جدل حول حماية بيانات السوريين بعد تحويل الرواتب عبر "شام كاش"

تساؤلات حول إمكانية استخدام التطبيق كأداة لتعزيز المراقبة الحكومية، خاصةً في ظل غموض آلية عمله الداخلي.

دمشق – تظهر محاولة الدخول المباشر عبر متصفح فاير فوكس لموقع "شام كاش" الذي اعتمدته الحكومة السورية لتوزيع الرواتب، تحذيراً ينص "عند زيارة هذا الموقع، قد يحاول المهاجمون سرقة معلومات مثل كلمات مرورك أو رسائل بريدك الإلكتروني أو بيانات بطاقتك الائتمانية"، ما جعل الجدل يتزايد بشأن أسباب اختياره وجدواه.

مع أن قرار الحكومة السورية باعتماد تطبيق "شام كاش" كوسيلة لتسليم رواتب الموظفين يمكن أن يحل مشكل الطوابير التي تكتظ بها المصارف الحكومية شهرياً، إلا أن للقرار تداعيات سلبية عديدة لا تتوقف عند عدم موثوقية المحفظة المالية الإلكترونية نتيجة عدم ارتباطها بالشبكة المصرفية، بل تتجاوز إلى الفوضى العارمة التي تطاول طريقة التعاطي الحكومي مع كتلة الرواتب من جهة، والموظفين الحكوميين من جهة أخرى.

ويشعر الكثيرون بقلق حيال اعتماد تطبيق "شام كاش" رسمياً، بوصفها الوسيلة المسؤولة عن توزيع رواتب جميع موظفي القطاع العام، وهو أول قرارات وزير المالية محمد يسر برنية، المعروف بخبرته المهنية.

وفي حين يؤكد مطوّرو تطبيق "شام كاش"، أنّه مصمم وفق أعلى معايير الأمان لحماية بيانات المستخدمين ومعاملاتهم المالية، بما يضمن تجربة آمنة وموثوقة في جميع المراحل، أعرب بعض النشطاء الذين قاموا بتثبيته وفحصه عن قلقهم الشديد حيال مستوى الأمان الذي يقدمه، حيث أفادوا بأنه يطلب صلاحيات واسعة وغير مبررة تثير الريبة، مثل الوصول إلى الكاميرا، وملفات النظام، وإمكانية تتبع البيانات الشخصية.

وأثار غياب توفر التطبيق على المتاجر الرسمية مثل غوغل بلاي وأب ستور، مزيدًا من المخاوف، إذ اعتبر العديد من المستخدمين والخبراء أن ذلك يُشكل علامة تحذيرية بشأن مصداقيته وأمانه.

وأوضحت ناشطة في مقطع فيديو المحاذير والتفاصيل المتعلقة باستخدام التطبيق وإمكانية انتهاك الخصوصية من قبل مؤسسات أو حكومات.

ووفقاً لتحليل منصة "سمكس" المعنية بالحقوق الرقمية، فإن التطبيق لم يخضع لاختبارات الموثوقية المعتمدة عالمياً، إذ أنه غير متاح على متجري "أندرويد" و"آي أو إس"، ويتم تحميله فقط عبر الموقع الرسمي.

وأشار التقرير إلى غياب سياسة واضحة لحماية البيانات، وطلب التطبيق صلاحيات واسعة مثل الوصول إلى الكاميرا والمصادقة البيومترية، مما يزيد مخاوف انتهاك الخصوصية. وأكدت "سمكس" أن التطبيق حصل على 17 نقطة من أصل 22 في تقييم المخاطر (حيث 22 هو الأعلى خطراً)، مما دفعها إلى التوصية بعدم استخدامه.

وتطرح تساؤلات حول إمكانية استخدام التطبيق كأداة لتعزيز المراقبة الحكومية، خاصةً في ظل غموض آلية عمله الداخلي. وهذا الهاجس يتزامن مع توجه السلطات السورية الجديدة، منذ نهاية 2024، إلى تعميم "شام كاش" كمنصة وحيدة للمعاملات المالية الرقمية، في خطوة تشبه تجربتها السابقة في إدلب.

وإلى جانب المخاوف الأمنية، كشف القرار عن جانب اقتصادي مثير للجدل، وهو احتكار شركتي الصرافة "الهرم" و"الفؤاد"، اللتان كانتا تحتكران السوق في عهد نظام الرئيس السابق بشار الأسد،  لتوزيع رواتب الموظفين بعمولة 5 بالألف. وهذا القرار أثار استياءً كبيراً، خاصةً مع استبعاد المصارف العامة والخاصة من العملية.

