جين هاريغان: الأمن الغذائي يحتاج منهجا متعدد الأوجه 

أستاذة الاقتصاد تدعو إلى إعادة تقييم الأمن الغذائي في المنطقة العربية في إطار التزامن بين أزمة الغذاء العالمية والربيع العربي.
القطاع الزراعي العربي لديه إمكانيات أوسع لتعزيز الأمن الغذائي على المستويين الكلي والجزئي
تحسين صحة المرأة وتغذيتها يمكن أن يكون لهما آثار إيجابية

تذهب أستاذة الاقتصاد في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن جين هاريغان في كتابها "الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في الدول العربية" أن الزيادة في أسعار الغذاء كانت حافزا مهما في أحداث ما أطلق عليه إعلاميا "الربيع العربي" ليشير إلى الموجة الثورية من المظاهرات والاحتجاجات العنيفة وغير العنيفة، وأعمال الشغب والحروب الأهلية في العالم العربي التي بدأت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2010، وحتى أُقصى الحكام عن السلطة في تونس ومصر (مرتين) وليبيا واليمن، في حين اندلعت الانتفاضات المدنية في سوريا، كما اندلعت احتجاجات كبرى في الجزائر والعراق والأردن والمغرب والسودان، وحدثت احتجاجات طفيفة في موريتانيا وجيبوتي والصحراء الغربية، ووصفت الاشتباكات الطائفية في لبنان بأنها امتداد لأحداث العنف من الانتفاضة السورية ومن ثم كان الربيع العربي الإقليمي.
وتسعى هاريغان في كتابها الصادر عن سلسلة عالم المعرفة بترجمة أشرف سليمان، إلى إعادة تقييم الأمن الغذائي في المنطقة العربية في إطار التزامن بين أزمة الغذاء العالمية والربيع العربي، وترى أن الأمن الغذائي لا يمكن تقييمه من منظور اقتصادي محض كما هي الحال بالنسبة إلى اتجاه المنظمات الدولية مثل البنك الدولي، بيد أن منظور الاقتصاد يعد أمرا ضروريا، ويوضح الدور الذي مارسته أسعار الغذاء في الربيع العربي أن قضايا الأمن الغذائي ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسات المحلية.

الحاجة إلى إحداث نمو اقتصادي شامل في مصلحة الفقراء بوصف ذلك دربا مؤديا إلى التصدي للفقر وقصور الأمن الغذائي في المنطقة العربية

