حرب فاشلة هي طوق نجاة لنتنياهو
لم تنته حرب نتنياهو في غزة بعد. عشرات الألوف من القتلى وما لا يحصى من الجرحى بين صفوف المدنيين من أهل غزة وخراب شامل غير مسبوق ولم يعلن الرجل المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية عن انتصاره.
وإذ بدأ حربه على حزب الله ومن خلاله على لبنان بتقنيات جديدة تكشف عن تفوق علمي واستخباري لافت فإن ذلك لا يعني أنه خطط لكي ينهي حربه الجديدة بضربات خاطفة. يعرف أن لبنان غير غزة. ذلك لأنه هذه المرة لن يحصل إلا على دعم غربي محدود لا يُقارن بذلك الدعم الذي حظي به من قبل.
صحيح أن الغرب سيحتمي بموقفه غير الإنساني وغير الأخلاقي وغير القانوني وراء الحجة ذاتها وهي الحرب على منظمة إرهابية (حسب التصنيف الغربي) سعت وتسعى إلى تهديد حياة المدنيين في إسرائيل، غير أن غزة وقد اختطفتها حركة حماس غير لبنان الذي لا يزال دولة ذات سيادة وإن كان حزب الله قد اختطف قراره السياسي.
بطريقة أو بأخرى لا تزال هناك سلطة رسمية في لبنان بيدها قرار الحرب والسلم ومن حقها الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكوى ضد العدو الإسرائيلي وهو ما يفتقر إليه القطاع الذي تم اقتطاعه منذ عام 2007 فلم يعد جزءا سياسيا من الأراضي التي تديرها السلطة الفلسطينية. وهو ما يعني أن ليست هناك جهة تملك حق مخاطبة العالم في إطار مسؤوليتها القانونية.
ما لا يحتاجه نتنياهو من سند قانوني يحتاجه الغرب أمام شعوبه وجلها يقف مع حق الفلسطينيين بالحرية لتبرير تخليه عن مبادئه الإنسانية وقيمه الأخلاقية لصالح الهمجية الإسرائيلية التي لا تفرق آلتها الحربية ما بين مَن تعتبرهم مصدر تهديد لأمن وسلامة مواطنيها وبين المدنيين وغالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ.
في الحالة هذه فإن حرب نتنياهو في الجبهتين لن تنتهي. ما حدث في غزة يتكرر في لبنان. فإذا كان لم ينجز أهدافه في حربه ضد حركة حماس فإن من المنطقي أن لا يصل إلى تلك الأهداف في حربه ضد حزب الله الذي لا تزيد حركة حماس عن أن تكون واحدا من فصائله الكثيرة. ذلك لأن ترسانة حزب الله من المقاتلين والأسلحة والمعدات الحربية هي أضعاف ما تمتلكه حماس.
ولكن نتنياهو قد لا يكون معنيا بتلك الأهداف بقدر عنايته بالطريق التي تؤدي إليها. وهي طريق دموية ستهبه سمعة تُعلي من شأنه في المجتمع الإسرائيلي ستكون سلاحه في الانتصار على منتقديه الذين اعتبروا سياساته الأمنية فاشلة في الحفاظ على أمنهم متخذين مما جرى يوم السابع من اكتوبر دليلا على صحة مواقفهم.
مزيد من العنف هو ما يطالب به الإسرائيليون. أما ما يُقال عن مواقف يسارييهم المعتدلة فإنه لا يكشف عن حقيقة تلك المواقف التي لا تدعو إلى التخلي عن العنف، بل إلى عدم المبالغة في استعماله ضد المدنيين. أما بالنسبة لحماس وحزب الله فإن هناك إجماعا على وضع حد لخطرهما على الأقل.
كل ذلك ليس سوى محصلة لما سعت حركة حماس إلى إخفائه بطريقة مواربة فيما كشف عنه إصرار حزب الله على أن يكون طرفا في حرب، يعرف ألا مصلحة للبنان فيها أولا وثانيا أنها ستنتهي بهزيمته في ظل شعور نتنياهو ومن ورائه المجتمع الإسرائيلي بالجنون. هل هو سوء تقدير أم أنه وجد في هذه الحرب فرصة للتعبير عن مسؤوليته القيادية في ما يُسمى بالمقاومة الإسلامية تحت شعار "وحدة الساحات" الذي ابتكرته إيران من غير أن تكون طرفا معلنا فيه؟
من المؤكد أن زعامة حزب الله كانت قد فكرت بحرب تقليدية وعيونها على أكداس الصواريخ التي جعلت حسن نصرالله مطمئنا لمرحلة ما بعد حيفا. ذلك يعني أن ما استعد له حزب الله قد تم حذفه من خريطة الصراع وأن إيران التي يعرف أنها لن تشاركه في القتال قد خذلته حين كانت عاجزة عن مده بالمعلومات عن نوع الحرب التي استعد لها جيدا. ولكن ماذا عن حال الحزب الذي تبين أنه مخترق من كل الجهات؟
ليست حرب نتنياهو في لبنان هي نفسها حربه في غزة وإن كان عدوه في الحالين يحارب بالوكالة. ما حققه خلال أيام قليلة في لبنان من سبق على مستوى تفكيك جبهة العدو لم يحققه في غزة خلال ما يقارب السنة. ذلك لأن إيران وضعت في خدمة حزب الله كل مجهودها الحربي الذي لم تكن حركة حماس في حاجة إليه.
لقد وهبت إيران نتنياهو طوق نجاة أنقذه من فشله في حربه اليائسة بغزة.