حرب قواعد تستعر بين موسكو وواشنطن في شمال سوريا

واشنطن تستعد لإقامة قاعدتين جديدتين في شمال شرق سوريا ما يرفع عدد قواعدها من 5 إلى 7 واجماليها في الساحة السورية إلى 13، بينما بدأت موسكو بدورها في إقامة قاعدة جوية للمروحيات القتالية في نفس المنطقة.

صراع نفوذ محتدم بين موسكو وواشنطن يطل برأسه من شمال سوريا
موسكو وواشنطن تتزاحمان على إنشاء قواعد في شمال سوريا
النفط السوري في قلب معركة النفوذ بين واشنطن وموسكو

القامشلي (سوريا)/موسكو - تشير تحركات عسكرية أميركية وروسية في شمال شرق سوريا حيث تتواجد حقول النفط، إلى صراع نفوذ بين القوتين المتدخلتين في الصراع السوري واللتين تقفان على طرفي نقيض من الأزمة السورية.

وتستعد قوات أميركية للتمركز في قاعدتين عسكريتين جديدتين في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا في منطقة قريبة من حقول النفط، بينما بدأت موسكو في إنشاء قاعدة لهبوط المروحيات في مطار مدني بمدينة القامشلي في شمال شرق سوريا وعرضت مقطعا يظهر وصول مروحيات هجومية.

وينفتح المشهد السوري على ضوء هذه التطورات على حرب قواعد بين واشنطن وموسكو في الوقت الذي تسعى فيه كل من تركيا وإيران أيضا لتعزيز نفوذهما.

 وذكرت مصادر محلية موثوقة أن واشنطن التي تملك 5 قواعد عسكرية في محافظة الحسكة، بدأت أعمال إنشاء قاعدتين جديدتين في منطقتين مختلفتين في المنطقة.

وفي حال تمركزت القوات الأميركية بالفعل في هاتين القاعدتين عقب الانتهاء من بنائهما، سيرتفع إجمالي قواعد واشنطن في الحسكة إلى 7 قواعد ونقاط عسكرية.

وخلال اليومين الماضيين دخلت إلى مدينة القامشلي قافلتان عسكريتان أميركيتان إلى الأراضي السورية عبر معبر اليعربية قادمة من العراق.

وتضم القافلة الأولى 20 مركبة ما بين مدرعات وشاحنات وقد تمركزت في بلدة القحطانية الواقعة شرقي مدينة القامشلي السورية وتضم حقولا نفطية على بعد 6 كيلومترات من الحدود التركية.

قوات أميركية تدخل الحسكة استعدادا للتمركز وانشاء قاعدتين عسكريتين جديدتين
قوات أميركية تدخل الحسكة استعدادا للتمركز وانشاء قاعدتين عسكريتين جديدتين

أما القافلة الثانية فقد وصلت إلى قرية حيمو غربي مدينة القامشلي على بعد نحو 5 كيلومترات من الحدود التركية، وشرع الجنود في أعمال إنشاء القاعدة ونقطة التمركز العسكرية.

وتقع المنطقتان المذكورتان اللتان تمركزت فيها القوات الأميركية ضمن حدود الحزام الذي تُسيّر فيه القوات التركية الروسية دوريات برية مشتركة.

وستتمكن القوات الأميركية بفضل النقاط والقواعد العسكرية التي ستتمركز فيها لاحقا، من بسط سيطرتها على حقول النفط وتوفير الأمن فيها وتعزيز تواجدها أيضا على الحدود التركية مع سوريا، فيما تبعد القاعدتان المزمع إنشاؤهما عن بعضهما مسافة 35 كيلومتر.

وانسحبت قوات أميركية من قاعدة 'صرين' الواقعة على الطريق الدولي 'ام 4' جنوبي مدينة عين العرب شمالي سوريا.

وكانت القوات الأميركية قد عادت إلى قاعدة 'صرين' مرة أخرى بعد الانسحاب منها عقب إطلاق تركيا عملية عسكرية أطلقت عليها اسم نبع السلام في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في هجوم على أكراد سوريا أثار انتقادات غربية وغضبا أميركيا. وبهذا تكون القوات الأميركية قد انسحبت بالكامل من مدينة عين العرب.