وتشير إلى أن المنطقة العربية عملت على إعادة تقييم استراتيجيات الأمن الغذائي مرة أخرى في أعقاب أزمتي الغذاء العالميتين في 2007 ـ 2008 ـ 2011 وأحداث الربيع العربي، وأصبحت الحكومات العربية أكثر عزوفا عن الاعتماد على الواردات الغذائية، كما أن مفهوم السيادة الغذائية أصبح العملة الرابحة. وهذا ينطوي على استراتيجية الأمن الغذائي التي تتحرك بعيدا عن الإملاءات الاقتصادية لقوى السوق، وتشمل الاعتبارات السياسية على الصعيدين الوطني والجيوسياسي، مما يمنح الدول القومية مزيدا من السيطرة على إمداداتها الغذائية، ويتمثل العنصران الرئيسيان لهذا المنهج الجديد في تجديد التركيز على الإنتاج الغذائي المحلي، والاستحواذ على الأراضي في البلدان الأخرى المضيفة لتلبية الاحتياجات الغذائية مباشرة.
وبالنظر إلى المستقبل يبدو من المحتم أن يتطلب أي من الأمن الغذائي أو السيادة الغذائية، بالنسبة إلى معظم بلدان المنطقة منهجا متعدد الأوجه وشاملا يجمع بين الواردات والإنتاج المحلي والاستحواذ على الأراضي في الخارج على المستوى الكلي مع وجود برامج كافية لشبكات الأمان الاجتماعي ونمو مناصر للفقراء على المستوى الجزئي.
وتحمل هاريغان أزمة الغذاء العالمية في العامين 2007 ـ 2008 و2010 ـ 2011 التأثير العميق الذي جرى في المنطقة العربية، وتقول "كانت العوامل المسببة للأزمة خارجة إلى حد كبير عن سيطرة الدول العربية، أي أنها كانت صدمات خارجية، ومع ذلك كان لها تأثير عميق على معظم الدول العربية، فقد أدت الأزمة إلى تضخم أسعار الغذاء المحلي وزيادة العجز التجاري الزراعي والضغوط المالية، بينما حاولت الحكومات تخفيف الأثر في مواطنيها. ومن حيث الرعاية الاقتصادية والاجتماعية أدت الأزمة العالمية للغذاء إلى زيادة الفقر وقصور الأمن الغذائي في المنطقة، وسياسيا كانت عاملا مهما في انتفاضات الربيع العربي.   
وتوضح أن استثمارات الدول العربية لاقتناء الأراضي في الخارج بوصفها مصدرا مباشرا لمحاصيل الغذاء تعد جزءا من الاقتصاد السياسي الجديد للسيادة الغذائية في العالم العربي، وهو الذي أظهر العديد من التناقضات عند ممارسته. على الرغم من أن الدول العربية لديها القدرة على تحقيق سيناريو المكاسب المتبادلة ويستفيد منه كل من مواطني الدول العربية، وأولئك في البلد المضيف، فإن هناك مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن هذا السيناريو الإيجابي نادرا ما يتجسد في الممارسة العملية حتى الآن. وفي ضوء ذلك تنصح الدول العربية بأن تعيد تقييم فاعلية استراتيجية اقتناء الأراضي في الخارج، وأن توجد طرقا أكثر عدلا لتأمين جزء من احتياجاتها الغذائية من البلدان المضيفة التي تتوافر فيها الأراضي والعمالة والمياه.  
وتشير هاريغان أيضا إلى أن الاستثمارات العامة والخاصة في القطاع الزراعي في البلدان العربية تحتاج إلى تحديد تكنولوجيات وأشكال لتنوع الدخل تعمل على تمكين الفقراء، ومراعاة المرأة، واستدامة الإنتاجية الزراعية. ويجب أن تحث هذه الحلول على مشاركة صغار المزارعين والمزارعات والعمال الريفيين وغيرهم من الفئات الضعيفة. ومن ثم يجب الترسيخ لإدارة شاملة وللمؤسسات لتمكين الوصول الفعال والعادل للخدمات الريفية ولحقوق الملكية، وللعمل الجماعي وللأصول، وهناك حاجة إلى برامج من قبيل دعم منظمات المزارعين ومجموعات مستخدمي الموارد ومجموعات المنتجين.  

منظور الاقتصاد يعد أمرا ضروريا
قضايا الأمن الغذائي ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسات المحلية

