جولة خامسة لمفاوضات نووية دون بوادر اتفاق
روما - تعقد الجولة المقبلة من المباحثات بين الولايات المتحدة وايران حول البرنامج النووي لطهران الجمعة في روما، على ما أعلنه اليوم الأربعاء بدر البوسعيدي وزير خارجية سلطنة عمان التي تتولى وساطة بين طهران وواشنطن، بينما لا تلوح في الأفق بوادر إبرام اتفاق نووي جديد.
وقالت ثلاثة مصادر إيرانية إن القيادة تفتقر إلى خطة بديلة واضحة لتطبيقها في حال انهيار الجهود الرامية إلى حل الخلاف النووي المستمر منذ عقود، وذلك في ظل تعثر المحادثات بين إيران والولايات المتحدة جراء التوتر المتصاعد بين الطرفين بشأن تخصيب اليورانيوم.
وأضافت المصادر الثلاثاء أن إيران ربما تلجأ إلى الصين وروسيا كخطة بديلة إذا استمر هذا التعثر. لكن في ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وانشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، تبدو خطة طهران البديلة هشة.
وقال مسؤول إيراني كبير إن "الخطة البديلة هي مواصلة الاستراتيجية قبل بدء المحادثات. ستتجنب إيران تصعيد التوتر، وهي مستعدة للدفاع عن نفسها... تتضمن الخطة أيضا تعزيز العلاقات مع حلفاء مثل روسيا والصين".
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي قوله في وقت سابق الثلاثاء إن مطالب الولايات المتحدة بامتناع طهران عن تخصيب اليورانيوم "زائدة عن الحد ومهينة"، معبرا عن شكوكه في ما إذا كانت المحادثات النووية ستفضي إلى اتفاق.
وتواصل طهران وواشنطن عملية التفاوض بشأن الملف النووي، حيث تسعى إيران إلى رفع العقوبات المفروضة عليها مقابل الحد من بعض أنشطتها النووية، بما لا يمس حقها في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
وسبق للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أن أدلى بتصريحات لقناة "إيه بي سي نيوز"، قال فيها إن "تخصيب اليورانيوم خط أحمر واضح جدا لإدارة ترامب. لا يمكننا السماح بذلك، لأن التخصيب يُمكّن من التسليح".
وبعد أربع جولات من المحادثات التي تهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، لا تزال هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق المحادثات.
وقال اثنان من المسؤولين الإيرانيين ودبلوماسي أوروبي إن طهران ترفض شحن كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج أو الدخول في مناقشات حول برنامجها للصواريخ الباليستية.
وزاد انعدام الثقة من كلا الجانبين وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية من أهمية حصول إيران على ضمانات بأن واشنطن لن تتراجع في المستقبل عن أي اتفاق جديد.
ومما يضاعف من التحديات التي تواجهها إيران، معاناة المؤسسة الدينية في إيران من أزمات متصاعدة، ومنها نقص الطاقة والمياه وتراجع العملة والخسائر العسكرية بين حلفائها في المنطقة والمخاوف المتزايدة من هجوم إسرائيلي على مواقعها النووية، وكلها تفاقمت بسبب سياسات ترامب المتشددة.
وقالت المصادر إنه مع إحياء ترامب السريع لسياسة "أقصى الضغوط" على طهران منذ فبراير/شباط، بما في ذلك تشديد العقوبات والتهديدات العسكرية، فإن القيادة الإيرانية "ليس لديها خيار أفضل" من اتفاق جديد لتجنب الفوضى الاقتصادية في الداخل التي قد تهدد حكمها.
القيادة الإيرانية ليس لديها خيار أفضل من اتفاق جديد لتجنب الفوضى الاقتصادية في الداخل التي قد تهدد حكمها
وقد كشفت الاحتجاجات التي اندلعت بالبلاد بسبب مظاهر قمع اجتماعي ومصاعب اقتصادية في السنوات الأخيرة، والتي قوبلت بحملات قمع قاسية، عن ضعف الجمهورية الإسلامية أمام الغضب الشعبي وأدت إلى فرض مجموعات من العقوبات الغربية في مجال حقوق الإنسان.
