جونسون يعني ترامب 2 بالنسبة للصحافة


مع كل الذي يجري من دراما التذمر والازدراء، الصحافة لا ترفض القصص التي ترى جونسون ليس سلبيا تماما. بل إنها موضع ترحيب بالنسبة إليها لمزيد من الجدل المشوق.
بوريس جونسون هو الجزء الثاني من فيلم دونالد ترامب

لدينا قصة صحافية ستبقى متفاعلة على مدار سنوات اسمها بوريس جونسون سواء بصورته الشعبوية الطائشة أو بوصفه رئيس وزراء بريطانيا الأمر الذي يتطلب منه المزيد من الكياسة التي لم يعتدها.

وجونسون هو الجزء الثاني من دونالد ترامب، لأن مثل هذا الفيلم السياسي المشوق يستحق أكثر من المساحة المعهودة في وسائل الإعلام للأجزاء المتواصل عرضها من النسخ الشعبوية التي صار يزخر بها المشهد السياسي السينمائي.

جونسون الأوفر حظا حتى الآن في رئاسة حزب المحافظين البريطاني والصعود إلى رئاسة الوزراء لخلافة تيريزا ماي، هذا الاحتمال يزعج جيران بريطانيا. وهو سبب كاف يجعل من الصحافة التي تعيش كسادا إخباريا سعيدة لتطوير المزيد من القصص عن تاريخ وسلوك الرجل الذي تخرّج من أروقتها، فجونسون صحافي يعرف اللعبة بامتياز، لذلك هو سياسي غير متردد مع نظرائه، في حين يعجب المسؤولون بذكائه وبراعته، إلا أنهم يعدونه شخصا عديم المبادئ وشعبويا خطيرا، بيد أنه يمنح الصحافة القدر الذي يبقيها متشوقة إليه. لأنه يفهم السياسة بأنها التعريف الأمثل للإعلام.

بالأمس قال لصحيفة صنداي تايمز عندما كنت عمدة لندن، كنت “أحكم أكبر مدينة في العالم”. في إشارة إلى ثقته المطلقة في رئاسة الحكومة البريطانية. وهو تعبير عن حلم قديم كشفته شقيقته رايتشل بقولها إنه كان يطمح ليصبح “ملك العالم”.

ثمة قصة ترافق جونسون الصحافي حدثت عام 2003 عند احتلال العراق من قبل القوات الأميركية، كان حينها موفدا من مجلة سبيكتيتور، لكتابة مشاهداته عن بلد اجتاحته القوات المحتلة، وبينما الصحافيون يرافقون الجنود الأميركيين في مشهد متكرر، اختار جونسون التوجه إلى منزل نائب رئيس الوزراء آنذاك طارق عزيز بعد أن اجتاحه جموع الرعاع لنهبه (من استولى عليه ويسكنه اليوم، سياسي من فصيلة الرعاع) وبينما المنزل مستباح اختار جونسون أن يستولي على صندوق السيجار الجلدي الذي كان يحتفظ به السياسي العراقي الراحل، بوصفه أثرا معبرا عن شخصيته.

بقيت تلك القصة من مقتنيات جونسون الصحافي، لكنه عندما فاز في انتخابات رئاسة بلدية لندن فتحت أمامه الأوراق التي لم تجف بعد، واتهمته الشرطة البريطانية بالاستحواذ على قطعة بطريقة غير مشروعة وبحثت ما إذا كان صندوق السيجار “ذا أهمية أثرية أو تاريخية أو ثقافية أو علمية نادرة أو دينية” وما إذا كان نقل من العراق بطريقة غير مشروعة.

اعتبر جونسون القصة حينها بالتافهة وهي مضيعة لوقت الشرطة، وزعم بأنه يمتلك خطابا من محامي طارق عزيز يبلغه فيه أنه يرغب في أن “اعتبر صندوق السيجار هدية منه”. مع أن المحامي تمنى عليه لو أخذ النسخ الفخمة من مذكرات الرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي أو على الأقل سيرة جورج واشنطن، فهذه الكتب أكثر أهمية من صندوق السيجار، ولأن الرعاع لم يقدروا أهميتها لم يسرقوها أثناء نهب المنزل.