 وتؤكد هاريغان أن الحد من الفقر وتأمين الدخل يعد من المتطلبات الرئيسة للأمن الغذائي. وأن النمو الاقتصادي السريع في العالم العربي لم يترجم خلال العقد الأول من القرن الحالي إلى تخفيض أعداد الفقراء لثلاثة أسباب: استمرت البطالة في الارتفاع (الذي كان في جزء منه نتيجة لقوة العمل السريعة النمو)، وكان خلق فرص العمل يحدث إلى حد كبير في القطاع غير الرسمي ذي الأجور المنخفضة، وليس في القطاع الرسمي ذي الأجور المرتفعة. وضمن القطاع الحكومي الرسمي انخفضت الأجور الحقيقية، وبالتالي لم يكن النمو مؤازرا للفقراء ولا شاملا. بالإضافة إلى ذلك تركز جزء كبير من النمو حول الخدمات النفطية والحكومية مع القليل من التحول الهيكلي لاقتصادات المنطقة نحو التصنيع والخدمات غير الحكومية الموجهة نحو التصدير. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل، كانت حصة الصناعات التحويلية من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة عند 13.4 في المائة باستثاء تونس وقد انخفضت أو ظلت ثابتة على مدى العقود الماضية.
وتلفت أن السياسة السكانية تمثل مجالا آخر للسياسات التي لها دور رئيس في الأمن الغذائي في المنطقة في المستقبل، حيث تعد المنطقة واحدة من أعلى معدلات النمو السكاني على مدى العقود القليلة الماضية مع انخفاض معدلات الوفيات، في حين انخفضت معدلات الخصوبة بوتيرة أبطأ بكثير، وقد أفضى ذلك إلى تحول ديمغرافي حدث بموجبه نمو سريع في عدد الشباب، وإذا أمكن العثور على فرص عمل لهؤلاء الشباب النشطين اقتصاديا، فإن هذا الوضع يعد ميزة ديمغرافية كبيرة تتجسد في انخفاض نسبة الإعالة، وزيادة السكان النشطين اقتصاديا، وزيادة المدخرات والاستثمار. فمن دون العمالة تصبح هذه الهبة الديمغرافية لعنة، حيث ترتبط بها مستويات عالية من بطالة الشباب والاضطرابات الاجتماعية ومزيد من الأفواه التي تحتاج إلى الطعام.
وتنبه هاريغان إلى ضرورة أن تشكل الجهود الرامية إلى الحد من هذا النمو السكاني عن طريق خفض معدل الخصوبة جزءا لا يتجزأ من استراتيجية الأمن الغذائي في المنطقة. وأيضا أن التعليم ولاسيما تعليم الإناث يجب أن ينظر إليه على أنه يتضافر بقوة مع الأمن الغذائي في المنطقة العربية، حيث إن هناك علاقة قوية بين عدم المساواة بين الجنسين والجوع، في حين أن تحسين صحة المرأة وتغذيتها يمكن أن يكون لهما آثار إيجابية.
وتقول إن الحاجة إلى إحداث نمو اقتصادي شامل في مصلحة الفقراء بوصف ذلك دربا مؤديا إلى التصدي للفقر وقصور الأمن الغذائي في المنطقة العربية التي تواجه عدة تحديات رئيسية تتجسد في: القيود على الموارد لاسيما النقص المتوقع في المياه بالمنطقة، واستمرار النمو السكاني المرتفع والتوسع الحضري السريع، واستمرار المنازعات السياسية وأبرزها النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وكذلك النزاعات الجارية في سوريا والعراق، والشكوك السياسية والاقتصادية الناجمة عن الربيع العربي والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية وأخيرا تغير المناخ.
وترى هاريغان أن السيادة الغذائية تتجلى واضحة بطريقتين أولا من خلال الرغبة في إنتاج مزيد من الأطعمة محليا خصوصا الحبوب، وبعبارة أخرى التحرك نحو تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، ثانيا ومن خلال المحاولات خصوصا من قبل دول الخليج الأكثر ثراء للحصول على الأراضي في الخارج، بوصف ذلك مصدرا مباشرا لتلبية احتياجاتهم الغذائية وتجاوز الأسواق العالمية.
وتخلص إلى أن القطاع الزراعي العربي لديه إمكانيات أوسع لتعزيز الأمن الغذائي على المستويين الكلي والجزئي. فعلى المستوى الكلي يمكن أن يقلل من الحاجة إلى الواردات الغذائية من خلال زيادة إنتاج الغذاء المحلي، في حين يمكن للصادرات الزراعية أن تولد النقد الأجنبي للمساعدة في شراء الواردات الزراعية، كما يمكن أن يساعد في تحسين الأمن الغذائي على المستوى الجزئي أو مستوى الأسرة المعيشية من خلال توفير الدخول إلى فقراء الريف بوصفهم ملاكا للأراضي الزراعية أو عمالا ريفيين على حد سواء. وتشير الدلائل إلى أن النمو الزراعي في المنطقة العربية لا يراعي مصالح الفقراء في تناقض حاد مع المناطق الأخرى، ومن ثم ينبغي إجراء بعض الدراسات للتأكيد من أسباب هذا التناقض ومعالجته.