الشباب المسرحي الإمارتي. 
وكان لجمهور حفل افتتاح الأيام المسرحية، مناسبة ضافية لمشاهدة العرض المسرحي الجزائري «جي بي آس» للمخرج محمد شرشال وإنتاج المسرح الوطني الجزائري، وهو العرض الذي توج بجائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي لسنة 2019، وهي الجائزة الأولى التي يتحصل عليها المسرح الجزائري منذ إحداثها سنة 2012، وألت إليه في الدورة الثانية عشرة لمهرجان المسرح العربي الذي أقيم بالعاصمة الأردنية عمان من 10 إلى 16 يناير/كانون الثاني 2020.  

Theatrical festivals
كائنات بدون ملامح، تبحث عن وجوهها

المخرج الجزائري المسرحي محمد شرشال، والذي يعتبر كاتبا للسيناريو إلى جانب انشغاله المسرحي، وضعت بصمته في المشهد المسرحي الجزائري، من خلال تقديمه للعديد من الأعمال، مسرحية بيت النار، ميلوديا، الهايشة، البركان، ما بقات هدرة.. هذا إلى جانب أعماله التلفزيونية.
ويبدو أن شرشال، قد خالف توقعات المتتبعين للمسرح الجزائري ورواده، حينما اختار أن يسلك طريقا ثانيا، فيه الكثير من الجرأة الجمالية واختيارات إخراجية، قليلا من تحضر في التجربة المسرحية في الجزائر. فرجة مسرحية اعتمدت نصا حركيا، لا مقول حواري، وتقنيات تستمد من مجالات السينما والمسرح، حيث قوة الجانب البصري وحركة إيماءات أجساد الممثلين. مسرحية "جي بي أس"، راهنت على فكرة الانتظار المر، لكن من خلال مستويين، مستوى أول لا يبتعد كثيرا عن الثاني، من خلال التركيز على فكرة المسرح، والرغبة في الكتابة. هل يمكن اختيار كتابة نص على الورق، أم الاكتفاء بأجساد قادرة على استلاب القول، وترجمة المقول الداخلي الأبلغ بالتعبير عنه ركحيا؟
اختيار فعل النحت، تشكيل مجسم أقرب الى السينوغرافية، وأقرب الى فضاءات التمسرح. لكن لا قدرة للنحات، وهو هنا كدراماتورج، أن يتحكم كليا في منحوتاته. وعبور هؤلاء الى فعل الأنسنة، من خلال مقاومة إرادة التحكم، لا ينفي أن كليهما لا يستطيع أن يقرر فعل الاختيار، وتحديد مصيره. ينتقل المخرج في لحظة ثانية، إلى الولادة، وهذه المرة في اختيار واعي للرحم/ بؤرة الميلاد والحياة. ستة كائنات مندمجة فيما بينها، حتى الوحيد الذي استطاع أن يلامس الوجوه، بهوية محددة، لم يستطع. النظام أقوى في حركة ضبط العالم. كائنات بدون ملامح، تبحث عن وجوهها، وأقنعة بديلة قادرة على تحديد مساحات اللعب، وأدوار وظيفية ثانية، لتأتي لحظة ثالثة وصراع ثنائي وثلاثي وجماعي، في محطة انتظار، عبثية، غير مهمة. مادام الزمن في مقابل إرادة الإنسان، الذي أمسى أقرب الى مسخ كافكا. 
لذلك يعبر القطار المحطة، والجميع ينتظر دون جدوى، حين تأتي مرحلة شيخوختهم، يظلون يمارسون نفس الفعل، وكأن بداهة الأشياء اليومية وعبثية ما يعيشه الإنسان، وعدم قدرته على فرض اختياراته، تكاد تكون اللوحة المتصلة، لمشاهد ثلاث منفصلة، وبديكور متحرك، بما فيه الممثلون والذين أمسوا جزءا، وفي الكثير من لحظات العرض، من سينوغرافيا ملموسة وأخرى متخيلة، يتحسسها المتفرج في أصواتهم وإيماءاتهم وبياضات الصمت.
لقد سبق ووصفت لجنة التحكيم مسرحية "جي بي إس" بأنها ّ"تحفة بصرية أخّاذة إلى أبعد الحدود"، على اعتبار ما اقترحته من كتابة إخراجية بصرية. تعكس القدرة على استدعاء عناصر حوار جديدة، لغة بصرية، تعتمد الجسد. والذي أمسى حامل مكان النص الدرامي، وحاملا لرؤى المخرج في كتابته الثانية المتحققة على الخشبة.