جبهة واحدة وراء ثلاث أكاذيب عربية

التدفق الكبير في المعلومات وعدم وجود وسائل للتأكد من صحتها، جعل جهات كثيرة تستثمر الفضاء الواسع لبث الأكاذيب لأغراض سياسية. هناك دول ومؤسسات وجماعات ترعى هذه المسألة. أشخاص معنيون بترديدها سريعا، عن قصد أو بدونه. يتم تداولها باعتبارها حقائق.

المشكلة أن الدوائر المستهدفة تطرب أحيانا لبعض الأكاذيب. تتركها تمضي لحال سبيلها. تترفع أحيانا عن الرد أو ترغب في التعرف على المسار الذي يريده من يقفون خلفها. هناك دوائر قليلة تبدو معنية بدحض الفرية مباشرة، كي يتم وأدها مبكرا، خوفا من ترسيخها.

لم أقصد الشائعات الناجمة عن جلسات النميمة التي يجري الترويج لها، عن جهل تام أو فقر في المعرفة أو حتى تحريف لوقائع اجتماعية. فهذا النوع يتصرف على سجيته غالبا. يصيب ويخطئ، وتتوقف معلوماته عند حد معين، بعيدا عن التوظيف السياسي المنظم.

النوع الخطير، يجعل من الأكاذيب والشائعات هدفا. يعرف ما يروج له ولمن ومتى وكيف ولماذا؟ وينتقي بضاعته، لأنه يملك أجندة يعمل بها، مستفيدا من التطور التكنولوجي الهائل، والشبكة العنكبوتية التي تربطك بعوالم قد يصعب تخيلها.

النوع الأشد خطورة، ينطوي على أبعاد سياسية. صاحبه يتخذ من الكذب حرفة وأسلوب حياة. كلما سمع إنجازا لمن يعتبرهم خصومه يحوله إلى جريمة. يتلذذ بأي خطأ ويعمل على تضخيمه. ينتظر هفوة ويجعل منها كبوة. لا يكتفي بمعرفتها، لكن يحرص على ترويجها على أوسع نطاق.

يزداد انتشاره وقت المحن والأزمات والهزائم، لأنه يبدو كتنفيس أو تعويض عن خسائر لحقت بأصحابه. حرب الشائعات عملية معروفة وصناعة لها متخصصون وخبراء. تتم وفقا لآليات علمية. تؤثر في الأمم الضعيفة. نتائجها تتجلى وسط الشعوب التي تفتقر للحريات.

أما حرب الأكاذيب الجديدة فقد ظهرت معالمها الواسعة في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة. وضعت بذورها قطر وجماعة الإخوان. انطلقت من نفخ النار في بعض الأحداث لاشعال الفتن السياسية. تطورت إلى اختلاقها وترويجها.

التطور له علاقة بالأهداف الخفية التقليدية، وعلى صلة بما يواجهه هذا التحالف من خسارة منكرة في معظم المعارك التي خاضها، وأوشكت أن تدخله هزيمة نهائية. لذلك يستهدف تحالف الدوحة والجماعة الجهات التي لقنت قادته دروسا قاسية.

هناك عديد من المواقف الكاشفة لأكاذيب قطر والإخوان مع مصر، بدءا من التشكيك الدائم في الأوضاع الأمنية والحالة السياسية، وحتى التحريض على تصاعد الأزمات الاقتصادية، وتزوير المشاهد الاجتماعية التي لا تحتمل اللبس مع ذلك جرى الانتقام بفجاجة تنم عن ضعف في القيم الأخلاقية.

على المستوى العربي، يمكن رصد ثلاث أكاذيب، شاعت خلال الأيام الماضية. كل منها يحمل غرضا سياسيا معينا. داخل كل غرض تفاصيل تؤكد أن ثمة جبهة واحدة تقف وراءه.

