حين يتاجر الخطاب الديني بمفردات لا دينية!

صار لثورة العرب 2011 نفحة كلاسيكية تستحضر في كل مرة عصر النبي والصحابة، في ظرفية لا صلة لها بتاتا بالماضي.
للإعلام السياسي دور في تحوير الحقيقة وللديني محاولات لتأسيس مضامين جديدة
مستقبل المجتمعات العربية لا يُبشر بخير ما دامت الحقيقة تظهر على التلفاز وتُقتَل في الكتب

الرباط - اعتبر باحث مغربي متخصص بالفلسفة الإسلامية أن قوى الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي، تبرر تحالفها المفترض في وسائل الإعلام بكثافة، لتحسين صورتها في عين مريدي الجماعة الدينية، وتسهيل الظفر بحصة في غنيمة السلطة.
وقال إبراهيم ونزار أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني، إن جماعات الإسلام السياسي تعمل على تنزيل المشاريع الموصى بها من طرف المرجعيات التاريخية والروحية للتيار السياسي الديني، لإقناع العامة من المسلمين، ذوي الثقافة الدينية البسيطة، بمستقبل البلد في ظل حكم "الإسلام المُشهَرِ به".
وتساءل ونزار الذي أصدر من قبل كتب "مفهوم الإنسان في الفلسفة الأخلاقية العربية: مسكويه أنموذجا" و"العنف خاصية إنسانية" و"الحقيقة النفسية للدين عند فرويد"، كيف استطاع الإعلام الديني والسياسي، في ظل الحراك العربي، أن يؤثث لمشروع تصنيع الآراء وتصديرها إلى كل الأقطاب العربية؟ وما العوامل المساهمة في ذلك؟ 
وهل نحن إزاء إعلام يتوسط عملية معرفة الخبر بشكل سلبي أم إيجابي؟ ألا يمكن القول إن الإعلام السياسي والديني قد أسهما أكثر في توجيه مسارات الرؤية عند الشعوب الثائرة في وجه أنظمتها، وكذا الشعوب المجاورة والمتتبعة لها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن الحديث عن "ثورة" يتحكّم في شدّتها ومدّتها الإعلام، وفي وقت يُخيّل فيه إلى المجتمع العربي أنه صانعها؟
وأجاب الباحث المغربي في دراسة بعنوان "الإعلام الديني والسياسي وصناعة الرأي في ظل الحراك العربي" تسربت خطابات الإعلام الديني والسياسي عبر قنوات مبرمجة لهذا الغرض، غايتها استهداف شريحة واسعة من المجتمعات العربية ذات الثقافة البسيطة جدا، ودليل ذلك ما تنتهجه من أشكال الإقناع والتأثير في وجدان المتلقي، مهما اختلفت توجهاته الدينية. 

الخطاب الإعلامي الديني لا يعي تهافته وهو يُصرُّ على إقحام أسس الثورة السياسية والاجتماعية الغربية في المرجعيات الدينية والتاريخية للإسلام

والأمر نفسه يتأسس في ظل الحراك العربي، إذ تجند الإعلام السياسي بخطاب الصورة والصوت، وتجند الإعلام الديني بالنقد الموازي للأوضاع، مع استبشار مصاحب "للمؤمنين" بمستقبل البلد إذا تحققت "بشرى الله". وقد استعان هذا الأخير في عمله بمرجعية التاريخ الذي يعتبره نموذجا، ومرجعية النص الذي يعتبره قاعدة إبستمولوجية. وانطلاقا من هذه المعطيات، صار التحكم في وجهة الغضب الشعبي ممكنا، سواء من جهة الإعلام السياسي أو من جهة الإعلام الديني.
ونوه ونزار إلى أن بعض الفضائيات المشهورة في عرض المستجدات السياسية تزعّمت حركة إعلامية، وصفها بالخطيرة جدا، إذ تهدف، لا إلى إيصال الخبر، ولكن إلى تأويله والتعليق عليه.
وشدد أستاذ الفلسفة في جامعة الحسن الثاني أن مستقبل البنيات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية لا يُبشر بخير، ما دامت الحقيقة تظهر على التلفاز، وتُقتَل في الكتب، معتبرا أن الأنظمة العربية المستبدة ليست لديها أي مشكلة مع هذا النوع من الإعلام، فرغم ما يدعيه الإعلام من كشف وفضح للحقائق؛ فإن هذه الأنظمة تستثمر "الرأس المال الإعلامي" لصناعة عدو مفترض، إما داخل ما يسمى بـ"التراب الوطني"، او خارجه.
وقال ونزار، بحسب ما نقلت عنه صحيفة العرب الصادرة في لندن، إن للإعلام الديني دورا كبيرا في عملية توجيه التفكير عند شريحة كبيرة من المجتمعات العربية، ذات الأغلبية المسلمة. فإن كان للإعلام السياسي دور في تحوير الحقيقة، وإعادة بنائها وفق خط تحريري معين، فإن الخطاب الإعلامي الديني، وبمناسبة كل حدث مُسْتَجِد، يحاول تأسيس مضامين جديدة.
ورأى الباحث المغربي أن منعرج الحراك العربي قد أخرج خطابا إعلاميا دينيا جديدا إلى الوجود، اخترق سياقات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، واستدمج عناصره ضمن مضامينه الخطابية، وحاول تأصيل مفاهيمه في تربة مرجعياته النصية والتاريخية، فصار لثورة العرب 2011، نفحة كلاسيكية، تستحضر، في كل مرة، عصر النبي والصحابة، في ظرفية لا صلة لها بتاتا بالماضي، ولا يوجد مفهوم واحد في كل "الثورات العربية" له علاقة بهذا الحقل الدلالي الديني (الإسلام بالتحديد).
وعبر ونزار عن استغرابه بالقول "لقد تأثر المتتبع العربي بالإعلام الديني، حتى صار فهم التحولات الجيوسياسية منوطا بالفقيه، أو كما أسماه بعض الباحثين المعاصرين "المنشط الديني"، ولا يُنْتَظَر من الخطاب الديني عمق تحليلي، ولا موضوعية حيادية في التعامل مع موضوعات القضية العربية والإسلامية، بل يُنْتَظَر منه المنافحة على المرجعيات الإسلامية أساسا".
واعتبر ذلك مكمن القوة عند الإعلام الديني؛ إذ يُشعر المتتبع المسلم، وهو في خضم "الثورة"، بخطر مؤامرات أعداء الإسلام، مع تقديم بديل سياسي يتمثل في العصر النموذجي الذي ينبغي له أن يُبعثَ الآن، ليخلص العرب من الظلم والهوان، في وقت تُرَدّد فيه شعارات المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الأقليات، وكلها مفاهيم ليست نتاج سياقات عربية ولا إسلامية، بل هي دليل على استلهام النموذج الإصلاحي والثوري الغربي، الذي بدَتْ نِعَم غنائمه على أحفاده.
واستنتج الباحث المغربي في خلاصة دراسته أن الخطاب الإعلامي الديني لا يعي تهافته، وهو يُصرُّ على إقحام أسس الثورة السياسية والاجتماعية الغربية في المرجعيات الدينية والتاريخية للإسلام. مشددا على أنه لا يمكن أن ينعم الإنسان المسلم بحرية، في صياغة موقف تجاه أوضاع الحراك العربي، إلا بعيدا عن صراخ الخطيب الإعلامي الديني، وبمنأى عن خطاب الترغيب والترهيب الذي ينتهجه.