حزب الله يستثمر أزمة كورونا لتجميل صورته المهتزة في لبنان

اللبنانيون ينتظرون قيام الدولة بواجبها لحمايتهم من انتشار فيروس كورونا بينما تتنافس الأحزاب والقوى السياسية استغلال الفرصة وتقديم مساعدات طبية واجتماعية بوسائلها الخاصة في مناطق نفوذها.
الأحزاب بمختلف انتماءاتها الطائفية تتسابق لإظهار قدرتها على المساعدة
الأحزاب في لبنان خسرت ثقة الشارع خلال الاحتجاجات المناهضة للفساد

بيروت - تحشد جماعة حزب الله اللبنانية مواردها للسيطرة على تفشي فيروس كورونا مستخدمة فرقا من المتطوعين والأطباء وكذلك المنشآت للقيام بدور بارز في مكافحة المرض ببلد يعاني من أزمة. وهذه الحملة جزء من جهود أوسع نطاقا للأحزاب اللبنانية التي تتسابق بمختلف انتماءاتها الطائفية لإظهار قدرتها على تقديم يد العون في هذه الوضع الطارئ.

ويقول محللون إن النخبة السياسية ترى فرصة لاستعادة مكانتها لدى الشعب والتي تأثرت سلبا قبل ستة شهور أثناء احتجاجات شعبية في أنحاء البلد على فساد الحكم والمشكلات الاقتصادية المتجذرة.

لكن الجهد الضخم الذي يبذله حزب الله الذي تصنفه الولايات المتحدة جماعة إرهابية وتفرض عليه عقوبات، برز بوضوح وسط المشاركين في جهود مكافحة الفيروس، بعد أن تعرضت قياداته لانتقادات حادة خلال الحراك اللبناني بسبب محاولة أنصاره فض اعتصامات المتظاهرين بالقوة والعنف في المدن اللبنانية لانهاء موجهة احتجاجات غير مسبوقة شهدتها البلاد على إثر انهيار اقتصادي وأزمة فساد تنهش الدولة.

وتبدو أزمة كورونا بمثابة الفرصة التي كانت تنتظرها كل الأحزاب اللبنانية وعلى رأسها حزب الله لإعادة بناء قاعدة الدعم والشرعية التي شككت فيها حركة الإحتجاج الأخيرة دون استثناء.

وفي جولة إعلامية لمسؤولين في حزب الله في بيروت أمس الثلاثاء افتتحت الجماعة أحد مركزي فحص جديدين، إضافة إلى أسطول من سيارات الإسعاف العديد منها مزودة بأجهزة تنفس صناعي ومستشفى مخصص بالكامل لعلاج مرضى كورونا في إطار ما وصفته بأنه حملة مكافحة على مستوى البلاد.

وقال حسين فضل الله المسؤول في حزب الله "الهدف تخفيف الضغط عن وزارة الصحة والمستشفيات والدولة... لدينا فريق متطوع يزيد على 25 ألفا".

ورغم الحملة الدعائية المكثفة التي عمل عليها الحزب الموالي لإيران فإن اختفاء أمينه العام حسن نصر الله وتحدث قيادات أخرى بداله أثار تساؤلات اللبنايين الذين رجحوا في تغريدات على موقع تويتر أن يكون قد "خير تطبيق الحجر الصحي خوفا من العدوى بالفيروس التاجي بدل المقاومة".

ويعاني لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه نحو ستة ملايين نسمة، من أزمة مالية أسفرت عن استنزاف النقد الأجنبي وهبوط قيمة الليرة. وسجل البلد 463 إصابة بفيروس كورونا و12 وفاة.

وأعلنت الحكومة عن حالة طوارئ صحية وطلبت من الناس البقاء في بيوتهم وأرسلت الجيش لفرض الإغلاق، لكن الضغط على النظام الصحي في البلاد يثير مخاوف حقيقية من انهياره في حال تفاقم الوضع بارتفاع عدد المصابين مستقبلا.
ولدى لبنان مستشفيات عامة وأطباء اختصاص بمستوى جيد لكن النظام الصحي في القطاع الخاص يظل إفضل بكثير بسبب تفوق معداته وتوفر الإمكانيات.

