حملة تضليل وخداع أتاحت لحماس تنفيذ عملية طوفان الأقصى

مصدر مقرب من حماس يكشف أن الحركة أنشأت ما يشبه مستوطنة إسرائيلية في قطاع غزة للتدريب فيها على الإنزال العسكري والاقتحام، بينما كانت إسرائيل 'تعتقد أنها تفلح في احتواء الجماعة'.

القدس -  مثل الهجوم الذي شنته حركة حماس وأطلقت عليه طوفان الأقصى وأسفر عن مئات القتلى الإسرائيليين فشلا ذريعا لجهاز إسرائيل الاستخباراتي الذي لطالما شكل مصدر فخرها، فيما انتقد مسؤولون كبار في الدولة العبرية السياسة المنتهجة تجاه الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة.

وأدت حملة تضليل وخداع صُممت بدقة إلى مباغتة إسرائيل عندما شنت حركة حماس هجومها المدمر مما مكن قوة تستخدم جرافات وطائرات شراعية ودراجات نارية من توجيه ضربة موجعة لأقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط.

ويأتي هجوم يوم السبت بعد خداع دام عامين أبقت فيهما حماس خططها العسكرية طي الكتمان وأقنعت إسرائيل بأنها لا تريد القتال، فيما اعتبرت هذه العملية أكبر اختراق لدفاعات إسرائيل منذ حرب أكتوبر تشرين الأول عام 1973.

وقال مصدر مقرب من حماس إنه "بينما كانت إسرائيل تعتقد أنها تفلح في احتواء حماس المنهكة بسبب الحروب من خلال توفير حوافز اقتصادية للعمال من قطاع غزة، كان مقاتلو الحركة يتدربون ويصقلون مهاراتهم على مرأى ومسمع من الجميع غالبا".

وتابع "أعطت حماس إسرائيل الانطباع أنها ليست مستعدة للقتال"، واصفا الهجمات بـ"الأكثر ترويعا" منذ حرب أكتوبر قبل 50 عاما عندما فاجأت مصر وسوريا إسرائيل ودفعتاها للقتال للحفاظ على بقائها.

وقال المصدر "حماس اعتمدت على أسلوب استخباراتي غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية وأعطت انطباعا أنها غير معنية بالدخول في معركة أو مواجهة مع إسرائيل وفي نفس الوقت كانت تحضر لهذه العملية الضخمة".

وتعترف إسرائيل بأن الهجوم أخذها على حين غرة فعلا خاصة أنه وقع يوم سبت وتزامن مع عطلة دينية. واقتحم مقاتلو حماس بلدات إسرائيلية ومستوطنات مما أسفر عن مقتل مئات من الإسرائيليين وأسر العشرات حتى الآن. وقتلت إسرائيل مئات الفلسطينيين أيضا في ردها وتمطر قطاع غزة بالصواريخ والقذائف منذ ذلك الحين، أما المصابون فهم بالآلاف.

وقال الميجر نير دينار وهو متحدث باسم الجيش الإسرائيلي "هذا هو الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة لنا لقد تمكنوا منا"، مضيفا "لقد فاجؤونا وجاؤوا بسرعة من عدة مواقع... من الجو والبر والبحر".

وقال أسامة حمدان ممثل حركة حماس في لبنان "الكل لازم يعرف إن فيه إرادة فلسطينية قادرة على أنها تحقق أهدافها بغض النظر عن قدرة وقوة إسرائيل العسكرية".

وكشف المصدر المقرب من حماس أن الحركة أنشأت ما يشبه مستوطنة إسرائيلية في قطاع غزة للتدريب فيها على الإنزال العسكري والاقتحام حتى أنهم صوروا مقاطع فيديو لتلك التدريبات.

وقال المصدر "التدريب ليس سريا وإسرائيل كانت شايفة (ترى) التدريبات لكن هم اقتنعوا بذهنهم إن هايدي الحركة لا ترغب أن تدخل في مواجهة".

وفي الوقت نفسه، سعت حماس إلى إقناع إسرائيل بأن كل ما يهمها هو حصول العمال في قطاع غزة على فرص عمل عبر الحدود وأنها ليس لديها مصلحة في بدء حرب جديدة. ويعيش أكثر من مليوني نسمة في قطاع غزة محدود المساحة.

وقال المصدر "استطاعت حماس أن ترسم صورة كاملة أنها غير مستعدة لخوض مغامرة عسكرية ضد إسرائيل".

وتسعى إسرائيل، منذ حرب خاضتها عام 2021 مع حماس إلى توفير مستوى بسيط أساسي من الاستقرار الاقتصادي في القطاع من خلال تقديم حوافز شملت منح الآلاف من تصاريح العمل حتى يتمكن سكان غزة من العمل في إسرائيل أو الضفة الغربية، حيث يمكن أن تزيد الأجور في مجالات البناء والزراعة والخدمات عن الأجور الأساسية في القطاع بعشرة أمثال تقريبا.

وقال متحدث آخر باسم الجيش الإسرائيلي "اعتقدنا أن مجيئهم للعمل والعودة بالأموال إلى غزة سيجلبان مستوى معينا من الهدوء. كنا مخطئين".

واعترف مصدر أمني إسرائيلي بأن حماس خدعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، قائلا "لقد جعلونا نعتقد أنهم يريدون المال وطوال الوقت شاركوا في التدريبات حتى حان الوقت انطلقوا وعاثوا فسادا".