ومع إتمام القوات الأميركية أعمال بناء القاعدتين الجديدتين في الحسكة سيرتفع إجمالي القواعد العسكرية في سوريا إلى 13 قاعدة ونقطة عسكرية.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الشهر الماضي في بيان، إرسال المزيد من القوات لحماية آبار النفط شرقي سوريا، فيما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها "سنحمي النفط وسنقرر ما الذي سنفعل به في المستقبل".

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد علقت في بيان على إعلان ترامب وعلى انتشار قوات أميركية في المناطق النفطية السورية بأن اتهمت الولايات المتحدة بممارسة "اللصوصية" على مستوى عالمي بعد إعلان نيتها حماية حقول النفط في شرق سوريا.

ونشرت الوزارة صورا عبر الأقمار الإصطناعية لما قالت إنها قوافل من الصهاريج تتجه إلى خارج سوريا، معتبرة أن هذه الصور تدل على أن عمليات استخراج النفط السوري تمت تحت حماية العسكريين الأميركيين قبل وبعد هزيمة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) شرقي الفرات.

روسيا عززت نفوذها في سوريا من خلال اتفاقيات عسكرية أسست لوجود دائم
روسيا عززت نفوذها في سوريا من خلال اتفاقيات عسكرية أسست لوجود دائم

وتزامنت الاستعدادات الأميركية لاقامة قاعدتين عسكريتين جديدتين مع إعلان قناة زفيزدا التلفزيونية التابعة لوزارة الدفاع الروسية اليوم الخميس أن موسكو بدأت في إنشاء قاعدة لهبوط المروحيات القتالية في مطار مدني بمدينة القامشلي في شمال شرق سوريا وعرضت مقطعا يظهر وصول طائرات هليكوبتر هجومية.

وتخضع القاعدة الجديدة لحماية من أنظمة بانتسير للصواريخ سطح - جو وتم نشر ثلاث طائرات هليكوبتر، بينها طائرتان هجوميتان من طراز ميغ-35 وطائرة هليكوبتر للنقل العسكري من طراز ميغ-8 هناك بالفعل.

وعرضت القناة لقطات للشرطة العسكرية الروسية التي تحرس القاعدة إضافة إلى مركبات مدرعة وأطقم دعم أرضي ومحطة أرصاد وعيادة طبية صغيرة.

وقال بافل رمنيف مراسل القناة "هذه أول مجموعة من طائرات الهليكوبتر العسكرية الروسية هنا في شمال سوريا... إنها لحظة تاريخية. من الآن فصاعدا ستعمل مجموعة الطيران الخاصة بنا على نحو دائم في مطار مدينة القامشلي".

ويأتي الانتشار الروسي بعد أقل من شهر من انسحاب القوات الأميركية من المنطقة عقب قرار مفاجئ من الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات من بعض الأنحاء في سوريا.

وسبق أن استخدمت روسيا طائرات هليكوبتر عسكرية في دوريات بمنطقة قريبة من الحدود السورية مع تركيا لحماية الشرطة العسكرية الروسية العاملة على الأرض هناك.

وذكرت قناة زفيزدا أن القاعدة الجديدة ستزيد كفاءة هذه الدوريات، فيما تنفذ روسيا هذه الدوريات مع القوات التركية وتهدف لمراقبة اتفاق أبرمته موسكو مع أنقرة بعد هجوم تركي عبر الحدود بالتعاون مع قوات معارضة سورية في أكتوبر/تشرين الأول بغرض إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية من منطقة الحدود.

واستفادت موسكو من الإستراتيجية الأميركية التي أعلنها ترامب في الفترة الماضية والقائمة على تقليل الوجود العسكري في سوريا (وهي إستراتيجية سبق أن تحدث عنها في الحملة الانتخابية للعام 2016 التي جاء به للرئاسة)، لتعزز نفوذها في مناطق كانت إلى وقت قريب تمثل مناطق للتمركز الأميركي.

الانتشار العسكري الأجنبي في سوريا حسب دراسة نشرتها مجلة الجيش اللبناني
الانتشار العسكري الأجنبي في سوريا حسب دراسة نشرتها مجلة الجيش اللبناني

ويقول أحمد علّو العميد السابق بالجيش اللبناني إن القواعد العسكرية الأجنبية في سوريا تمثل حدود الصراع الدولي القائم على الأراضي السورية منذ سبع سنوات.

