حملة على 'منابر التطرف' تمتد من فرنسا إلى النمسا

الحكومة النمساوية تأمر بإغلاق ما وصفتها بـ"المساجد المتطرفة" بعد أربعة أيام من الهجوم الذي نفذه أحد المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة مزدحمة في العاصمة فيينا.
النمسا تحذو حذو فرنسا في حملة على منابر تروج للتطرف
قرار النمسا بإغلاق مساجد تنشر "التطرف" يأتي قبل أيام من زيارة ماكرون لفيينا
حكومات غربية تلتفت متأخرا لجماعات إسلامية منحتها ملاذات تحت غطاء المظلومية

فيينا/باريس - امتدت الحملة على المنابر التي يعتقد أنها تروج لخطابات الكراهية والتطرف من فرنسا إلى النمسا على وقع آخر هجومين إرهابيين في البلدين، فيما يتوقع أن تحذو دول أوروبية على هذا المنوال حيث تُكثف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فيها عمليات المراقبة لمشتبه بتطرفهم ولمساجد وجمعيات يشتبه في ترويجها للتطرف وهي مرتبطة بجماعات إسلامية أو بجمعيات خيرية لها صلة بنشر التشدد االديني.

ويبدو أن فيينا التي لم تشهد من قبل اعتداءات إرهابية وتعرف بالمدينة الوادعة ستحذو حذو باريس التي كانت دشنت حملة أمنية لمحاصرة بؤر التشدد الديني على أراضيها واتخذت قرارات بإغلاق مسجد وجمعية الشيخ ياسين المرتبطة بحركة حماس وتدرس إغلاق جمعيات إسلامية.

وأمرت الحكومة النمساوية بإغلاق ما وصفتها بـ"المساجد المتطرفة" بعد أربعة أيام من الهجوم الذي نفذه أحد المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة مزدحمة في العاصمة فيينا، حسبما ذكرت مصادر في وزارة الداخلية.

وستقدم الحكومة المزيد من التفاصيل في مؤتمر صحافي بعد ظهر الجمعة لوزيرة العبادة والاندماج سوزان راب ووزير الداخلية كارل نيهامر.

وأكدت 'الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا'، أكبر منظمة تمثل المسلمين وتدير 360 مسجدا في هذا البلد في بيان أنها أغلقت مكانا للعبادة "مخالفا لعقيدتها".

وقال رئيسها أوميت فورال إن "الحرية رصيد ثمين في بلدنا، يجب علينا حمايتها من الانتهاكات بما في ذلك عندما تخرج من صفوفنا".

وبعد الهجوم الذي أودى بحياة أربعة أشخاص في وسط العاصمة، أكد المستشار المحافظ سيباستيان كورتس عزمه على محاربة "الإسلام السياسي"، معتبرا أنه "عقيدة تشكل خطرا على  النموذج الأوروبي للحياة". وقامت الشرطة باعتقال 16 رجلا بعضهم معروفين من قبل القضاء بسبب مخالفات طابعها إرهابي.

وقالت المتحدثة باسم النيابة نينا بوسيك الجمعة، إنه تم الإفراج عن ستة من هؤلاء المشتبه بهم بسبب تعذر صحة إثبات الشكوك المتعلقة بهم.

وأعلن قائد الشرطة في فيينا الجمعة أنه تم توقيف رئيس مكافحة الإرهاب في العاصمة عن العمل بعد أربعة أيام من الاعتداء الارهابي وكشف وجود ثغرات في مراقبة منفذ الهجوم.

وقال غيرهارد بورستل للصحافيين إن المسؤول إيريك زويتلر "طلب مني أن أوقفه عن العمل لأنه لا يريد أن يكون عقبة في التحقيق".

ويأتي قرار النمسا بإغلاق المساجد التي تقول إنها تروج لخطابات التطرف والكراهية قبل أيام قليلة من زيارة خاطفة يعتزم الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون القيام بها لفيينا لبحث خطر الجهاديين وتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب.

ويزور ماكرون العاصمة النمساوية الاثنين القادم حيث يلتقي المستشار سيباستيان كورتز للتباحث في مسألة مكافحة الإرهاب عقب الهجوم الذي تعرضت له فيينا وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية.

وكان متحدث باسم الحكومة النمساوية قد قال أول أمس الأربعاء "تم الاتفاق على زيارة قصيرة مساء الاثنين"، موضحا أنّ المسؤولين سيتناولان مسائل "المقاتلين الجهاديين وحماية الحدود الخارجية لأوروبا وأيضا تركيا".

ودعا الرئيس الفرنسي أمس الخميس إلى تشديد الرقابة على الحدود في منطقة شينغن بالاتحاد الأوروبي بعد هجمات شنها إسلاميون متطرفون في الفترة الأخيرة في فرنسا والنمسا.

هجوما نيس وفيينا يثيران مخاوف في أوروبا من اعتداءات أشد دموية
هجوما نيس وفيينا يثيران مخاوف في أوروبا من اعتداءات أشد دموية

وقال ماكرون خلال زيارة لحدود فرنسا مع إسبانيا، إن فرنسا ستعزز السيطرة على الحدود بمضاعفة عدد أفراد الشرطة إلى 4800 فرد، مضيفا أن تعزيز السيطرة على الحدود يستهدف الهجرة غير الشرعية وسط "تهديد الإرهاب المتنامي".