وجاء التبرير الرسمي للقرار بأنه لـ"تعزيز الشفافية" و"تسهيل صرف الرواتب"، رغم غياب أي معلومات واضحة عن الجهة المطورة للتطبيق أو آلية حماية البيانات. كما أن ادعاء تجنب الطوابير الطويلة أمام البنوك يبدو هشاً، فكيف لشركتي صرافة فقط أن تحلا مشكلة كانت تعاني منها عشرات الفروع المصرفية.
وأكد محللون أن قرار اعتماد "شام كاش" يفتح الباب أمام مخاطر أمنية واقتصادية كبيرة، في وقت تحتاج فيه سوريا إلى سياسات شفافة تعيد الثقة للمواطنين. بينما الموظفين السوريين مقبلون على تجربة محفوفة بالمخاطر مع عدم وجود من يحمي بيانات المواطنين وأموالهم إذا تعرض التطبيق للاختراق.

وأعلنت وزارة المالية في سوريا اعتماد خدمة "شام كاش" لتسليم الرواتب والتعويضات للموظفين البالغ عددهم مليونًا و250 ألف موظف وفق تصريحات وزير المالية السابق.

وذلك بعد أن شكّلت الطوابير أمام المصارف في سوريا، معاناة للموظفين والمتقاعدين، وهي في الوقت ذاته تحد مستمر أمام الحكومة السورية، لا سيما أن الراتب لدى معظم هؤلاء يمثل المصدر الوحيد لتأمين معيشة عائلاتهم. لكن الحصول على هذا الراتب باعتباره حقًا للعامل أمر تعترضه الصعاب، فآلات الصرافة محدودة من حيث العدد والقدرة.

و"شام كاش" هو تطبيق محلي للجوال مرتبط ببنك شام المحلي، الذي كان تابعًا لحكومة الإنقاذ في إدلب، واستخدم سابقًا في إدلب وحلب لجميع المعاملات الحكومية ورواتب الموظفين وعموم معاملات المواطنين.

ويقدّم التطبيق خدمة سحب أو إيداع الأموال مجانًا وبشكل فوري، من خلال محال الصرافة المنتشرة.

وأفادت مصادر أن اعتماد تطبيق "شام كاش" لتحويل الرواتب للموظفين سيكون له فوائد عديدة أهمها: تفادي مشكلة الازدحام الكبير على الصرافات، والتغلب على مشكلة عدم توفر السيولة الكافية فيها.

وأضافت أن التطبيق مبرمج بشكل آلي لتحويل الرواتب في موعد محدد، وبذلك لن يكون هناك تأخر في عمليات دفع الرواتب أو تأجيلها في أيام العطل الرسمية.

ويقدم التطبيق للعملاء خدمة دفع بعض الرسوم، والدفع في المحال التجارية، وإجراء حوالات داخل الأراضي السورية مجانًا.

ورغم هذه المميزات التي يقدمها "شام كاش"، إلا أن هنالك بعض الملاحظات والإشكالات المحتمل حدوثها، ومنها أن اعتماد هذا التطبيق سيعني تحويل كتلة الرواتب كاملة إلى بنك شام فقط.

كما أن اعتماد هذا التطبيق يثير التساؤلات عن جدواه، خاصة أن معظم البنوك تمتلك تطبيقات مشابهة، ومدى قدرته على ضبط عمليات التحويل وشركات الصرافة وضمان مجانية الخدمة.

ويثير اعتماد التطبيق تساؤلًا عن قدرته على تقديم الخدمة لأعداد كبيرة من المشتركين. فإضافة رواتب الموظفين ستزيد إلى عدد المستخدمين الحاليين بأكثر من مليون مستخدم جديد.

وكانت وزارة المالية المزودة لمخصصات الرواتب قد أقرت زيادة بنسبة 400 بالمئة لشهر فبراير/ شباط الجاري لم يتم تزويد المصارف بها حتى اللحظة.

وتعاني سوريا بعد سنوات من الحرب الطويلة التي عطلت عجلة الاقتصاد، وأدت إلى انهيار قيمة الليرة السورية، إذ يبلغ متوسط راتب الموظف 25 دولارًا، وقد بات الحصول عليه يكلفه ثمن الوصول إلى الصراف الآلي، لتبدأ بعد ذلك معاناة الإجراءات التي لا تنتهي.