جريمة شديدة الالتباس في 'ظلمة الكريستال'

الروائية فلورنسيا إتشيفس ترى ان 'رواية الجريمة اصبحت تحظى بشعبية كبيرة مع التكنولوجيا نظريتي هي أن الأمر يتعلق بالموت ، الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الإنسان تحريفه. نصل إلى القمر، ونجري عمليات زرع قلب، وتنقر وترى صديقا يعيش في اليابان، لكننا ما زلنا لا نستطيع عكس الموت'.

تشكل رواية "ظلمة الكريستال" الرواية الأولى للكاتبة الأرجنتينية فلورنسيا إتشيفس مؤامرة مكثفة ومزعجة تصبح أكثر تعقيدًا مع تقدم أحداثها بفعل الكذب. حيث تضع القارئ محاصرًا في شبكة الإنترنت المنتشرة بسبب جريمة قتل يبدو تفسيرها مؤامرة معقدا.. إنها رواية بوليسية شديدة الالتباس، جلوريانا ماركيث ومينربا دي بايي صديقتان يعيشان معًا، بينهما علاقة متضاربة، تُقتل جلوريانا ويتم اتهام "مينربا" بالجريمة، وهذه الأخيرة ابنة أسرة ثرية فجدتها واحدة من أغنى النساء في الأرجنتين، وهي مستعدة للتضحية بحياتها وليس ثروتها فقط لإنقاذ حفيدتها..

تدور أحداث الرواية بين بوينس آيرس والأكوادور حيث يتولى المحققان فرانثيسكو خوانيث ومانويلا بيلاري من شعبة البحث الجنائي، والتي يرأسها خوانيث، التحقيق في القضية، ولكن لا يتم إثبات أي شيء ويتم إطلاق سراح المتهمة والمشتبه بها رقم واحد في القضية، حيث تفشل العدالة في إثبات أي من الشبهات التي أحاطت بـ "مينربا"، والتي أكدت أنها لم ترى سوى أن صديقتها ملقاة على وجهها وملطخة بالدماء.

في إحدى المقابلات حول الرواية التي ترجمها السيد محمد واصل، وصدرت عن دار صفصافة، أوضحت إتشيفس أنه "عند كتابة هذه الرواية الأولى (2012) لي، بدا لي أن سؤال من يكذب ومن يقول الحقيقة هو أحد منطلقات الرواية البوليسية، وكنتقد كرست نفسي للعمل الصحافي، عملت مقدمة أخبار متخصصة في قضايا الشرطة لصالح مجموعة جروبو كلارين أحد أهم وسائل الإعلام في الأرجنتين".

وقالت "لمدة 25 عامًا، كان عالم تقارير الشرطة بأكمله –أماكن الأحداث والمشارح والمقابر والمحاكم ومراكز الشرطة، وما إلى ذلك - هو أماكن عملي. وعندما قررت أن أبدأ في كتابة الرواية عبر تخيل أحداثها ومعالجتها فنيا، كان من المحتم أن تتحول كل خبرتي هذا إلى صندوق أدوات، ومن ثم لم أحتاج إلى من يخبرني عن رائحة المشرحة أو كيف يتم العمل في مسرح الجريمة".

