نظرية سوداوية ووعي بتقنيات المسرح في أيام الشارقة المسرحية

خلاصات أساسية لما وصل إليه المسرح الإماراتي اليوم، في ظل التراكم الذي تحقق، إن على مستوى العروض والتجربة.
محاولة تبني أسلوب مسرحي، يعبر في العمق على التجربة المسرحية بالامارات
مزيد من الانفتاح للأيام على تقديم العروض المسرحية، بمنأى عن معايير دقيقة للجودة

أيام الشارقة المسرحية، في ثلاثينيتها من 29 فبراير/شباط الى 6 مارس/آذار، تقدم خلاصات أساسية لما وصل إليه المسرح الإماراتي اليوم، في ظل هذا التراكم الذي تحقق، إن على مستوى العروض والتجربة، أو على مستوى المكتسبات التقنية والجمالية للظاهرة المسرحية ومحاولة تبني أسلوب مسرحي، يعبر في العمق على التجربة المسرحية بالامارات. 
وفي الوقت الذي تم فيه افتتاح الأيام، بالعرض المسرحي المتوج بجائزة القاسمي "جي بي إس" لمحمد شرشال، المسرح الوطني الجزائري، فإن باقي الأيام خصصت لتقديم العروض المسرحية الاماراتية، سواء داخل المسابقة الرسمية، والتي يترأسها جبار جودي من العراق وتتكون من السادة أعضاء: وليد الزعابي من الإمارات، وأمين الناسور من المغرب، وزهيرة بن عمار من تونس، ومحمد الضمور من الأردن. هذا إلى جانب العروض الموازية، والتي تقدم بتزامن، يوميا، مع باقي الفعاليات.
وإلى حدود الاربعاء، 4 مارس/آذار، قدم مسرح دبي الأهلي مسرحية "صبح ومسا" تأليف وإخراج حافظ أمان، جمعية الشارقة للفنون المسرح الحديث بالشارقة مسرحية "أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي"، تأليف علي جمال وإخراج حسن رجب، "لير ملك النحاتين" من المسرحيات القصيرة، إعداد حسن يوسف وإخراج سعيد الهرش، جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، مسرحية "أين عقلي يا قلب" تأليف عثمان الشطي وإخراج أحمد الانصاري، مسرح دبي الوطني "حارس النور" تأليف عبدالله صالح وإخراج علي جمال، "لمس المواجع" لمسرح رأس الخيمة الوطني تأليف حميد فارس وإخراج مبارك خميس. و"ليلة مقتل العنكبوت" تأليف اسماعيل عبدالله وإخراج إلهام محمد.
فيما تتواصل باقي الفعاليات الخميس 5 مارس/آذار، بتقديم عروض "الرحمة" لمسرح الفجيرة، و"سمرة" لمسرح ياس، و"مأساة الحجاج" لرامي مجد، و"بكاء العربي" لجمعية دبا الحصن، و"سمفونية الموت والحياة" لمسرح الشارقة الوطني. 
ويلاحظ مزيد من الانفتاح للأيام على تقديم العروض المسرحية، بمنأى عن معايير دقيقة للجودة. بحيث تتحول الأيام المسرحية للشارقة، لفضاء مفتوح لتفاعل المسرحيين فيما بينهم، واستغلال حضور هذا الكم، من الفنانين العرب والمسرحيين المتمرسين. وهو ما يغذي النقاش والاستفادة. لكن، عموما لوحظ هذا التطور اللافت في مستويات المعرفة المسرحية، وإن بتفاوتات بين التجارب المسرحية، كما أن تزايد هذا الجيل الشبابي المتعاطي للفن المسرحي، أمسى يشكل أفقا للتجربة المسرحية الاماراتية.
سوداوية وتقنيات مسرحية:
يتحدث المخرج حسن رجب عن سينوغرافيا مكثفة ومختزلة، صاحب مسرحية "أشياء لا تصلح للاستعمال الأدمي"، وإلى جانب باقي المسرحيين في الأيام راهنوا جميعا على هذا  الحس الإخراجي، في تقديم عروضهم، لكن بحفاظ دائم على الوفاء لهذه الخلفية القوية للنص الدرامي. علما أن افتتاح الأيام كان بعرض "جي بي اس"، العرض الجزائري، والذي لم يحتاج أساسا إلا لفكرة همهمات فقط. 
يقول حافظ أمان، صاحب مسرحية "صبح ومسا"، إنه يراهن على المنطوق اللفظي، فللكلمة مكانتها في "أسلوبه الإخراجي"، وهو ليس ميالا للتجارب التي تلجأ للتعبير عبر الصور والرؤى البصرية. 
المسرحي علي جمال، يتحدث عن الكوميديا السوداء، فصاحب "حارس النور"، هذا العرض الذي راهن فعلا على كتابة إخراجية ركحية بصرية، وسينوغرافية تستغل فضاء الخشبة، أكد بقوة هذا التطور الملموس للتجارب المسرحية المقدمة، خلال الايام الـ 30. 