الكذبة الأولى: وفاة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي. انتشرت هذه الكذبة منذ أسبوعين، مع دخول الرجل مستشفى بيرسي في فرنسا للعلاج من حساسية في الصدر. وتم نسج سيناريو لحالته المرضية يشير إلى إصابته بسكتة دماغية، أفقدته الوعي تماما. ثم الترويج لوفاته. وكي يتم حبك الكذبة، تم نشر خطاب مزور بتعيين قائد عام جديد، هو الفريق عبدالرازق الناظوري رئيس أركان الجيش الليبي.

الهدف من وراء الكذبة، محاولة إحداث شرخ في صفوف الجيش الليبي، الذي يشهد تقدما على كثير من الجبهات القتالية. وينوي إنهاء معركة درنة وتخليصها من الإرهابيين والمتطرفين.

التجهيز لإجراء انتخابات رئاسية في البلاد، أحد الدوافع الرئيسية لإطلاق الشائعة. فحفتر أحد أهم فرسان الرهان في ليبيا حاليا. وتغييبه وإثارة البلبلة في صفوف الجيش يبعثر الأوراق التي تتجمع لديه، وقد يمنح الإخوان والإرهابيين طوق نجاة، وربما عودة قوية للمشهد السياسي الذي يضيق من حولهم.

الكذبة الثانية: استهداف القصر الملكي في الرياض. كأن هناك من يتربص وينتظر حدوث مكروه في السعودية. تم استغلال شرود طائرة لاسلكية ترفيهية صغيرة ذات تحكم عن بعد من نوع (درون) وتعاملت معها نقاط الفرز الأمني باقتدار في حي الخزامي بالرياض.

من تابع الحديث وترويجه عقب هذه المحاولة، يتأكد أن هناك جهات كأنها تنتظر حدوث مكروه في السعودية، لأن الموقف أخذ سياقا تآمريا خطيرا. وسلك مناحي غريبة، جميعها تصب في خانة وجود اختراق خارجي لأمن السعودية. النتيجة تشفي غرور قطر والإخوان. وتشير إلى عدم جدوى الخطوات الإصلاحية المهمة التي دشنتها القيادة السعودية.

الخطة فشلت مبكرا، لأن الرياض تعاملت معها على الفور، ووضعت النقاط على الحروف، وأخمدت الشائعة. وبقي مدلولها السياسي، يؤكد أن البحث عن انتصارات وهمية أحد أهم الأهداف التي تتغذى عليها الدوحة والإخوان للصمود أمام الاحتجاجات الصامتة لأنصارهما.

الكذبة الثالثة: تحرير الغوطة واحتلال الجولان. تبذل كتائب الإخوان والمتطرفين جهودا كبيرة للتقليل من تحرير الجيش السوري للغوطة. وتعيده لطبيعة التعاون مع روسيا تارة، ودور إيران تارة أخرى. والأهم أن أنصار هؤلاء عزفوا على نغمة عدم قدرة دمشق على تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي.

القفز على المعطيات الراهنة والمغالطات المنهجية، من سمات قطر والإخوان والمتشددين. تعويض النكسات بأي وسيلة طريقة أصيلة لديهم. التقليل من خيبة الأمل التي خلفتها الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية لمواقع في سوريا الأسبوع الماضي، جعل هؤلاء ينحرفون عن الأزمة الحالية والهروب إلى الماضي.

احتلال الجولان قضية مركزية في الوجدان العربي وليس السوري فقط. تفجيرها في هذا التوقيت الذي تقاتل فيه جيوش دول كثيرة وجماعات متباينة على أرض سوريا، يرمي إلى إصرار على عدم الاعتراف بالهزيمة التي تلقاها التيار الإسلامي، بألوانه وأطيافه المختلفة. يريد بث روح جديدة في صفوف أتباعه. منح أمل لمن يقفون خلفهم.

التصور خاطئ من الأساس، لأن حض دمشق على خوض حرب ضد إسرائيل، ليس هذا زمانها، لن يكون مجديا. محاولة للمكايدة، والابتعاد عن جوهر الأزمة. رغبة في الإيحاء بأن النظام السوري، إذا خرج من أزمته الراهنة، سوف يواجه بأزمات أشد ضراوة.