وقال المسؤول الثاني الذي طلب أيضا عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية "من دون رفع العقوبات لتمكين مبيعات النفط الحرة والوصول إلى الأموال، لا يمكن للاقتصاد الإيراني أن يتعافى".
وقالت ويندي شيرمان، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية السابقة للشؤون السياسية التي قادت فريق بلادها التفاوضي في اتفاق عام 2015 بين طهران وست قوى عالمية، إنه من المستحيل إقناع طهران "بتفكيك برنامجها النووي والتخلي عن تخصيب اليورانيوم رغم أن ذلك سيكون مثاليا".
وأوضحت قائلة "هذا يعني أنهم سيصلون إلى طريق مسدود، وأننا سنواجه احتمال نشوب حرب، وهو ما لا أعتقد، بصراحة تامة، أن الرئيس ترامب يتطلع إليه لأنه أعلن في حملته الانتخابية أنه رئيس سلام".
وحتى في حال انحسار الخلافات بشأن التخصيب، فإن رفع العقوبات لا يزال محفوفا بالمخاطر. فالولايات المتحدة تفضل الإلغاء التدريجي للعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي في حين تطالب طهران بإزالة جميع القيود على الفور.
وفُرضت عقوبات على عشرات المؤسسات الإيرانية الحيوية للاقتصاد منذ عام 2018، بما فيها البنك المركزي وشركة النفط الوطنية، بسبب "دعم الإرهاب أو نشر أسلحة".
وعند سؤالها عن خيارات إيران في حال فشل المحادثات، قالت شيرمان إن طهران ستواصل على الأرجح "الالتفاف على العقوبات وبيع النفط، إلى حد كبير إلى الصين، وربما الهند وغيرها".
وساعدت بكين، المشتري الرئيسي للنفط الإيراني رغم العقوبات، في تفادي طهران للانهيار الاقتصادي لكن ضغوط ترامب المكثفة على الكيانات التجارية والناقلات الصينية تهدد هذه الصادرات.
ويحذر محللون من أن دعم الصين وروسيا له حدود باعتبار أن بكين تصر على تخفيضات كبيرة للنفط الإيراني، وربما تضغط من أجل تخفيض الأسعار مع ضعف الطلب العالمي على الخام.
وفي حال انهيار المحادثات، وهو سيناريو تأمل كل من طهران وواشنطن تجنبه، فلن تستطيع بكين أو موسكو حماية إيران من عقوبات أميركية وأوروبية أحادية الجانب.
وحذرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، على الرغم من عدم مشاركتها في المحادثات النووية، من أنها ستعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على وجه السرعة.
وبموجب قرار الأمم المتحدة الخاص بالاتفاق النووي لعام 2015، فإن الدول الأوروبية الثلاث لديها مهلة حتى 18 أكتوبر تشرين الأول لتفعيل ما يسمى "آلية إعادة فرض العقوبات".
ووفقا لدبلوماسيين ووثيقة اطلعت عليها رويترز، فإن الدول الثلاث قد تفعل ذلك بحلول أغسطس/آب إن لم يتم التوصل إلى اتفاق جوهري بحلول ذلك الوقت.
ويحذر دبلوماسيون من أن التوصل إلى اتفاق قبل ذلك التاريخ يعني، في أفضل الأحوال، إطارا سياسيا أوليا، كما في عام 2013، حيث يقدم الجانبان تنازلات ملموسة فورية، مما يتيح وقتا لمفاوضات أكثر تفصيلا.
وقال مسؤول أوروبي كبير "ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الأمر سيستغرق وقتا أقل من الـ18 شهرا التي استغرقتها المفاوضات في عام 2013، وخصوصا لأن المعايير والوضع الجيوسياسي صارا أشد تعقيدا في الوقت الحالي".