وتابع "أُفضل إعادة تأسيس متعمقة لمنطقة شينغن لإعادة النظر في تنظيمها وتعزيز أمن حدودنا المشتركة".

ويبدو أن هناك تنسيق في الإجراءات بين النمسا وفرنسا لمحاصرة ظاهرة التطرف على أراضيهما.

وتجمع كل المؤشرات وأراء خبراء في مكافحة التطرف أن أوروبا لاتزال معرضة لخطر الإرهاب وأن هناك ثغرات قانونية وأمنية أتاحت لمتطرفين دينيا تنفيذ اعتداءات إرهابية.

وتجري حكومات أوروبية مراجعات تتعلق بجماعات إسلامية وجدت لها ملاذا تحت غطاء المظلومية في دول المنشأ وتوسعت لاحقا مرسخة أقدامها في أوروبا مستفيدة من قانون الحريات بما فيها حرية المعتقد ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين التي منحتها بريطانيا لعقود ملاذ آمن لتكشف تحقيقات استخباراتية أنها أسست شبكات وخلايا ممتدة من ألمانيا إلى فرنسا تعمل على تفكيك النسيج المجتمعي الأوروبي وتنشر أفكارا متطرفة.  

وفي الوقت الذي تواصل فيه السلطات النمساوية التحقيقات لتفكيك لغز الاعتداء الإرهابي وما إذا كانت مجموعة متطرفة خططت له أو أنه تم على طريقة 'الذئاب المنفردة'، تمضي فرنسا بدورها في إجراءات قضائية لتفكيك لغز ذبح الأستاذ صامويل باتي.

ويمثل شابان وشابة عمرها 17 عاما أمام قاض فرنسي الجمعة في إطار التحقيق في مقتل باتي بقطع الرأس بعدما عرض خلال حصة دراسية رسوما كاريكاتورية للنبي محمد، حسبما أعلنت مصادر قضائية.

والمشتبه بهم الثلاثة الذين تم توقيفهم الثلاثاء، يواجهون تهمة "الارتباط بمجرمين إرهابيين" عقب مقتل الأستاذ صامويل باتي قرب مدرسته بضواحي باريس الشهر الماضي.

وقتل باتي البالغ من العمر 47 عاما، بقطع الرأس على يد شاب شيشاني عمره 18 عاما، بعد حملة على منصات التواصل الاجتماعي نددت بعرضه الرسوم التي أعادت مجلة شارلي إيبدو الساخرة نشرها، في إطار حصة حول حرية التعبير.

وأثار مقتله عاصفة من الغضب دفعت بالرئيس إيمانويل ماكرون لشن حملة تستهدف "التطرف الإسلامي" والعنف، في بلد تعرض لموجة من الاعتداءات الجهادية منذ 2015 أودت بأكثر من 250 شخصا.

ويعتقد أن أحد الرجلين وكلاهما في الـ18 من العمر، تبادل رسائل نصية مع قاتل باتي ويدعى عبدالله أنزوروف، الذي قُتل بنيران الشرطة بعد الاعتداء.

والثلاثة أوقفوا في أماكن منفصلة بشرق فرنسا، وفق أحد المصادر على بعد مئات الكيلومترات عن كونفلان سانت اونورين حيث قتل باتي وكذلك عن مدينة إيفرو في منطقة النورماندي حيث كان يقيم أنزوروف.

وقد وجهت في إطار التحقيق الاتهامات لسبعة أشخاص من بينهم مراهقان يبلغان 14 و15 عاما، متهمان بإرشاد القاتل إلى باتي.

وبين المتهمين أيضا متشدد إسلامي معروف لدى الشرطة، ساعد والد أحد التلاميذ الغاضبين في إطلاق حملة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووُجه الاتهام إلى الوالد أيضا وكذلك إلى أربعة أشخاص آخرين يشتبه في أنهم ساعدوا أنزوروف في تنفيذ عملية القتل.

والجمعة قال المدعون في مدينة كامبري (شمال) إن ثلاثة تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما، وجهت لهم تهمة "دعم الإرهاب" على خلفية تهديدات أطلقوها خلال مراسم تأبين وطنية لباتي الاثنين.

ووردت أنباء عن حوادث مشابهة في العديد من المدن الفرنسية، حيث اعتبر شبان أن باتي استحق ما حل به لأنه عرض رسوم شارلي إيبدو التي أغضبت العديد من المسلمين وأثارت تظاهرات غاضبة في العديد من الدول.

وأعادت شارلي إيبدو نشر الرسوم في سبتمبر/أيلول بالتزامن مع بدء محاكمة 14 مشتبها بهم متهمين بالتواطؤ في الاعتداء الذي نفذه جهاديان على المجلة في يناير/كانون الثاني 2015 والذي أودى بحياة 12 شخصا.

وصرح وزير التعليم جان ميشال بلانكيه لإذاعة آر تي إل الجمعة بأنه أفيد عن نحو 400 حادثة مشابهة وقعت خلال مراسم تأبين باتي "البعض تم التعبير عنها باعتدال وأخرى بقوة"، لكن التحرك القضائي لن يشمل سوى قرابة 12 قضية، بحسب بلانكيه.