وتقول إتشيفس "النوع البوليسي دائمًا ما يجتذبني. على الرغم من أنه لفترة طويلة أخفته الصحف في الجزء الخلفي من صفحاتها.. وتضيف "إنه نوع ثانوي كان الجميع يقرأونه، ويلتهمونه ولكن في صمت. لم يكن أحد يريد أن يتولى المسؤولية". "من هذا المرض الذي نعيشه جميعًا، إلى حد أكبر أو أقل، في داخلنا. ومع مرور الوقت، وبمساعدة الأفلام والمسلسلات الأميركية والروايات البوليسية لمؤلفين عظماء مثل كابوتي، اكتسب محققو الشرطة التألق الذي طال انتظاره. اليوم وبدون خجل واجهات الصحف وافتتاح النشرات الاخبارية تحتفي بعناوين الجرائم، الجمهور المفتون يتجسس على قفل منزل القاتل والمقتول، وروايتي خيالية بحتة، تبدأ بآلية قتل شبيهة بقضية حقيقية، أحب التعمق في الشخصيات النسائية التي تقتل أو تموت وأتخيل ماضيها ومستقبلها. وقص ماذا يحدث بعد القتل؟ ماذا حدث قبل تنفيذه؟. أحاول في روايتي الإجابة على هذه الأسئلة، وأسئلة الشرطة عندما تنطفئ الكاميرات. الشخصيات تعبر عني كثيرًا؛ هناك جدتي وأمي وأصدقائي استطعنا أن نروي لأول مرة شيئًا حدث لي وظل عميقًا في الروح: اليوم الذي كدت أن أموت فيه. وباستخدام "مينربا"، تمكنت من فهم أن الكتابة شفاء كونها تضيء الكثير مما يلتبس علينا".

وتؤكد إن "رواية الجريمة تحظى بشعبية كبيرة. ومع التكنولوجيا أصبحت أكثر شعبية. انظر الناس تذهب إلى Netflix و90٪ من أفلامها بوليسية. نظريتي هي أن الأمر يتعلق بالموت. في جميع أنحاء البشرية، الموت هو الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الإنسان تحريفه. نصل إلى القمر، ونجري عمليات زرع قلب، وتنقر وترى صديقا يعيش في اليابان، لكننا ما زلنا لا نستطيع عكس الموت أو حتى شرح ما سيحدث بعد ذلك. إنه أمر صادم لدرجة أنك لا تستطيع تفسير شيء سيحدث لنا جميعا حتما، وهذا يولد الخوف والألم. كل ما يتعلق بهذا اللغز، وهو الأعظم على الإطلاق، يجذبنا".

اعتمدت إتشيفس أسلوب التلميح إلى حالات حقيقية لتحويلها إلى قصص خيالية بحيث اتخذت بعد ذلك مسارًا مستقلاً من حيث نتائجها، كونها تعرف جيدا مصطلحات الشرطة بكل رذائلها وفضائلها، وذلك بفضل سنواته العديدة كمتخصصة في تحقيقات الشرطة في قضايا القتل في تينيسي. الأمر الذي جعل من أحداث الرواية ديناميكية، قصيرة، بسيطة، رشيقة، فالشخصيات في الرواية تشكل عالمًا صغيرًا يتعايش فيه القتلة والضحايا والصحفيون والغربان والشرطة (الصالحون والأشرار) وأفراد الأسرة والأصهار. الأمر الذي خلق نغمة حكائية يومية جريئة وحكيمة في ذات الوقت، تتفاعل بشكل رئيسي مع شخصيتي المحققان ـ الزواجان ـ فرانثيسكو خوانيث ومانويلا بيلاري، واللذين سيستمران بمرافقتنا طوال الرواية.

يذكر أن فلورنسيا إتشيفس كاتبة وإعلامية أرجنتينية، اشتهرت بالكتابة عن الجريمة وأهم قضاياها في بلادها، وتظهر كتاباتها البوليسية نزعة نسوية واضحة، فازت أكثر من مرة بجائزة "مارتين فييرو" المرموقة في الأرجنتين؛ ولها أكثر من عمل بروليسي، وأحدث أعمالها هي رواية "طباخة فريدا".

مقتطف من الرواية

ابتسم الرجل. وبهذه الابتسامة بدا أصغر بعشر سنوات، بدا وكأنه طفل كبير. لم تكن بحاجة للخطوات الثلاث، فبخطوتين فقط وصلت إلى قطعة الزجاج. رفعت يدها للصبي حتى يرى أنها مستعدة ألي شيء. توقف هو عن الابتسام، وأنزل يديه عن الزجاج ووضعهما في جيوب بنطاله. وقف ساكنا خافضا رأسه جاثيا على ركبتيه.

