حرب العراق على المخدرات تتخبط بين فوضى القوانين ونفوذ الميليشيات

تفاؤل السلطات بنتائج الضربات المتتالية على تجارة المخدرات لا يتماشى مع واقع تفشي المخدرات وحبوب الكبتاغون بحماية الميليشيات المسلحة وبعض منتسبي القوات الأمنية.

بغداد - أعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات في وزارة الداخلية العراقية، ضبط قرابة 20 طناً من المخدرات والمؤثرات العقلية، واعتقال أكثر من 25 ألف متاجر ومتعاطٍ منذ مطلع العام الحالي، في إطار حرب معلنة تشنها السلطات على ظاهرة خطيرة تفشت في البلاد.

ويتهم مختصون الجهات الحكومية بالتسبب بتفاقم ظاهرة التعاطي نتيجة التخبط في القوانين، وعدم محاسبة الميليشيات المتورطة بشكل علني بتجارة وتهريب المخدرات من إيران وسوريا.

وقالت المديرية في بيان الأربعاء إنها "نفذت عملية الردع الثانية الكبرى في تاريخ العراق وأطاحت بأبرز وأخطر شبكات المتاجرة والترويج بالمخدرات".

وتعتبر السلطات تجارة المخدرات مساوية للإرهاب، حيث تحولت البلاد في السنوات الأخيرة لمكان يسهل فيه الترويج للأنواع المختلفة منه رغم الضربات المتلاحقة للمتورطين به. فالعراق الذي يتشارك بحدوده مع سوريا والسعودية والكويت، يعد ممرا لتهريب المخدرات عموما، لكن في السنوات الأخيرة تحول إلى أرض خصبة للترويج والتعاطي، وفي بعض الأحيان تصنيع المواد المخدرة وازدادت فيه كثيرا نسبة التعاطي.

وأسفرت العملية الأخيرة عن إلقاء القبض على 16399 متورطاً بجريمة المخدرات من ضمنهم 9600 مجرم تم الحكم عليهم بالإعدام شنقاً حتى الموت والسجن المؤبد وغيرها من الأحكام.

وأشارت المديرية إلى ضبط ثلاثة أطنان ونصف الطن من مختلف أنواع المواد المخدرة، و15 طنا و1.650.000 حبة من المؤثرات العقلية، و943 سلاحا نارياً، و173 قنبلة يدوية متفجرة، و1596عجلة.

ولفت البيان إلى قتل 13 متاجراً بالمخدرات، وإصابة 11 آخرين، وسقوط 3 ضحايا، و23 جريحا من عناصر مكافحة المخدرات.

وجاءت هذه العملية بعد سابقة هي الأولى من نوعها، حيث ضبطت السلطات العراقية مصنعا لإنتاج الكبتاغون في محافظة المثنى الحدودية مع السعودية في حزيران يونيو الماضي، إثر تفكيك "شبكة دولية للمتاجرة بالمخدرات" وتوقيف ثلاثة من أعضائها وضبط "مليوني حبة" من هذه المادة في محافظة المثنى.

وقالت وزارة الداخلية في بيان أن "المعمل معد لتصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة مع مواد أولية تقدر بسبعة وعشرين ونصف كيلوغرام مع الأختام الخاصة بالحبوب المخدرة".

 

إضافة لمناطقه الحدودية مع جارته الغربية سوريا، تعد مناطق جنوب العراق المتاخمة للحدود مع الجارة الشرقية إيران، معبرا مهما لتهريب المخدرات ولا سيما مادة الكريستال.

وتُشكل دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، الوجهة الأساسية لحبوب الكبتاغون التي تُهرب أساسا من سوريا والشريط الحدودي مع لبنان. وتحول تهريب هذه المخدرات إلى تجارة مربحة يقدر خبراء قيمتها الإجمالية بأكثر من عشرة مليارات دولار.

ووصف اللواء سعد معن معمل المثنى بأنه "محاولة من البعض لأن تكون عملية التصنيع في الداخل، لأننا نعلم على الأغلب أن هذه الحبوب تأتي من خارج العراق".

وبحسب معن فإن "حرب العراق ضد المخدرات وصلت إلى نتائج إيجابية، والجهد الذي بذله مقاتلو مكافحة المخدرات حقق نتائج ترفع لها القبعة، من خلال ضبط كميات كبيرة من المخدرات واعتقال رؤوس من التجار". وتعهد معن أن "ينتصر العراق في حربه على المخدرات".

وحبوب الكبتاغون من المخدرات سهلة التصنيع، ويصنفها مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة على أنها "إحدى أنواع الأمفيتامينات المحفزة" وهي عادة مزيج من الأمفيتامينات والكافيين ومواد أخرى. وإضافة لمناطقه الحدودية مع جارته الغربية سوريا، تعد مناطق جنوب العراق المتاخمة للحدود مع الجارة الشرقية إيران، معبرا مهما لتهريب المخدرات ولا سيما مادة الكريستال.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن جهاز الأمن الوطني العراقي القبض على رجل كان يصنع الكريستال في العراق. وقال الجهاز يومها إن الموقوف "تعلم صناعة الكريستال من إحدى الدول ثم نقل التجربة إلى العراق، وقام بصنع كميات كبيرة من مادة الكريستال". وبعد أسبوعين من القضاء على أول محاولة لتصينع الكبتاغون في العراق، وجهت الأجهزة الأمنية ضربة بالقبض على أكبر شبكة لتجارة المخدرات، شمالي البلاد، لكن التفاؤل الذي تبديه السلطات لا يتماشى مع التقارير التي تتحدث عن واقع قاتم تتفشى فيه المخدرات بحماية الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران.