ومع ضعف المنظومة الصحية والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ثمة مخاوف في لبنان من أن يتسبب ملء الأحزاب للفراغ الذي تركته الحكومة العاجزة، في إضعاف الدولة أكثر.

ويحذر مسؤولون في قطاع الصحة من أن نظام الرعاية الصحية غير مجهز للسيطرة على تفشي الفيروس الذي قد يستنزف على نحو سريع إمدادات أصبحت شحيحة بفعل نقص الدولار على مدى شهور.

وقال مهند الحاج علي من معهد كارنيجي للشرق الأوسط "حزب الله وبقية المؤسسة السياسية... يرون أن أزمة فيروس كورونا فرصة لتوفير خدمات وتقديم أنفسهم على أنهم الأحزاب التي تحمي مجتمعاتها... حزب الله في الصدارة".

أصبح حزب الله المدعوم من إيران أكثر انخراطا في شؤون الحكومة في الأعوام الماضية. ولطالما وصفه منتقدوه بأنه دولة داخل دولة بسبب قوته العسكرية التي يستمدها من طهران وتوفيرها خدمات صحية واجتماعية.

والجماعة الشيعية داعم مهم لحكومة رئيس الوزراء حسان دياب وكانت وراء تكليفه في منصبه الذي تولاه في يناير/كانون الثاني واختارت وزير الصحة السابق والحالي.

وعلى الرغم من أن مجمل خطتها لمكافحة فيروس كورونا يعتمد على مستشفياتها وعياداتها الخاصة فإن الجماعة قالت إنها سترسل أيضا أطباء إلى مستشفيات حكومية على حسب الحاجة.

وقال فضل الله "مستوى الجهوزية (للحرب) واحد لكن تختلف الأهداف".

كما نفذت أحزاب أخرى، سنية ومسيحية ودرزية، مبادرات أصغر نطاقا مثل تطهير الأماكن العامة وتوزيع أغذية على المحتاجين وتعزيز الوعي.

واشترى حزب التيار الوطني الحر المسيحي وهي من حلفاء حزب الله معدات فحص سريع من الصين لاستخدامها في عيادات متنقلة سيديرها. وتبرع الزعيم السياسي الدرزي وليد جنبلاط للمستشفيات بينما جهز حزبه التقدمي الاشتراكي مناطق للحجر الصحي لاستخدامها إذا تطلب الأمر.

وتشارك حركة أمل الشيعية، بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، في بعض جوانب حملة حزب الله كما تدير حملتها الخاصة. وأمر بري الحكومة بسداد المستحقات المتأخرة للمجالس المحلية لمساعدتها في مكافحة الفيروس على المستوى المحلي.

ووزع تيار المستقبل، وهو حزب سني بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري عبوات غذائية.

وقال فضل الله إن إجراءات حزب الله تشمل مركز اتصالات وثلاثة مراكز حجر بها 170 سريرا وتتسع لما يصل إلى ألف مريض و64 لجنة اجتماعية لمتابعة احتياجات الأسر المتضررة من الآثار الاقتصادية المترتبة على تفشي الفيروس.

لكن نشطاء لبنانيون يشككون في هذه الأرقام في ظل أزمة التمويل التي يعاني منها الحزب بسبب معاناة إيران التي تدعمه هي الأخرى من العقوبات الأميركية المفروضة عليها وأيضا تصدرها قائمة البلدان المتضررة من انتشار الفيروس حيث أصبحت بؤرة خطيرة لتفشيه.

ووصل عدد الوفيات بالفيروس المستجد في إيران إلى أكثر من 3 آلاف حالة وعدد الإصابات إلى 47593 شخص إلى حدود اليوم الأربعاء، وهي حصيلة كارثية تسببتها فيها لامبالاة الحكومة وتقصيرها حيث قللت من حجم الإصابات منذ بداية ال، وشددت على قدرتها لمواجهة هذا الوباء. التركيز الإيراني كان منصبّا على الدعاية أكثر من التركيز على مواجهة الوباء نفسه.