جائحة الميديا في إقليم كردستان

الصراع بين الحزبين الكرديين الكبيرين قديم وخسائره كبيرة. هذا ليس وقت صب الزيت على النار.

عندما يحاول أي حزب سياسي أن يستفيد من الصراع مع حزب سياسي آخر، بهدف الاستئثار بمفاصل القرار، أو تجحيم دور منافسه، أو التخلص من مشاكله الداخلية ولتحريف أنظار قواعده عن أزماته المتراكمة وترتيب أوضاعه أو إنتكاساته أو حتى إستغلال نجاحاته المدوية. ينسى أو يتناسى ما يقوله الصينيون بشأن الصراع، وإنه كالثعبان الذي لو مسكته من رأسه سيضربك بذيله، وإن مسكته من ذيله سيلدغك، وإن مسكته من وسطه سيلدغك ويضربك بذيله في آن واحد. سقت بهذه المقدمة لأقول أن الصراع بين الحزبين الرئيسيين في كردستان، الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، ليس حديث العهد، وليس بعيداً عنا كم خسرنا في الصراعات العصيبة التي عشناها، وخلال النزاعات المسلحة التي يتحدث عنها العقلاء بألم في مذكراتهم وروايات أحداثها المأساوية التي تؤرقهم، وتأكيدهم خلال أحاديثهم عن الماضي "بأن لا معنىً لها". ويقولون كل مرة: كان بالإمكان منعها لو تصرفنا بشكل آخر ولو لجأنا لإسلوب آخر.

لكن الصراع بين الحزبين تعمق في الأسابيع والأشهر الأخيرة مع إنتشار فايروس جائحة الميديا التي أعتلت منصات الزيف والخديعة، ومع تصريحات ومواقف النافخين في رماد الفتنة والقاصدين لإثارة المكائد والدسائس، ظناً منهم بأنهم سيستفيدون من الصراع وتأزيم الأوضاع والعبث بالمستقبل.

تلك الجراثيم، انحرفت عندها بوصلة القراءة الاستراتيجية الصحيحة، لذلك تتجاهل ما يحاك ضد اقليم كردستان، ومروره بمرحلة حرجة مثقلة بمشكلات كثيرة، أبرز سماتها التهديدات الخارجية لمقومات الهوية القومية واسترخاص دماء الكردستانيين وجرف انتمائهم الوطني، ومحاولات فتح الباب على مصراعيه لدورة جديدة من الفوضى العارمة، ليتحول الإقليم الى كيان هش ومثخن بالتوترات والاضطرابات الأمنية والسياسية. وتطلق العنان لأوهامها المريضة بلا أي ضوابط في ساحة النزاع، وتنادي المتعبين وتزعق بملء افواهها للترويج لبضائعها الفكرية الفاسدة، وإتصفت تصرفاتها بالتخبط وغياب الرؤية السياسية الوطنية ووحدة الهدف والمصير، ومن خلال ما تعلن من مواقف نتنة وما تمارسه من تفنن في نبش الماضي وإظهار المواقف الخاطئة النخرة لتقديسها وعبادة الصراع القديم الملوّث بالدماء، يمكن بسهولة التأكد من انفصامها وتناقضها الواضح ودفعها المستميت نحو المزيد من التخندق وتوسيع الهوة بين الأطراف المختلفة، ومحاولة إفضاء هذا الصراع الى خلق واقع جديد يعيد رسم خريطة كردستان السياسية، أو تدشين مرحلة تكون فيها جذوة نار الصراع مشتعلة وكفيلة باستمرار الحرائق وإعادة تدوير الاحتراب الأهلي المثقل بالدم والكراهية وضيق الافق، ويكون فيها الكردستانيون مشاريعاً للعنف.

في مقابل تلك الجائحة هناك فرق طبية، لو أرادت، تحسن غربلة من يحاولون أن يعصّبوا عيون الكردستانيين ويختاروا لهم الطريق المظلم، لكي يضيّعوا أنفسهم وأهليهم وآمالهم وأهدافهم وحاضرهم ومستقبلهم في الدهاليز المعتمة ومتاهاتها التي لا مخرج منها، وتعي أن قيم التسامح والمحبة والعفو والوئام مع الآخرين الموجودة بين الكردستانيين، والقيادات الوازنة العريقة والنخب البارزة الواعية والمخلصة الذكية في صفوف الحزبين الكردستانيين، تستطيع إنهاء الصراع الدائر حالياً وإعادة الثقة فيما بينهما وتغيير عقلية وطريقة العمل الإداري والسياسي والأمني، واستيعاب الخلافات ووجهات النظر الأخرى بقلب مفتوح، خصوصاً لو حرصوا بحزم على تشخيص الصيادين في المستنقعات الراكدة التي تعلو فيها نقيق الضفادع، وتعطيل توجهاتهم ومواقفهم السلبية التي تهوى الكراهية والعنف وإشاعة الموت المجاني وتفخيخ العقل والقلب بهوس العداوة والبغضاء مع الآخرين، وإبعاد كل الذين يعتاشون على إثارة الأزمات وإصطناع العداوة والنفخ في الرماد لإظهار جمراته، عن صفوفهما وبالذات في الإعلام الفوضوي الذي لا يشعر بالحرج والذي لا يجني منه أحد أي شيء.