"هذا هو الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة لنا لقد تمكنوا منا لقد فاجؤونا وجاؤوا بسرعة من عدة مواقع.. من الجو والبر والبحر".

وفي إطار خدعها خلال العامين الماضيين، لم تنفذ حماس أي عمليات عسكرية ضد إسرائيل حتى عندما شنت حركة الجهاد الإسلامي المتمركزة في القطاع أيضا سلسلة هجمات وضربات صاروخية.

وقال المصدر إن إحجام حماس عن المشاركة أثار انتقادات علنية من بعض داعميها وكان هذا يهدف أيضا إلى خلق انطباع بأن الحركة لديها مشاغل اقتصادية ولا تضع في ذهنها شن حرب جديدة.

وفي الضفة الغربية التي يسيطر عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح التي يتزعمها، سخر البعض من حماس بسبب التزامها الصمت. وفي بيان نشرته حركة فتح في يونيو/حزيران 2022 اتهمت قيادات حماس بالفرار إلى عواصم عربية للعيش في "فنادق وفيلات فخمة" تاركين شعبهم فريسة للجوع في قطاع غزة.

وقال مصدر أمني إسرائيلي ثان إن إسرائيل اعتقدت لفترة أن زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار منشغل تماما بإدارة شؤون القطاع "بدلا من قتل اليهود". وأضاف أن إسرائيل في هذا الوقت حولت تركيزها بعيدا عن حماس ووجهته صوب تطبيع العلاقات مع السعودية.

ولطالما تفاخرت إسرائيل بقدرتها على اختراق الجماعات الإسلامية ومراقبتها. ونتيجة لذلك، قال المصدر المقرب من حماس إن جزءا مهما من الخطة كان يتمثل في تجنب التسريبات.

وأضاف المصدر أن عددا من قادة حماس لم يكونوا على علم بخطط الهجوم وحتى في أثناء التدريب لم يكن لدى المقاتلين الذين شاركوا في العملية والبالغ عددهم نحو ألف مقاتل أي فكرة عن الغرض المحدد لتلك التدريبات.

وقال المصدر إن العملية انقسمت إلى أربعة أجزاء عندما حان وقت الهجوم، كاشفا أن الخطوة الأولى تمثلت في إطلاق ثلاثة آلاف صاروخ من قطاع غزة بالتزامن مع توغل مقاتلين بطائرات شراعية وهي مركبات صغيرة محمولة بمظلات عبر الحدود. وقالت إسرائيل من قبل إن عدد الصواريخ التي انطلقت من القطاع في البداية كان 2500.

وبمجرد نزول المقاتلين الذين كانوا يستخدمون الطائرات الشراعية على الأرض أمنوا المنطقة حتى تتمكن وحدة كوماندوز من اقتحام الجدار الإلكتروني المحصن المصنوع من الأسمنت الذي بنته إسرائيل لمنع التسلل.

واستخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق الحواجز ثم عبروها مسرعين على دراجات نارية. ووسعت الجرافات الفجوات ودخل المزيد من المقاتلين بسيارات دفع رباعي، وهي المشاهد التي وصفها الشهود.

وقال المصدر إن وحدة كوماندوز هاجمت مقر القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي وشوشت على اتصالاته ومنعت الأفراد من الاتصال بالقادة أو التواصل مع بعضهم.

وتابع أن الجزء الأخير من الخطة شمل نقل الأسرى إلى غزة وهو ما تحقق في الغالب في وقت مبكر من الهجوم.

وفي إحدى عمليات احتجاز الأسرى التي تناقلتها كثير من وسائل الإعلام، أسر المسلحون بعض من حضروا حفلا أثناء فرارهم بالقرب من كيبوتس رعيم قرب غزة. وأظهرت لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات يركضون في حقول وعلى طرق مع سماع دوي أعيرة نارية.

وتساءل المصدر الأمني الإسرائيلي "كيف يمكن تنظيم هذا الحفل بهذا القرب؟" من قطاع غزة، مضيفا أن "القوات الإسرائيلية لم تكن بكامل قوتها في الجنوب قرب غزة بسبب إعادة نشر بعضها في الضفة الغربية لحماية المستوطنين الإسرائيليين في أعقاب تصاعد أعمال العنف بينهم وبين مسلحين فلسطينيين" وهو ما استغلته حماس.

وقال دينس روس المفاوض السابق في الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن إسرائيل انشغلت بالعنف في الضفة الغربية، مما أدى إلى "وجود محدود مفتقر للجاهزية الكافية في الجنوب".

وأضاف "ربما نجحت حماس بما يتجاوز توقعاتها والآن سيتعين عليها التعامل مع إسرائيل المصممة على القضاء عليها".

وقال الجنرال المتقاعد ياكوف عميدرور مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للصحفيين الأحد إن الهجوم هو بمثابة "إخفاق جسيم لنظام المخابرات والجهاز العسكري في الجنوب".

وقال عميدرور الذي كان رئيسا لمجلس الأمن القومي من أبريل/نيسان 2011 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وهو الآن زميل كبير في معهد القدس للإستراتيجية والأمن إن بعض حلفاء إسرائيل كانوا يقولون إن حماس صار لديها "مسؤولية أكبر".

وأضاف "لقد بدأنا بغبائنا نعتقد أن هذا صحيح لذلك ارتكبنا خطأ. لن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى وسندمر حماس ببطء لكن بالتأكيد".