عبدالرحمان الملا، مساعد مخرج مسرحية "أين عقلي يا قلب" لمسرح كلباء، يتجه إلى التعبير عن ما يسمه بالفنتازيا والمسرح التجريبي. و"في لمس المواجع" لمبارك خميس، نكون أمام خطوة أولى لمخرج شاب، راهن على الموسيقى والإضاءة للتعبير عن شحنات العمل المسرحي، الذي يحتاج للكثير. 
واختارت المخرجة الإمارتية، أحد أهم مكاسب هذه الأيام واكتشافاتها، إلهام محمد الفضاء شبه فارغ للخشبة، لتعطي مساحة للتجريب وآلياته، من خلال الرهان على جسد الممثل وأدائه، وتشكيل عمق بصري يؤدي إلى خلق فرجة خاصة للعين. لقد تكررت الفضاءات السوداء، ولغة الاحتجاج وصلت للتباكي أحيانا، والانهيارات والانكسارات، بشكل هيمن على جل العروض. سوداوية لافتة، واعتناء واستدعاء لسلطة النص الدرامي، ولو بسوء فهم مسرحي أحيانا، والتي أحيانا ما تعيق المخرج عن التعبير بأسلوبه وكتابته الخاصة، إلى جانب حضور تقنيات مسرحية، لا توظف بشكل مسرحي داخل تركيبة العمل المسرحي وعمق فضاءات الخشبة وتوزيعها. 
إلهام محمد، المخرجة المسرحية الإماراتية، استطاعت في تجربة "ليلة مقتل العنكبوت"، وهي رؤية نسائية لكتابة ذكورية احتجاجية (اسماعيل عبدالله)، تحقيق تلك المعادلة الصعبة، بين فرجة مسرحية تقدم لنا جرأة بجرعة زائدة، لصوت احتجاجي قوي للراهن وللسلطة، وبين لغة إخراجية تكشف عن أسلوبها الخاص.

يبقى اللافت، خلال العروض المقدمة، هذا الحضور والصعود القوي، لجيل من شباب المسرح الإماراتي، إلى جانب رواد المسرح، قوة جسدية ومخيال إبداعي على الخشبة، وامتثال كلي ومحاولة استغلال طاقات الممثل الداخلية. ولعل هذه الأيام كشفت نتائجها الأولية، في فتح آفاق استشرافية للمسرح الإمارتي.
قدم مسرح خورفكان للفنون، فرجة مسرحية تنبني على ثنائية الصراع، ومحاولة تجسيده على الخشبة. قد يكون رهان التجريب، لافتا في محاولة تقديم عرض مسرحي، بحس تقني ولغة بصرية تستغل إمكانات الفضاء، وما يفتحه جسد الممثل من قدرات جمالية ضافية للعمل المسرحي. 
العناكب، الفراشتان سارة وسناء، هتان الصغيرتان والكبيرتان في الأداء، استطاعتا أن تخلقا فسحة خاصة لهذا العرض. محاولة جعل فضاء الخشبة، سجن ومعتقل داخلي، لإدخال المتفرج وأحاسيسه إلى هذا المنفى، احتاجت ربما لجرأة إخراج أكثر وأوسع وأشمل، وهي متاحة لمخرجة تمرست كفاية على العرض المسرحي، وراكمت تجربة مهمة.