
'جائزة بطرس غالي' لمحمد بن عيسى في تتويج للدبلوماسية المغربية
القاهرة - منحت مؤسسة 'كميت بطرس غالي للسلام والمعرفة' مساء الأحد 'جائزة الإنجاز في مجال دبلوماسية حل الصراعات والديمقراطية وحقوق الإنسان' لوزير الخارجية والثقافة المغربي الأسبق محمد بن عيسى في حفلها السنوي الذي أقيم بالقاهرة وحضره عدد من كبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية حاليون وسابقون ورموز الفكر والسياسة والإعلام بينهم وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي الذي كان مبعوثا أمميا لأفغانستان والعراق وسوريا والجامعة العربية، في تتويج جديد للدبلوماسية المغربية التي أرسى دعائمها العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني وعزز مكاسبها وتوجهاتها الهادئة والرصينة خلفه الملك محمد السادس بمقاربات هادئة نجحت في تفكيك عدة أزمات.
ويأتي هذا التتويج والتكريم للمملكة المغربية في شخص وزير خارجيتها الأسبق، بينما تحقق الدبلوماسية المغربية الحالية نجاحات عززت مكانة المغرب كفاعل دولي وإقليمي في إرساء السلام ومكافحة التطرف والإرهاب والدفع بالحوار سبيلا لمعالجة القضايا الخلافية إقليميا ودوليا.
وجاء في قرار لمجلس أمناء مؤسسة 'كميت بطرس غالي للسلام والمعرفة' أن منح الجائزة لمحمد بن عيسى جاء تقديرا لدوره المتميز وإسهامه في مجال الدبلوماسية وثقافة السلام، مثنيا على تفانيه وتفوقه في عمله مما جعله يحتل مكانة مقدرة دوليا ، فيما يصادف توزيع جائزة الدكتور بطرس غالي (14 نوفمبر/تشرين الثاني 1922/ 16 فبراير/شباط 2016) هذه السنة الاحتفال بمائويته .
وفيما حيت المؤسسة جهود بن عيسى طيلة قيادته دفة الدبلوماسية المغربية، عبر هو بدوره عن فيض من المشاعر قال إنه يصعب أحيانا وصفها.
وتابع في كلمته "أعترف اليوم أمامكم أنني أعيش هذه اللحظات ولا تسعفني الكلمات كثيرا كي أعبر عما يخالجني من شعور بالاعتزاز والسعادة وأنا أتسلم جائزة الإنجاز في مجال دبلوماسية حل الصراعات والديمقراطية وحقوق الإنسان".
وشكر بن عيسى المؤسسة ومجلس أمنائهم على تشريفه بالجائزة في دورة العام الحالي، مضيفا "تأثري لهذه الالتفاتة الكريمة يتخذ معنى وبعدا مضاعفا نظرا لمكانة ورمزية المؤسسة المانحة واعتبار للقيمة الاستثنائية للشخصية الفذَّة التي تحمل هذه الجائزة اسمها، شخصية المرحوم الأستاذ بطرس بطرس غالي رجلِ الدولة الذي منح لوطنه مصر كل ما يقتضيه واجب الإخلاص والوفاء وظل تعلقه بقيم الشعب وثوابت الدولة في مصر، تعلقا راسخا ومتأصلا"..
وتابع في كلمته للحضور "اسمحوا لي أن أستحضر في هذه المناسبة الطيبة بعضا من ذكرياتي عن الرجل الذي أتشرف اليوم بتسلم جائزة تحمل اسمه والذي عرفته وجمعتني به علاقات طيبة، اتَّسمت بالود والتقدير".
وقال وزير الخارجية المغربي الأسبق في حديثه عن بطرس غالي "فقد عرفته في مراحل مهمة ودقيقة وغنية من مساره الزاخر بالحضور الوازن وبالعطاء الوفير. وخَبَرت معدنه الأصيل، سواء وهو يتولَى مهامه كوزير للدولة في الشؤون الخارجية بدولة مصر الشقيقة، أو حين أصبح أمينا عاما لمنظمة الأمم المتحدة أو حين عاد لمواصلة عمله الثقافي على رأس المنظمة الدولية للفرنكوفونية بباريس".