لم يدم هدوء "مينربا" طويلا. لم تكن خائفة مما قد يفعله. باختصار، لقد ثبت أنها هي الوحيدة الخطيرة هنا. خافت مما يمكن أن يكون الفتى قد رآه، فتمتمت وهي تكز على أسنانها "شاهد على الجريمة، فلتذهب إلى الجحيم".

وببطء شديد، اقتربت من باب الشرفة، ولم يتحرك الصبي، جرت ”مينربا“ إلى السرير الذي كان يسد الطريق إلى الشرفة. بذلت جهدا كبيرا، ليس فقط لأن جثة "جلوريانا" كانت فوق السرير ولكن أيضا لأنها كانت تمسك بقطعة الزجاج في يدها ولم تفكر أن تتخلى عنها.

عندما فتح الباب رفع الصبي رأسه، وعاود الابتسام. فسألته ”مينربا“ بنبرة صارمة:

ـ من أنت؟

ـ ماورو".

ـ وماذا تفعل هنا؟

ـ أنظر إلى الفتيات الجميلات، أجباها بصوت خجول.

لم يبق شيء لتدرك ”مينربا“ أن "ماورو" هذا مجنون تماما. بهذه النظرة وهذه الابتسامة التي في غير محلها وتلك الإجابة التي تخلو من التماسك. فقالت له:

ـ حسنا، انصرف الآن لأن صديقتي نائمة. هل فهمت؟

هز "ماورو" رأسه بالنفي.

ـ هي ليست نائمة، فعليها دم - أبدى مالحظته وهو ينظر لها بجدية ـ أنت وضعت لها هذا الدم؟

ـ عليك اللعنة، تمتمت "مينربا"، كان عليها أن تفعل شيئا، فلن تصل بها الحال إلى أسوأ مما هي فيه.

ـ "ماورو" ـ قالتها بأعذب ما أوتيت من صوت، آخذة الموقف الذي هي فيه في الحسبان- أنت، ماذا تريد؟ ولماذا أتيت؟

ـ ملابس داخلية للفتيات الجميلات. أجابها دون تردد.

وقبل أن تبدي ”مينربا“ أي رد فعل من جانبها فتح الصبي الحقيبة وبدأ في إخراج الملابس الداخلية، في الحقيبة كانت هناك ملابس ”جلوريانا“ الداخلية، حتى حمالة صدر "منيربا" التي عرفتها.

ـأنت لديك أغراضنا، لقد سرقتها.

ـ لا ـ قالها الصبي ثم وضع أصبعه السبابة بين شفتيه ـاصمت، لا تحكي ذلك لأحد.

"وجدتها" ـ وفكرت لحظة ـ "لقد نلت منك أيها المجنون القذر".

ـ أنا لن أحكي شيئا إذا لم تحك أنت أيضا، اتفقنا؟

ـ - ليس هناك اتفاق.

قفز "ماورو" على قدميه فجأة فتراجعت "مينربا" خطوة للوراء، منزعجة. ودون تردد أشهرت قطعة الزجاج في وجهه، وصرخت:

ـقف عندك أيها األحمق، اقترب وسأقطع عنقك...

ـعنق الشقراء - قال وهو ينظر إلى جثة "جلوريانا" - أريد الدخول، أريد أن أرى أكثر.

ـ لم يكن لدى ”مينربا“ وقت لأي شيء. فلم يكن "ماورو" أطول منها فقط بل كان مجنونا. وكان مسلحا بأقوى الأسلحة وهو عدم الخوف.

تركته يدخل، ولا تزال قطعة الزجاج في راحة يدها ممسكة عليها بإحكام، اقترب الصبي من جثة "ماركيث" ولمسها. تغمض معدتها فمنعت نفسها من القيء. كان عليها أن تغمض عينيها حيث إنها لم تستطع أن ترى يد الصبي تداعب رجيل جثة صديقتها العارية.