بقي جونسون المنحدر من أصول تركية ذلك الطائش وغير المسؤول بالنسبة للجمهور منذ أن عرف بين قيادات حزب المحافظين، وكان لا يغيب عن أعين الصحافة عند رئاسته لبلدية لندن، بل إن قصة سرقة دراجته الهوائية تحولت إلى موضوع للتهكم عليه بشأن الأمان في مدينة يترأسها، فاللصوص فضلوا دراجته للسخرية منه وليس لكونها ثمينة.

وجونسون وزير الخارجية في حكومة تيريزا ماي غير مهادن، لا بالنسبة لرئيسة الحكومة ولا لوسائل الإعلام التي كانت تنظر إليه الممثل غير الكيس لوجه بريطانيا في العالم، إلى درجة أن سوزان مور الكاتبة في صحيفة الغارديان أطلقت عليه “كيس الأكاذيب” و”بوريسكوني” في إشارة إلى رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، لأن فهمهما معا يعرّف السياسة هي الإعلام والرسالة هي الوسيط بينهما.

واتهم أندرو كوبر عضو مجلس اللوردات المنتمي لحزب المحافظين ومستشار الحكومة السابق لشؤون الانتخابات، جونسون “بالخواء الأخلاقي والشعبوية”.

وقال في تغريدة له على تويتر “حقارة بوريس جونسون تتجاوز حتى عنصريته التلقائية ومغازلته العابرة بالقدر نفسه للفاشية. إنه سيؤيد حرفيا أي شيء يجذب مؤيدين له في أي لحظة”.

اليوم قصة جونسون في وسائل الإعلام برمتها أكبر من الوصف الشنيع الذي أطلقه كوبر، فبريكست مرض لا علاج له بالنسبة للبريطانيين وللأوروبيين على حد سواء، بينما خطى جونسون تقترب من 10 داوننغ ستريت، متعهدا بتطبيق بريكست باتفاق أو من دون اتفاق، وتلك لعمري قصة صحافية لا تفقد تأثيرها لأوقات قادمة مشوقة.

فسيصبح جونسون مع مجموعة الطائشين من السياسيين البريطانيين الرجل غير المسؤول الأول كما كان قد وصفه فرانك فالتر شتاينماير، وزير خارجية ألمانيا السابق والرئيس الحالي، متسائلا بعد التصويت على بريكست من الذي يرى أنه يستحق اللوم؟

قال شتاينماير حينها “جذب السياسيون غير المسؤولين البلاد إلى بريكست وبعد ذلك (…) خرجوا ولعبوا الكريكت، بصراحة، أجد ذلك تصرفا مثيرا للغضب”. كان ذلك إشارة واضحة إلى جونسون، الرجل الذي كان يمثل حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

مع كل الذي يجري من دراما التذمر والازدراء، الصحافة لا ترفض القصص التي ترى جونسون ليس سلبيا تماما. بل إنها موضع ترحيب بالنسبة إليها لمزيد من الجدل المشوق، فبعض الدبلوماسيين الأوروبيين يرون أن الأسلوب المرح لوزير الخارجية البريطاني السابق كان ممتعا ويخفف من ملل الاجتماعات الطويلة المتعددة الأطراف. لكنه لم يصل إلى نفس القدر من عدم الجدية والمخاتلة الساخرة التي كان يتميز بها معمر القذافي مثلا! لقد وصفه مستشار لأحد كبار المسؤولين في بروكسل بأنه “مراهق بالغ”. وقال المستشار لقد كان من السهل “رؤية الفظاعة والقسوة” لكن “من الصعب رؤية الجمال”.

ومن حسن حظ الصحافة في العالم برمته أنها سترى أن الفظاعة والجمال قصة بمواصفات واحدة في رئيس الوزراء البريطاني القادم. لأن جونسون هو الجزء الثاني من فيلم دونالد ترامب.