حملة تاريخية على التهاب الكبد تعيد تشكيل خارطة مصر الصحية

ملايين المصريين يتقاطرون على المراكز الطبية لإجراء فحوص على المرض الاكثر انتشارا بالبلاد والتداوي مجانا، ضمن مرحلة اولية من خطة تشمل 50 مليون مواطن.
مصر تعاني من أعلى معدل من الإصابات بالفيروس في العالم
اكثر من اربعة بالمئة من سكان مصر البالغين مصابون
عدد المصابين بالمرض في المناطق الريفية أكثر مقارنة بالمناطق الحضرية
الأدوية المضادة تشفي اكثر من 95 بالمئة من المصابين
فحص مجاني وعلاج لكل من بلغ 18 عاما فأكبر
البنك الدولي هو الممول الرئيسي للحملة
11.5 مليون شخص أجروا الفحوصات خلال المرحلة الأولى للحملة

ميت نما (مصر) - عندما سمعت هويدا مبروك عن حملة تنظمها الحكومة المصرية لفحص ملايين المواطنين بالمجان للكشف عن مرضى التهاب الكبد "سي"، لم تكن ترغب في إجراء الفحص، لكنها غيرت رأيها بعدما بدأ كثيرون من أقاربها ومعارفها في التوافد على المراكز الطبية لإجراء الفحص.

وقالت هويدا بالوحدة الصحية بقرية ميت نما التابعة لمحافظة القليوبية المجاورة للقاهرة من الشمال "في الأول كنت خايفة مكنتش عايزة اجي بس لما لقيت كل الناس بتيجي قلت نيجي احنا كمان... كنت خايفة من الاكتشاف لو في فيروس".

وبعد إجراء اختبار دم سريع استغرقت نتيجته نحو خمس دقائق لتظهر، أدخلت ممرضة السرور إلى قلب هويدا وأبلغتها أنها خالية من التهاب الكبد "سي".

وأطلقت مصر في أكتوبر/تشرين الأول حملة لم يسبق لها مثيل لفحص أكثر من 50 مليون مواطن بالغ للكشف عن مرض التهاب الكبد "سي" ولعلاجهم بالمجان في إطار تعهدها بالقضاء على المرض بحلول عام 2022.

ويصف مسؤولون مصريون انتشار التهاب الكبد "سي" بأنه أحد أخطر التحديات الصحية في البلاد، ويقولون إن القضاء عليه أولوية.

ويقول البنك الدولي إن مصر، التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة تقريبا، بها أعلى معدل من الإصابات بفيروس التهاب الكبد الوبائي "سي" في العالم ويعاني منه 4.4 بالمئة من سكان مصر البالغين بحسب مسح عشوائي. ويتسبب المرض في وفاة 40 ألف مصري سنويا مما يجعله ثالث سبب رئيسي للوفاة بعد مرض القلب والأمراض الدماغية الوعائية.

وتشمل الحملة أيضا اختبارات مجانية للكشف عن الأمراض غير السارية الأساسية وهي السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة. وهذه الأمراض مسؤولة عن حوالي 70 بالمئة من الوفيات في مصر.

"سبق صحي للتاريخ"

تستمر الحملة حتى أبريل/نيسان وتجري على ثلاث مراحل تشمل كل مرحلة عددا من المحافظات.

وقال جون جبور ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر "هذه المبادرة مبادرة ضخمة جدا وفيها أعداد هائلة من الناس وستساهم في تغيير الخريطة الصحية لمصر. يتم التخلص من أكبر مشكلتين صحيتين وهما فيروس "سي" وكل عوامل الخطورة والأمراض غير السارية الأساسية".

ووصف المبادرة بأنها "سبق صحي سوف يسجله التاريخ".

ووفقا للمنظمة فإن التهاب الكبد "سي" مرض ينتج عن فيروس ينتقل عبر الدم. وعادة فإن عدوى فيروس التهاب الكبد "سي" الحادة لا تكون مصحوبة بأعراض لكن تتطور حالة عدد كبير من الأشخاص المصابين بعدوى مزمنة ليصابوا بتشمع الكبد (تليف الكبد) أو سرطان الكبد.

ولا يوجد في الوقت الحالي لقاح لالتهاب الكبد "سي" لكن من الممكن أن تشفي الأدوية المضادة للفيروسات أكثر من 95 بالمئة من الأشخاص المصابين بالمرض. ويبلغ عدد المصابين بالمرض على مستوى العالم نحو 71 مليون شخص.

وطرق العدوى الأكثر شيوعا هي ممارسات الحقن غير الآمنة، وعدم تعقيم المعدات الطبية بطريقة ملائمة، ونقل الدم ومنتجات الدم دون فحص.

والسبب الرئيسي لانتشار التهاب الكبد الوبائي "سي" في مصر هو الاستخدام المتعدد للحقن غير المعقمة جيدا أثناء مكافحة البلاد لانتشار مرض البلهارسيا قبل عقود.