وأوضح كيف كان الراحل يعطي خلال عهده في وزارة الخارجية المصرية "أهمية بالغة للقارة الإفريقية سواء على مستوى القضايا ذات الطابع الإنساني أو بخصوص موضوعات وملفات ورهانات جيوسياسية".
وأشار إلى أن بطرس بطريس غالي "كان في طليعة من أعطوا للدبلوماسية المصرية نفسا متجددا في الاهتمام والعناية بالملف الإفريقي بكل تشعباته المتعددة وخلفياته الإستراتيجية المتجددة."
وقال بن عيسى "لقد عرفت فيه أيضا رجل دولة بشخصية قوية وكاريزمية جاذبة وقدرت فيه دائما صموده وثباته على المبادئ ووفاءه للقناعات الحقوقية التي آمن بها في حياته كما في عمله".

كما تحدث عن مساعيه وجهوده حين تولى الأمانة العامة للأمم المتحدة (1 يناير/كانون الثاني 1992 إلى مطلع يناير/كانون الثاني1997)، مشيرا إلى اهتمامه بالقضية الفلسطينية وانشغاله القوي بالأزمات والمعضلات ومظاهر المعاناة الإنسانية في عدد من مناطق القارة الإفريقية.
وأثنى كذلك على شجاعته وجرأته، موضحا في هذا السياق على سبيل الذكر لا الحصر حرصه على نشر تقرير الأمم المتحدة حول 'مجزرة قانا' التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في لبنان عام 1996، رغم اعتراض قِوى دولية عظمى، مشددا على أنه كان شديد الحرص على الدفاع قيم الحق والعدل والكرامة الإنسانية، مضيفا "فكان ما كان بعد ذلك، مما سيكتبه التاريخ من وقائع وأحداث عن مواقف الرجال في المراحل الصعبة والحرجة التي تُختبر فيها الإرادات الصلبة".
واستذكر محمد بن عيسى في سياق حديثه عن بطرس بطرس غالي وكان وقتها وزيرا للثقافة في الحكومة المغربية، واقعة من ضمن عدة أحداث خلال ترشحه (بطرس غالي) لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة كيف أنه لم يحصل على أغلبية الأصوات رغم عدة دورات وكان يلزمه للفوز صوت واحد هو صوت جمهورية الزايير (جمهورية الكونغو الديمقراطي حاليا)، مشيرا إلى أن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني تدخل واتصل بالرئيس الزاييري حينها موبوتو سيسيكو وضمن الفوز لغالي "وتم المراد على النحو المطلوب".
كما تحدث الوزير المغربي الأسبق كيف أبلغ بطرس غالي بفوزه بالمنصب قائلا "وارتباطا بنفس الموضوع هناك تفصيلة بسيطة ساقتها الأقدار صدفة ولكنها تعكس هذه الأخوة المغربية المصرية، فقد حدث أن كنَّا معا في مؤتمر قمة شايو للفرنكوفونية، حيث تشرفت خلال أشغالها بتمثيل جلالة الملك الحسن الثاني، في حين كان المرحوم بطرس غالي يمثل الرئيس حسني مبارك وكان لنا قبل تناول الغذاء، اجتماع في مركز المؤتمرات التابع للخارجية الفرنسية الذي كان يقع في شارع كليبر بباريس".