وأشار في دراسة سابقة نشرتها مجلة الجيش اللبناني في يونيو/حزيران من العام الماضي إلى أن تلك القواعد باتت "ترسم من خلال جغرافية انتشارها خطوط السياسات والأدوار الدولية المتعارضة والمتضاربة وحدود مصالحها في المنطقة".

وخلص إلى القول بأن "السياسة الدولية في سوريا تحولت من سياسة بناء القواعد العسكرية لخدمة سياسة الجغرافيا، إلى سياسة بناء القواعد العسكرية لخدمة جغرافيا السياسات".

وتضمنت الدارسة بيانات تفصيلية عن القواعد العسكرية الأجنبية في سوريا ومن ضمنها القواعد الأميركية والروسية والإيرانية والتركية.

وحسب الدارسة سالفة الذكر فإن روسيا أقامت ثلاث قواعد عسكرية ووسعت نفوذها من خلال منشآت ومبان عسكرية في أكثر من منطقة.

وقالت إنه تبيّن أن لروسيا "ثلاث قواعد رئيسة تعتبر قاعدة طرطوس البحرية أهمها، وقواعد أخرى ثانوية بعضها ما زال قيد الإنشاء وذلك في إطار اتفاقات خاصة مع الدولة السورية".

ووفق اتفاقات عسكرية بين موسكو ودمشق عززت روسيا تواجدها من خلال هذه القواعد ومن بينها قاعدة مطار حميميم الجوية الواقعة بجنوبي شرقي مدينة اللاذقية في الشمال السوري وقد جرى توسيعها لتتحول إلى قاعدة تواجد عسكري دائم.

وتتمتّع قاعدة حميميم بالسيطرة البرية على مسافة 10 كلم حول المطار بعد إخلائها من أي تواجد مدني أو عسكري سوري وإنشاء ثكنات برية روسية في دائرة بعمق 70 كلم أكبرها تلك التي أنشأت في منطقة سلمى وجبلي التركمان والأكراد، وفق الدارسة التي أعدها العميد المتقاعد أحمد علّو.

دمشق وموسكو اتهمتا واشنطن بسرقة النفط السوري
دمشق وموسكو اتهمتا واشنطن بسرقة النفط السوري

وتسيطر روسيا أيضا على مطار حماه العسكري (شمالي سوريا) ويشكل قاعدة عمليات ومهمات حربية. ولها قاعدة أخرى هي قاعدة تدمر (قيد الانشاء) وتعتبر رابع أكبر قاعدة روسية في سوريا.

 وإضافة إلى هذه القواعد أنشأت روسيا قواعد أخرى منها قاعدة ومطار جنديرس (قيد الانشاء) الواقعة في منطقة عفرين – حلب في الشمال السوري وقاعدة مطار الضبعة وقاعدة مطار المزة العسكري وقاعدة مطار كويرس وقاعدة جبل زين العابدين وقاعدة بلدة خربة رأس الوعر وقاعدة مطار الشعيرات.

وللولايات المتحدة أيضا أكثر من قاعدة عسكرية في سوريا ترسم حدود نفوذها في مواجهة النفوذ الروسي الذي يبدو أكبر بكثير مما سعت له واشنطن طيلة سنوات الصراع السوري.

وعززت واشنطن نفوذها بإقامة قواعد خاصة في منطقة الحسكة ومنها قاعدة الرميلان وهي قاعدة للقوات الجوية والإمداد العسكري بعدد محدود من العناصر. وقاعدة خراب عشق في نفس المحافظة وقاعدة الشدادي وقاعدة تل البيدر.

وللولايات المتحدة قاعدة عين دادات في منبج قرب حلب ومكلفة أساسا  بمراقبة تحركات الجيش الحر الموالي لتركيا وقاعدة إثريا في نفس المنطقة وهي مركز لتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية ونقطة عسكرية في تل مشتنور في محافظة الرقة وموقع عين عيسى وموقع صرين في محافظة حلب وقاعدة المبروكة غربي القامشلي وقاعدة مطار روباريا في محيط كوباني بحلب وقاعدة التنف نقطة التقاء الحدود السورية – العراقية والأردنية.

وبحسب الدراسة التي نشرتها مجلة الجيش اللبناني لواشنطن قواعد أخرى منها الزكف جنوب غربي البوكمال التي تشكل جدارا لإيقاف التمدّد الإيراني وقاعدة الطبقة في الرقة وقاعدة تل أبيض على الحدود السورية التركية.