ـ "ماورو"، كفى -طلبت منه وأخذت نفسا عميقا ـ اتركها تنام.

ـ أطاعها الصبي، وبدأ ينظر إلى ”مينربا“ من أعلى لأسفل، وتخليعن التصرف كطفل بريء وتحول إلى رجل ثقيل الظل. حتى صوته الطفولي اختفى، جعلتها نبرة صوته الخشنة الماكرة تشعر بالاشمئزاز.

ـأنت، لا تنامي - قالها الفتى وهو يقترب ببطء- أريد منك بعض الملابس الداخلية.

ـخذ من الدرج. همست "مينربا".

ـ لا، أريد ذلك الذي ترتدين.

شعرت ”مينربا“ بسائل مر يصعد إلى حلقها، وكانت علي وشك القيء. رفضت فكرة القيء، فلا يمكن أن تضعف الآن أمامه.

ـ حسنا جدا يا "ماورو" ـ قالتها "مينريا" بأكثر نغمة مثيرة في إمكانها - ستحصل على ما تريد لكن في المقابل أريدك أن تصمت، فهنا لم يحدث شيء.

ابتسم الفتى ووضع مرة أخرى إصبعه على فمه.

ـالصمت.. همس.

كانت "مينربا" قد اتخذت قرارا، لو كان هذا هو الثمن الذي عليها دفعه مقابل حياة "جلوريانا"، فالأمر يستحق. فعلى كل حال كانت جدتها تقول دوما إن "ماركيث" لا تساوي الكثير.

اقتربت الفتاة من جثة صديقتها، ولم تكن بحاجة إلى قول أي كلمة، فالإيماءات وحدها جعلت "ماورو" يفهم كل شيء.سحبت "مينربا" "جلوريانا" من كاحليها، وتكفل "ماورو"بالنصيب الأصعب، حيث وضع يديه تحت إبط الفتاة وسحبها، حمل كلاهما الجثة من السرير إلي الأرض، وبينما هم كذلك تلطخ صدر "ماورو" العاري وبنطاله الجينز بالدماء، ولذلك ابتسمت "مينربا" من أعماقها وقالت لنفسها: "أيها الأحمق، أنت ملطخ بالدماء مثلي تماما".

عرفت "مينربا" أن الجزء الأسوأ كان هو القادم، لكن مثل كثيرمن المرات، في معركة الوحل كانت هي التي تصاب بأكبر قدر من الاتساخ. خلع "ماورو" بنطاله واستلقى علي سرير ”جلوريانا“، وأراح رأسه على الوسادة، واستمر، دون أن يدري، بطمس أدلة مسرح الجريمة.

ابتمست "مينربا" بتكلف وهي تخلع فستانها الأزرق، وأخذت عينا الفتى تلمعان، فلم يكن مهتما بجسد "مينربا" العاري قدر اهتمامه بكيلوتها المصنوع من الدانتيل الأحمر. جلست الفتاة على جسد "ماورو" العاري، أغمضت عينيها وبدأت تفكر في شيء آخر، كان من الضروري الهروب من هذا السرير، وبينما بدأت يداها تداعبه، حلقت برأسها بعيدا.

استغرق الصبي ثواني لينتصب، ولم يتوقف عن تحسس جسد "مينربا" العاري، لقد مضت عليه ساعات طويلة وهو يذوب شوقا إلى المرأتين ولا يجرؤ سوى أن يتجسس عليهما. وأحست "مينربا"، وهي تحلق بعيدا، بيديه الرطبتين تتحسسان جسدها بيأس، فلم تهتم، كانت الخطة تسير على ما يرام ولا يمكن لها أن تفشل، كان الأمر يعتمد عىل ثباتها.