حلب.. الثمن
كان لابد للجغرافية السورية الراكدة والساكنة منذ سنوات على إيقاع خفض التصعيد المتفق عليه في استانة بين أطراف لم تكن سوريا أحدهم، بل كانت تنتظر لتنفيذ ما يتفق عليه المجتمعون في استانة، وجاء خفض التصعيد طوق نجاة لتجميد مسار اللجنة الدستورية، وجعل نار سنوات الجمر السورية تحت الرماد، فلا غالب ولا مغلوب، والخاسر الأكبر هو المواطن السوري الذي كان يتم سحقه معيشياً وخدماتياً كل يوم وسط شعارات الصمود في وجه من يريد أن يستبيح البلد.
وجاءت أحداث غزة وسياسة النأي بالنفس التي اتبعتها دمشق طوق نجاة جديد وتأجيل جديد وتجميد جديد لحل سياسي للأزمة السورية، ولكن أن يحترق كل ما حولك لا يمكن أن يتركك بمنأى عن النيران الملتهبة، خاصة إذا كانت هذه النيران تلتهم حليفيك الاساسيين ومحورك "المقاوم". وبدا واضحاً أن سوريا حجر أاسي لاستمرار بقاء هذا المحور لذا تم تدمير وتقويض مقومات وقدرات حزب الله والميليشيات الايرانية على اتساع الجغرافية السورية بشكل منظم وكبير.
ومع صمت الحرب "المؤقت" في لبنان كانت الساحة ممهدة في سوريا عسكرياً وسياسياً لتحريك الجغرافية الراكدة، فكانت حلب الثمن والبداية في استعادة لسيناريو الصدمة والترويع، ولكن بالتأكيد لم يصدم أو يرّوع من يقرأ الأحداث ويحتفظ بذاكرة متقدة، ففي الذاكرة لاتزال ماثلة عملية الاستلام والتسليم للمالكية وحقول النفط برميلان والقامشلي، وسقوط الرقة، وما بينهما حكاية عراقية مؤلمة عن استلام وتسليم في سقوط الموصل.
هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة التابعة لتركيا سيطرت على حلب بسهولة، وتتجه نحو حماة لدخولها والسيطرة عليها، ودمشق لا تزال في موقف الدفاع وليس الهجوم، فحلفائها يدركون ان دعم دمشق يعني استعادة تدمير قدراتهم من قبل اسرائيل والتحالف الدولي، وروسيا تتدخل بشكل خجول، وأنقرة تتعامل مع الواقع الجديد في الميدان لطرح مواقف متشددة تجاه الحلول السياسية كما حدث مع وزير الخارجية الايراني الذي عاد من أنقرة خائباً.
سوريا أمام مسارين: إما استانة جديد وبشروط جديدة ومسارات مختلفة، أو تقسيم تتشكل معه حدود الدم على الجغرافية السورية.