وقال البنك الدولي في تقرير صدر هذا العام إن إمدادات الدم في مصر يتم اختبارها بتقنية لا تكتشف معظم الإصابات، وخاصة فيروس التهاب الكبد "سي".

ولا تقتصر الحملة، التي يطلق عليها مبادرة رئيس الجمهورية للقضاء على فيروس "سي" والكشف عن الأمراض غير السارية، على الفحص المجاني لكل من بلغ 18 عاما فأكبر، لكنها تشمل أيضا تقديم العلاج المجاني للمصابين بهذه الأمراض.

وتصاحب المبادرة حملة إعلانية ضخمة في وسائل الإعلام المختلفة بالإضافة إلى الملصقات والمطبوعات التي تنتشر في كل مكان لتشجيع المواطنين على المشاركة.

وغزت اللافتات والملصقات، التي تحمل شعار المبادرة وهو (100 مليون صحة) وصورة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الكثير من شوارع القاهرة التي وصلتها الحملة مع انطلاق المرحلة الثانية يوم السبت.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي إن 11.5 مليون شخص أجروا الفحوصات خلال المرحلة الأولى للحملة التي استمرت شهرين. وأضاف أن النتائج أظهرت إصابة خمسة بالمئة منهم بالتهاب الكبد "سي".

وقالت وزيرة الصحة هالة زايد إن النتائج حتى الآن تظهر أن عدد المصابين بالمرض في المناطق الريفية أكثر مقارنة بالمناطق الحضرية.

وفي يوم أحد خلال نوفمبر/تشرين الثاني، توافد عشرات الأشخاص أغلبهم نساء على الوحدة الصحية بقرية ميت نما لإجراء الاختبارات المجانية.

وقالت هند سعد وهي ربة منزل تبلغ من العمر 30 عاما وأنجبت أحدث أطفالها في الآونة الأخيرة "جيت علشان اطمن على صحتي، وطبعا لسة والدة، وعلشان ما اضرش ابني اللي لسة مولود".

وأضافت أنها انتبهت لأهمية الحملة عندما علمت باكتشاف خالتها إصابتها بالتهاب الكبد "سي" بعد إجراء الاختبارات.

نقاط فحص متحركة

سيارة طبية ضمن حملة مصر للقضاء على التهاب الكبد 'سي'
نقاط متحركة لإجراء الفحص في كنائس ومساجد ومراكز شباب وحتى في الشوارع والأسواق ومحطات المترو

البنك الدولي هو الممول الرئيسي للحملة وتساهم الحكومة المصرية بجزء من ميزانيتها. ووفقا لبيان لمجلس الوزراء فقد قدم البنك الدولي 133 مليون دولار للمسح و129 مليون دولار لعلاج المرضى.

وقال البنك إنه يأمل في نقل التجربة المصرية في هذا المجال إلى دول أخرى.

وبسبب قلة المراكز الطبية الحكومية فقد لجأت وزارة الصحة إلى إقامة نقاط متحركة لإجراء الفحص في كنائس ومساجد ومراكز شباب وحتى في الشوارع والأسواق ومحطات مترو الأنفاق.

وفي قرية بيجام المتاخمة لميت نما، تستضيف كنيسة نقطة فحص متنقلة كل يوم أحد لتيسر على المصلين إجراء الفحص بعد انتهاء قداس الأحد. وتستقبل الكنيسة جيرانها المسلمين الراغبين في إجراء الفحص.

وقال القمص اشعياء عبد السيد راعي كنيسة الشهيدة دميانة والأنبا توماس السائح "الدور ده كان المفروض من بدري قوي قوي... لكن كويس أن الريس فكر فيه في الفترة دي أنه يعمل مسح شامل للمصريين عشان فيروس سي نتخلص منه".

وأضاف "بما أن المستشفيات مش منتشرة في كل منطقة فكل ما نقدر نساعد أن احنا نفتح مكان يحصل فيه تحليل بنساعد المنطقة بحالها... أنا لو عندي إمكانيات كنت افتح كل يوم بس مفيش إمكانيات عمالة كفاية عشان افتح كل يوم".

ويفتقر سكان المناطق الريفية في مصر بشكل عام إلى الخدمات الصحية الملائمة مقارنة بسكان الحضر. ولا توجد وحدات صحية في بعض القرى.

وقالت وزيرة الصحة هالة زايد "هناك الكثير من المشكلات لكننا نريد أن نضع أولويات، نحتاج إلى أن نبدأ بمبادرة إيجابية... بشيء يلمسه كل السكان".

وأضافت أن استراتيجية الحكومة في مكافحة التهاب الكبد "سي" هي فحص وعلاج كل البالغين في وقت واحد حتى لا يتمكن المرض من الانتشار مرة أخرى.

وقالت "لما نعمل مسح للناس كلها في وقت واحد ونعالجهم في وقت واحد يبقى نسب الانتشار هتقل كلها مرة واحدة لكن لو عملت مسح وعلاج لبعض الناس وسبت (تركت) الباقي فالباقي... ممكن يعدوا".

ولفتت إلى تبني الوزارة إجراءات لمكافحة انتقال العدوى في المستشفيات والمراكز الصحية.