حماية منشآت النفط في الخليج ضرورة وليست خيارا لواشنطن

الطفرة في عمليات الحفر المدفوعة بالتكنولوجيا التي بدأت منذ أكثر من 10 سنوات جعلت الولايات المتحدة منتجا كبيرا لكن الواردات من النفط الخام ومنتجات البترول القادمة من الخليج ما زالت تتدفق بوفرة.

نيويورك - رغم تسبب هجمات السبت على منشأتين نفطيتين في السعودية بخفض إنتاج المملكة بمقدار النصف، يبدو منتجو النفط الأميركيون غير مستعدين ولا راغبين بسد الفراغ وانتزاع حصة جديدة في السوق.

وسمح ازدهار التنقيب عن النفط الصخري الذي يستخدم تقنيات حديثة لاستخراج كميّات هائلة من رواسب النفط والغاز من تشكيلات صخرية، بزيادة الإنتاج الأميركي بأكثر من الضعف ليصل إلى نحو 12 مليون برميل في اليوم خلال العقد الماضي.

وباتت الولايات المتحدة اليوم أكبر منتج للنفط في العالم وكثيراً ما تصدّر أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم.

لكن لماذا لا تستغل الفرصة للتعويض عن النقص المفاجئ في وقت تتعافى السعودية من الهجمات التي توقف على إثرها إنتاج نحو خمسة بالمئة من الإمدادات العالمية؟

يجيب منتجون ومحللون على ذلك بالإشارة بأن الأمر ليس بهذه البساطة.

وكتب جيس ميرسر من شركة "إنفيروس" للمعلومات المرتبطة بالطاقة في مدونة أن الاحتفاظ بالقدرات الاحتياطية لحالات كهذه "يعني امتلاك حقول نفط موجودة أصلاً لا يتم استغلالها عمداً إلى أن تحتاج السوق إلى إنتاجها".

وأضاف "بكل بساطة لا تتم عمليات إنتاج النفط في الولايات المتحدة بهذه الطريقة"، بينما لا يمكن للمسؤولين الأميركيين إصدار أوامر في هذا الصدد.

وقال ميرسر إن "الإنتاج الأميركي يأتي من مئات آلاف الآبار المتفرقة التي تسيطر عليها مئات الشركات الخاصة والتي تطرح أسهمها للتداول العام".

وأوضح أن زيادة الإنتاج ستعني إنفاق المزيد على منصّات الحفر والفرق والبنى التحتية. وأكد أنه "لا يمكن القيام بأي من هذا بين ليلة وضحاها".

واستخدم الاحتياطي النفطي آخر مرة في عام 2011، عندما دفع تأثير الاضطرابات الناجمة عن انتفاضات "الربيع العربي" الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة إلى ضخ ما مجموعه 60 مليون برميل من النفط للحد من النقص والاضطراب الذي هيمن على إمدادات الطاقة حينها.

وسبق أن استخدمت الولايات المتحدة أعداداً كبيرة من براميل النفط في بضع مناسبات، فقد أذن الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، باستخدام الاحتياطي خلال حرب الخليج سنة 1991، كما سمح ابنه جورج بوش ببيع 11 مليون برميل في أعقاب إعصار كاترينا.

التركيبة الكيميائية بين النفط الصخري المستخرج في الولايات المتحدة والبترول السعودي متباينة
التركيبة الكيميائية بين النفط الصخري المستخرج في الولايات المتحدة والبترول السعودي متباينة

وترسل السعودية، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، حوالي سبعة ملايين برميل من النفط الخام يوميا حول العالم.

ويتم سد قدر كبير من العجز الأميركي من كندا لكن البعض لا يزال يأتي من السعودية والعراق ودول الخليج الأخرى لأن معظم معامل التكرير الأمريكية تفضل نفطهم. ومعامل التكرير الأخرى، خصوصا المعامل في كاليفورنيا، معزولة عن حقول النفط الأميركية الكبيرة ويتعين عليها أيضا الاعتماد على الاستيراد.

ووفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن عدم التناسب بين ما تحتاجه معامل التكرير الأميركية وما تنتجه الولايات المتحدة يعني أن الولايات المتحدة استوردت في عام 2018 ما متوسطه 48 مليون برميل شهريا من النفط الخام ومنتجات البترول من منطقة الخليج.

وهو ما يتناقض ما تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي قال فيها إن الولايات المتحدة أصبحت منتجا كبيرا للنفط لم يعد في حاجة للنفط من الشرق الأوسط.

والاثنين، قال ترامب ضمن سلسلة من التغريدات على تويتر بشأن الهجمات التي وقعت على منشأتي نفط في السعودية "نظرا لأننا حققنا أداء جيدا في مجال الطاقة خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحنا المنتج الأول للطاقة في العالم. لا نحتاج إلى نفط وغاز الشرق الأوسط"، وأضاف "في الواقع لدينا عدد قليل جدًا من الناقلات هناك، لكننا سوف نساعد حلفائنا!".

ويرى مراقبون أن مصداقية الولايات المتحدة تبدو على المحك إذا لم تتمكن بعد هذه الهجمات من ردع قوي لإيران، التي ستتمادى في تهديد واشنطن وحلفائها في المنطقة خصوصا أن الهجمات التي ينتظر أن تكشف السعودية عن مكان اطلاقها، تهدف أساس لصرف نظر العالم عن حجم الانهيار الاقتصادي الذي تتعرض له إيران بسبب العقوبات المفروضة عليها التي وصلت إلى حد تصفير نفطها وأيضا عن خطورة استئنافها لبرنامجها النووي.