وأضاف "أذكر أن العزيز الراحل بطرس بطرس غالي، كان يتحدث مع رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس الهراوي، حين تم التصويت في نيويورك على شخصه كأمين عام للأمم المتحدة وبلغني الخبر عبر مصادري الخاصة قبل أن تتناقله وكالات الأنباء العالمية، فدلفت نحوه بكل فرح لأزف إليه الخبر الطيب فردَّ علي رحمه الله بقوله: إنت بتهزر؟، لكنَّه سرعان ما شعر من خلال نبرة كلامي وملامح وجهي، أن الأمر كله جد في جد. وكم كانت فرحتنا كبيرة بوصول أول عربي وإفريقي إلى تولي أرفع منصب أممي".
تدخل العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني لدى رئيس الزايير (الكونغو الديمقراطية حاليا) حسم المنافسة لصالح بطرس غالي على رأس الأمانة العام للأمم المتحدة الذي كان يحتاج صوتا واحد للفوز هو صوت الزايير
وتابع "إني اليوم أرى من واجبي أن أقول وأشدد على قولي، بأن الكبير بطرس غالي ظل دوما مصريا خالصا وعربيا صادقا، مؤمنا بولائه الشديد لمصريته وبانتمائه لعروبته . وأشهد له بأنه كان إنسانا ذا خصال فكرية وأخلاقية راقية جدا. ويحسب له أنه ساهم بشكل فعال في تركيز مكانة مصر في أكثر من موقع رفيع يليق بها وبتاريخها المجيد".
وخلص إلى القول "ختاما، أودّ مجددا التعبير عن شعوري بالاعتزاز الكبير وأنا أحمل جائزة تُمنح باسم هذا الرجل الألمعي. وسيظل هذا التشريف حدثا مشهودا في حياتي، خالدا في ذاكرتي ومخلدا أيضا لدى أسرتي الصغيرة والكبيرة. وأتمنى لمؤسسة كيميت بطرس بطرس غالي للسلام والمعرفة دوام التوفيق والنجاح لمواصلة الرسالة النبيلة التي نذر لها المرحوم بطرس بطرس غالي، جهده وفكره وحياته".
وأثنى وزير الخارجية المصري سامح شكري بدوره على اسهامات مؤسسة 'كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة' "في إثراء الحياة الثقافية ونشر الفكر المستنير سيرا على نهج قامة مصرية عظيمة هي الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة"
وأضاف أن الدكتور بطرس غالي يعد من أعلام مصر ليس على المستوى الوطني فقط ولكن على المستوى الدولي، كما أنه كان مكرسا حياته لخدمة قضايا السلام الدولي والتنمية خصوصا في إفريقيا، مشيرا إلى أنه قدم إسهامات جليلة في المجال السياسي والقانوني.
وقال إنه "ساهم أيضا ساهم في توثيق العلاقات مع الدول الأفريقية، منوها بأنه ما قدمه لمصر والعالم من جهود في مجال السلام يجب أن يكون نموذجا للقضاء على الاستقطاب في العالم".
واحتفت المؤسسة بالفائز بجائزة المؤسسة محمد بن عيسي وزير الخارجية ووزير الثقافة السابق بالمملكة المغربية وذلك لدوره المتميز وإسهامه في مجال الدبلوماسية وثقافة السلام.
كما كرمت المؤسسة الوزير محمد فايق وزير الإعلام السابق ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق لمسيرة عطائه الممتدة دفاعا عن القضايا الإفريقية وحقوق الإنسان .
وأعلنت المؤسسة خلال الحفل عن الفائزين بجوائز التفوق الجامعي والعلمي في مجال القانون الدولي والعلاقات والنظم الإفريقية في الجامعات المصرية من بينهم الطالبة حبيبة طارق لحصولها على أعلى درجة بالشعبة الفرنسية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وكرليس أنيس الحاصل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف بالشعبة الإنكليزية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
وفاز بالمركز الأول لجائزة الدراسات الإفريقية الدكتور إسلام محمد وبالمركز الثاني الدكتورة عبير محمد.
أما بالنسبة لجائزة القانون الدولي ففاز بالمركز الأول الدكتور محمود الشرقاوي وبالمركز الثاني الدكتورة هبة سلامة أبوكليلة.