وتشير تقارير دولية ومحلية إلى أن أعداد المتعاطين أكبر مما تعلن عنه الجهات الحكومية، إذ تصل نسبة التعاطي في المناطق الفقيرة إلى 70 بالمائة فيما تصل إلى 50 بالمائة في بقية مناطق البلاد.

واعترفت لجنة مكافحة المخدرات في مجلس النواب، بتفاقم ظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات في العراق. وذكرت أن تقارير الجهات المختصة بالمخدرات أكدت ازدياد حالات التعاطي والاتجار بهذه الآفة الخطيرة، لافتة إلى أن التصدي لها يتطلب اتخاذ إجراءات حازمة وسريعة.

وسبق لعدد من أعضاء مجلس النواب الحالي أن بينوا أن المخدرات قد وصلت إلى بعض المدارس الابتدائية في عدد من مدن الجنوب مع تفشي البطالة والفقر، وغياب القوانين الرادعة.

وتعد تجارة المخدرات أحد نتاجات انهيار الدولة في العراق منذ عام 2003، إذ أن جهات متنفذة سواء من الطبقة السياسية أو الميليشيات جمعت أموالاً هائلة من تلك التجارة المستمرة مع سوريا وإيران.

وسبق أن اتهم النائب السابق عن التيار الصدري حاكم الزاملي، مسؤولين ومنتسبين في القوات الأمنية بالتواطؤ مع تجار المخدرات، والعمل في تجارة المخدرات.

وقال الزاملي “أين جهد الأجهزة الامنية والقضائية للحد أو القضاء على هذا الوباء، الذي بدأ ينخر في بنية المجتمع العراقي، حيث يعد من أول أسباب أغلب الجرائم مثل الخطف والتسليب والقتل”.

وأضاف أن العراق أصبح مقرًا لتجارة المخدرات أكثر من الإكوادور والبرازيل وإيران وأفغانستان بعدما كان من أنقى بلدان العالم من ناحية التعاطي وتجارة المخدرات. وبين وجود "ضباط ومنتسبين يتفقون مع المجرمين بتكييف الإفادات والأوراق التحقيقية وتغيير تهمتهم من المتاجرة إلى التعاطي لتخفيف الحكم، وكذلك هناك من يتستر عليهم ومن يحميهم كالعصابات المسلحة وبعض العشائر، إذ أن عملية نقل المخدرات تتم من خلال بعض العجلات التي تحمل تخاويل أو باجات حكومية لمنتسبين أو ضباط أو مسؤولين والكل يعرف أن مدن العمارة والبصرة والأنبار وديالى تعد المنافذ الرئيسية لدخول المخدرات”.

ويرى آخرون أن قانون المخدرات في العراق يتسبب هو الآخر بطريقة أو بأخرى بانتشار المخدرات، خصوصًا أنه يشهد حالة من عدم التمييز بين المتعاطي والمتاجر، إضافة إلى تلاعب قانوني من قبل بعض المحامين والتجار من خلال تحويل المتاجرين إلى متعاطين لتخفيف العقوبة، ودخول الفساد والسلاح المنفلت على خط رعاية التجار وتسريب المخدرات إلى المدن العراقية.

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قد أعلن عن خطة لعراق خال من المخدرات حسب وصفه، مبينا أنه سيتم التعامل مع الملف على أنه تهديد إرهابي.

فيما أكد عراقيون بأن السوداني أصبح مثالًا للدعاية الفارغة بجعل العراق خاليًا من المخدّرات، بينما يدرك أن ميليشيات متنفذة داخل الإطار التنسيقي صارت تعتاش على تجارة المخدرات ما بين سوريا وإيران، وجعلت من العراق مستهلكًا وممرًا في اتّجاه عدد من البلدان العربية.

وتنتشر ظاهرة التعاطي بين منتسبي القوات الأمنية أيضا، وسبق أن أعلنت وزارة الداخلية عن إجراء فحص لمنتسبيها، بعد التقارير التي كشفت تزايد أعداد المتعاطين من عناصر القوات الأمنية. كما أشار تقرير للأمم المتحدة أن 6 من بين كل 10 منتسبين يتعاطون المخدرات.

وكان العراق قبل العام 2003 يصنف من الدول الخالية تمامًا من المخدرات نتيجة القوانين الصارمة التي وضعها النظام السابق في مكافحة آفة المخدرات والتي تصل إلى الإعدام.

ويقول خبراء أن هناك عوامل عديدة ساهمت بتفشي المخدرات منها سهولة الحصول على الدولار داخل العراق ما ساهم في نشاط تجارة المخدرات التي تحتاج إلى عملة صعبة، ودول الجوار تفتقر إلى هذه العملة الصعبة.

ونتيجة الظروف الاستثنائية التي مر بها العراق (منذ الاحتلال الأميركي عام 2003)، استطاع هؤلاء اختراق المجتمع، خاصة استغلال الشباب العاطل عن العمل، وتجنيدهم لتحقيق أرباح سهلة، بعد جر هؤلاء إلى التعاطي بكميات مجانية في بادئ الامر.