وتشير بيانات الحكومة الأمريكية إلى رواية مختلفة عن التي أراد ترامب التسويق لها فالطفرة الأمريكية في عمليات الحفر المدفوعة بالتكنولوجيا والتي بدأت منذ أكثر من عشر سنوات جعلت الولايات المتحدة منتجا كبيرا لكن الواردات من النفط الخام ومنتجات البترول القادمة من منطقة الخليج العام الماضي ما زالت تتدفق بوفرة.

الس

وقال رئيس مجموعة "شيفرون" الأميركية مايك ويرث في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" إنه "لا يمكن الضغط على زر ورؤية مزيد من النفط يتدفق إلى السوق في الحالات الطارئة مثل التي وقعت في السعودية. إن الأمر يستغرق إقامة منصّات جديدة أشهراً" لإتمامه.

وأضاف أنه "لا يزال من المبكر تقييم تداعيات الهجوم على المنشأتين السعوديتين على السوق، إلا أن المعطيات الأساسية لم تتغير".

ويؤكد هارولد هام من شركة "كونتينانتال ريسورسز" لإنتاج النفط في أوكلاهوما أن الخلل الذي طرأ على إنتاج النفط السعودي ليس إلا حدثًا طارئًا.

وقال لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية "نريد تلبية الطلب بكل تأكيد"، لكن حدوث "خلل أو حالات نقص قصيرة الأمد" لن يغيّر ميزانية الشركة السنوية. وأضاف "سنبقي الوضع على حاله في الوقت الراهن".

وقال آر تي ديوكس من "وود ماكنزي" للبحوث والخدمات الاستشارية إن التوقعات بشأن الطلب لا تبدو متفائلة وسط مخاوف من أن يتسبب ضعف الاقتصاد بفائض بالإمدادات العام المقبل.

وأوضح أن ذلك لا يتغيّر بفعل "حادث قصير الأمد"، مضيفًا أن أي زيادة سريعة في الاستثمار "تحتاج لأسعار نفط مستدامة وأعلى بكثير مما هو الحال عليه الآن".

ويتحفّظ المنتجون الأقل حجمًا إذ يضغط الدائنون عليهم منذ عدة أشهر لخفض الإنفاق وزيادة إيراداتهم.

ورغم التباطؤ الذي شهده إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة، لا يزال في طور النمو. ويتوقع أن يصل إلى 13 مليون برميل في اليوم في الربع الأول من العام المقبل، مقارنة بنحو 11.8 مليون برميل في اليوم هذه السنة، وفق أرقام رسمية.

المنتجون سيستفيدون على الأرجح من ارتفاع الأسعار
المنتجون سيستفيدون على الأرجح من ارتفاع الأسعار 

ومع تشغيل أنابيب نفط جديدة، تخلّصت البلاد من إحدى أبرز العراقيل في طريق زيادة الإنتاج --غياب البنية التحتية لإيصال الخام من "برميان بيزن"، وهي منطقة غنية بالنفط تشمل أجزاء من تكساس ونيو مكسيكو، إلى خليج المكسيك.

مع ذلك، يشير ميرسر إلى أن سقف قدرات التصدير حاليًا في الموانئ الأميركية في خليج المكسيك يبلغ 4.5 مليون برميل في اليوم.

وأشار كذلك إلى التباين في التركيبة الكيميائية بين النفط الصخري المستخرج في الولايات المتحدة والبترول السعودي.

وبينما لا يتوقع المنتجون على المدى القصير زيادة الإنفاق الاستثماري، سيستفيدون مع ذلك من ارتفاع الأسعار التي قفزت بنحو 15 بالمئة الاثنين قبل تراجعها بشكل طفيف الثلاثاء.

وفي الوقت الراهن، يتوقع أن يساعد ارتفاع الأسعار على التخفيف من تداعيات أي انخفاض مستقبلي فيها.

ورغم أن الهجمات كان هدفها إرباك امدادات النفط العالمي عبر السعودية التي كانت تعوض الإمدادات الإيرانية في الأسواق بعد تشديد واشنطن عقوباتها على النفط الإيراني، إلا أن الرياض الي تمتلك احتياطات تبلغ نحو 188 مليون برميل، أي ما يعادل طاقة المعالجة في بقيق لمدة 37 يوما تقريبا، استطاعت أن تسيطر على الأمور منذ البداية.

وأشاد رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديمترييف اليوم الأربعاء بالتعافي السريع لإنتاج نفط أرامكو بعد الهجوم، وقال إن شركات روسية عرضت المساعدة في إصلاح الأضرار.

وقال ديمتيرييف "التعافي السريع جدا لإنتاج السعودية يسلط الضوء على احترافية أرامكو الشديدة وصمودها بقوة في مواجهة هجوم كبير على قطاع النفط والاقتصاد العالمي".

وساهم ديمترييف في صياغة اتفاق خفض إنتاج النفط الروسي المشترك مع أوبك في 2016. ويساعد ديمترييف في الإعداد لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرياض في أكتوبر تشرين الأول.

وقال إن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والسعودية للمساهمة في تحقيق الاستقرار بأسواق النفط ستستمر.

وأضاف أن "عدد من الشركات الروسية عرضت المساعدة على الشركاء السعوديين لتجاوز الأضرار الجسيمة الناجمة عن الهجمات".

ويقول مراقبون إن هذا التعاون بين روسيا والسعودية لا يمكن أن يبقي واشنطن دون تحرك جدي يحمي مصالحها ومصالح حلفائها في الشريق الأوسط من التهديد الإيراني وطموح موسكو في توسيع نطاق هيمنتها هي الأخرى.