حقل كاريش متنفس لأزمة الغاز أوروبيا وفتيل توتر في المنطقة

حزب الله يستغل قضية كاريش والحدود البحرية لإظهار تمسكه بمصالح لبنان وإذا حصل اتفاق يستطيع أن يقول للبنانيين إنه دفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات.
إسرائيل: حقل كاريش خارج مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان
إسرائيل تراهن على حقل كاريش لتزويد أوروبا بـ15.5 مليار متر مكعب من الغاز

القدس - بالتزامن مع مفاوضات دبلوماسية مكثفة لترسيم حدودها البحرية مع لبنان المجاور، تستعد إسرائيل لبدء العمل في حقل كاريش البحري للغاز الذي من شأنه أن يشكّل مفتاحا لتعزيز صادراتها إلى أوروبا، لكن أيضا مصدرا لتوترات لن تهدأ ما لم يتم تسوية الأزمة مع الجانب اللبناني الذي يطالب بدوره بحقوقه في الحقل الغازي.

وتتولى الولايات المتحدة دور الوسيط في المفاوضات الدائرة منذ عامين بين لبنان وإسرائيل، البلدين اللذين هما رسميا في حالة حرب. وتهدف هذه المفاوضات إلى ترسيم الحدود البحرية بينهما وتذليل العوائق أمام الشروع في أعمال الحفر للتنقيب عن الغاز في حقول في البحر الأبيض المتوسط يتنازع عليها البلدان المتجاوران.

وفي حين تقول إسرائيل إنّ حقل كاريش بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة، يقول لبنان إن الحقل يقع في جزء من المياه المتنازع عليها مع تل أبيب.

وتصاعدت حدة التوتر بعد استقدام شركة إينيرجيان في يونيو/حزيران الماضي سفينة لاستخراج الغاز من الحقل لحساب إسرائيل. ودفع هذا التطور لبنان إلى المطالبة بمعاودة المفاوضات التي عُلقت بعد الاختلاف على مساحة المنطقة المتنازع عليها.

ووجّه حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل والذي يتمتع بنفوذ سياسي كبير في لبنان ويمتلك ترسانة أسلحة ضخمة بينها صواريخ متطورة ودقيقة، سلسلة تهديدات إلى إسرائيل، محذرا إياها من مغبة الإقدام على أي نشاط في كاريش قبل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية.

وفي مطلع يوليو/تموز الماضي، اعترض الجيش الإسرائيلي طائرات مسيّرة أرسلها حزب الله الذي يملك ترسانة عسكرية ضخمة، لاستطلاع الحقل.

وتكثفت المحادثات بين لبنان وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة، إذ نشط الوسيط الأميركي آموس هوكستين في زيارات بينهما.

وأكدت إينيرجيان في 8 سبتمبر/أيلول الجاري أنها جاهزة للبدء "في غضون أسابيع قليلة" بالإنتاج من حقل كاريش، فيما أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها "تستعد لربط الحقل" بشبكتها الوطنية.

ومن المتوقع أن يتيح إنتاج حقل كاريش لإسرائيل زيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد الأسبوع الماضي في برلين "سنشارك في الجهود الرامبة إلى إيجاد بديل من الغاز الروسي في أوروبا" ، مضيفا أن إسرائيل تعتزم تزويد أوروبا بـ"10 بالمئة" من الكميات التي كانت توفرها روسيا قبل غزوها أوكرانيا في 24 فبراير/شباط لدول الاتحاد الأوروبي.

وكانت موسكو زودت دول الاتحاد عام 2021 بنحو 155 مليار متر مكعب من الغاز، وبالتالي توازي نسبة 10 بالمئة حوالي 15.5 مليار متر مكعب.

وتزوّد إسرائيل أصلا الأردن ومصر بالغاز ووقعت في يونيو/حزيران الماضي اتفاقا لتسييل غازها في مصر بهدف شحنه بحرا إلى أوروبا. ويُنتج حقلا ليفياثان وتمار البحريان الإسرائيليان ما مجموعه 23 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا.

ولكن لا تبقى من هذا الإنتاج سوى كميات قليلة يمكن تصديرها إلى السوق الأوروبية، نظرا إلى أن الاستهلاك المحلي الإسرائيلي يبلغ 13 مليار متر مكعب، فيما الصادرات إلى الأردن ومصر بموجب الاتفاقين معهما تبلغ نحو 9.5 مليار متر مكعب، وفق الخبيرة في قطاع الغاز الإسرائيلي جينا كوهين.

وتشرح كوهين أن "بيع المزيد من الغاز إلى أوروبا يستلزم إنتاجا مستقرا من حقل كاريش" الذي تبلغ طاقته على المدى القصير ستة مليارات متر مكعب سنويا، منتقدة عدم تصرف الحكومة بسرعة كافية في ما يتعلق بهذه الملفات.

ويُفترَض أن تُستخدم كميات الغاز التي سينتجها حقل كاريش (شمال) لسد احتياجات السوق المحلية الإسرائيلية، وأن تساعد على زيادة الصادرات من منصتي ليفياثان وتمار المرتبطتين بمدينة أشدود (جنوب).

ومن المقرر أن يتمّ بحلول منتصف 2023 توسيع خط الأنابيب الذي يربط هذه المدينة بخط أنابيب الغاز تحت البحر بين إسرائيل ومصر. وينبغي كذلك زيادة الإنتاج من حقلي تمار وليفياثان في السنوات المقبلة للتمكن من تعويض 10 بالمئة من إجمالي الصادرات الروسية السابقة إلى أوروبا.

ولكن بما أن ثمة سقفا محددا لكمية الغاز الطبيعي التي يمكن تسييلها في مصر، ينبغي على إسرائيل في الوقت نفسه إيجاد بدائل أخرى لنقل غازها إلى أوروبا ومنها خط أنابيب غاز بين إسرائيل وقبرص وتركيا، أو خط بين إسرائيل وقبرص واليونان أو حتى إقامة محطات خاصة بها لتسييل للغاز، بحسب محللين.

وفي انتظار ذلك، حذر حزب الله من عواقب أي إنتاج في كاريش قبل التوصل إلى اتفاق على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

وشدد الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي مساء الاثنين على أن "كاريش ليس جزءا من المفاوضات"، مؤكدا أن "الإنتاج سيبدأ في أقرب وقت ممكن".

ورأى العميد الإسرائيلي السابق أمير أفيفي أن خطر حصول توترات قائم فعليا، مع أن ثمة حرصا من الجهتين على توفير استقرار يتيح إنتاج الغاز.

وقال أفيفي "يستغل حزب الله قضية كاريش والحدود البحرية لإظهار تمسكه بمصالح لبنان"، وإذا حصل اتفاق "يستطيع أن يقول (للبنانيين) إنه دفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات".