خالد عزب يتتبع تفاصيل عمارة المساجد في المشرق والمغرب

عمارة المساجد في الإسلام بسيطة دون تكلفة تذكر، ودون عناصر تؤدي إلى إضفاء الرهبة، بل السكينة والاطمئنان.
عمارة المسجد النبوي تعبر عن البساطة والتلقائية التي يدعو إليها جهابذة العمارة في عصرنا الحاضر
عمارة المساجد تعبر عن طبيعة الإسلام كدين لا يقر واسطة بين العبد وربه
بناء المساجد عمل يرتبط ارتباطا مباشرا بالمجتمع أو البيئة التي يبنى فيها

أكد الكاتب والمؤرخ د. خالد عزب أن عمارة المساجد في الإسلامية بسيطة دون تكلفة تذكر، ودون عناصر تؤدي إلى إضفاء الرهبة، بل السكينة والاطمئنان، وهذا يعبر عن طبيعة الإسلام كدين لا يقر واسطة بين العبد وربه. 
وقال في كتابه الصادر حديثا عن مركز الكويت للفنون الإسلامية "عمارة المساجد" أن عمارة المسجد النبوي تعبر عن البساطة والتلقائية التي يدعو إليها جهابذة العمارة في عصرنا الحاضر، حيث إن الدروس والمفاهيم المستوحاة من عمارة المسجد النبوي بدءا من اختيار وشراء الأرض وتجهيزها للبناء والمشاركة فيه واستخدام المواد المتوفرة في بيئة المدينة المنورة، توضح أن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم هو المعلم الأول للمسلمين في جميع المجالات، وهو الذي يعطيهم النموذج ويترك لهم الابتكار والإبداع حسب الزمان والمكان.
وقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام بنى حجرات زوجاته ملاصقة لجدران المسجد، حيث أرسى بذلك قاعدة مهمة وهي ارتباط دار الحكم بالمسجد، وهكذا فعل حكام المسلمين من بعده مثلما فعل سعد بن أبي وقاص في الكوفة وعمرو بن العاص في الفسطاط. كما راعى أن يوزع المساجد على خطط المدينة، وبلغ عددها تسعة في خطط المهاجرين وكانت مخصصة للصلوات الخمس فقط، وقد حدد الرسول بذلك وجود نوعين من المساجد بالمدن، وهي المساجد الجامعة وتقام بها صلاة الجمعة إلى جانب الصلوات الخمس، ومساجد الخطط وتقام فيها الصلوات الخمس وهي مساجد صغيرة.
وتناول عزب في كتابه عناصر المسجد المعمارية الإسلامية وزخرفتها الداخلية والخارجية سواء منها الكتابية أو النباتية أوالهندسية، فهو مثلا حين يتناول المنبر يتوقف عند تفاصيل عناصر بنيته التركيبية، فالمنبر يتكون من كتلتين أساسيتين هما المدرج والجوسق وكل منهما يتضمن عناصر فرعية فالمدرج يشمل باب المنبر والريشتين والسلم وسياجه، والجوسق يشمل القوائم والكورنيش "الطنف" والقبة. 

خصص في حائط القبلة مكان للإمام يؤم منه المصلين ويستغل مساحة المسجد بصورة مثالية، هذا المكان هو المحراب، الذي صار معلماً لحائط القبلة في المسجد

أيضا حين يتناول المآذن كوحدة معمارية أصبحت مع القبة رمزا دالا على المسجد، يتوقف عند أشكالها وأحجامها وطرزها ومكان المؤذن والقواعد الخاصة بالآذان والمؤذنين، وهكذا يتابع كل عناصر المسجد المعمارية مؤصلا لتطوراتها عبر العصور في مختلف البلدان الإسلامية في المشرق والمغرب.  
ورأى د. عزب في سياق تناوله لزخرفة المساجد "أن بناء المساجد عمل يرتبط ارتباطا مباشرا بالمجتمع أو البيئة التي يبنى فيها، ففي البيئات التي تتوفر فيها الإمكانيات المادية لا مانع من تشييد المساجد والاهتمام بها وبتشطيباتها ولكن دون بذخ ممقوت أو خروج على قواعد الدين، ويمكن ترجمة ذلك معماريا بأن تكون اللمسات الجمالية بالمسجد في واجهاته الخارجية ومداخله، أما الداخل فيفضل البساطة في التصميم والتشطيبات والتي لا تخرج المصلين عن خشوعهم المطلوب في هذا المكان، أما في البيئات الفقيرة حيث التبرعات لبناء أماكن للصلاة، فلا يصح أن نبالغ في زخرفتها وتزيينها والظروف المادية لا تسمح بذلك لأن في هذه الحالة يكتفي بأن يؤدي المسجد وظيفته مع مراعاة بنائه بأقل التطاليف وأبسط الطرق".
رمزية المنبر
ولفت عزب إلى أن للمنبر أهمية في المساجد الجامعة لرمزيته الدينية والسياسية والإدارية، ففي أول الأمر لم يكن هناك منبر إلا في جامع الرسول في المدينة المنورة، ولم يأذن عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص في اتخاذ منبر في مسجد الفسطاط، كأنه كان يرى أن المنبر لا يكون إلا لرئيس الجماعة الإسلامية، وفي أيام عثمان بن عفان ظهرت منابر الأمصار فأصبح لكل مصر منبر في عاصمته، أما المساجد الأخرى فلا منابر لها، بعد ذلك أصبح لكل مدينة كبير الحق في أن يكون لها مسجد ذو منبر أو مسجد ومنبر، هنا نجد أن المنبر أصبح رمزا للمدن الكبرى، أي المراكز التي يمتد سلطان كل منها على ناحية واسعة، وبهذا الاستعمال يرد لفظ المنبر عند ابن حوقل والمقدسي مثلا. وهذا لا يمنع من القول بأن كل المساجد كانت لها منابر وكانت تصلى بها الجمعات، ولكن المسجد ذا المنبر هو المسجد الذي يصلي فيه حاكم البلد أو أمير الولاية ويخطب فيه خطيب معين من الدولة وخطبته على هذا لها معنى رسمي، وللفقهاء تعبير خاص بهذا الخطيب فيقولون "إمام راتب بولاية سلطانية" وقد ظهر هذا المصطلح في القرن 4 هـ / 10 م".
كرسي المصحف

وقال د. عزب عن استحداث كرسي لقراءة المصحف "حدث في العصر المملوكي بمصر إضافة قطعة أثاث، عرفت باسم "كرسي القارئ أو كرسي المصحف أو الكرسي الجوامعي" وهو عبارة عن كرسي خشبي على هيئة متوازي المستطيلات متوسط مساحته 1.5 مترا مربعا وارتفاعه في المتوسط 1.4 مترا وله درجتان أو ثلاثة منفصلة عنه والجزء الأمامي منه على هيئة حرب "V"  وعليه يوضع مصحف كبير طوله نحو 80 سنتيمتر وعرضه نحو 65 سم، وكان يوضع عادة في رواق أو إيوان القبلة".
حائط القبلة
وأشار د. خالد عزب إلى أن القبلة هي الجهة التي شرع الله سبحانه وتعالى للمسلمين التوجه إليها، وهي بتحديد نص القرآن الكريم المسجد الحرام، مصداقاً للآية 144 من سورة البقرة "قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ". لذلك جعل الفقهاء الاتجاه إلى القبلة شرطاً لصحة الصلاة، ولأحكام القبلة آثار مباشرة على العمران الإسلامي، فكونها حقاً من حقوق الله تعالى تقتضي توجيه المساجد وفقها، وإعطاء ذلك التوجيه الأولوية على كل الاعتبارات العمرانية الأخرى مثل المناخ وهندسة النسيج الحضري القائم وغيرها، وتختلف تلك الآثار المادية بحسب الموقع الجغرافي لكل بلد من القبلة، كما لأحكام القبلة أثرها كذلك على المعالجة الداخلية لحوائط القبلة. 

السكينة والاطمئنان
البساطة والتلقائية 

لذا حرص المسلمين على ضبط اتجاه القبلة نحو مكة المكرمة، وإن اكتشف بعد بناء المساجد المخالفة هذا للاتجاه الصحيح، فكان يتم إصلاح هذا الاتجاه على نحو ما تذكره وثائق مدينة الجزائر التي تعود للعصر العثماني، في وثيقة مؤرخة بعام 1084ه كما يلي "لما كان محراب المسجد الكاين بسوق الخياطين من بلج الجزاير المعمور لا يزال لواء الإسلام فيه منشور الراكب فوق.. الذي يؤم فيه الآن الشيخ الكبير العالم الشهير.. وحول المحراب المذكور لناحية أخرى لانحرافه عن القبلة..". 
وخصص في حائط القبلة مكان للإمام يؤم منه المصلين ويستغل مساحة المسجد بصورة مثالية، هذا المكان هو المحراب، الذي صار معلماً لحائط القبلة في المسجد.
الميضأة
وأوضح عزب أن الميضأة اسم مكان مخصص للوضوء، وتلفظ أيضاً الميضأة، والأول هو الشائع، وأصل الكلمة من فعل وضَأ وضاءة وهو الحسن والبهجة. قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ". 
وفي الحديث عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه. والأحاديث في ذلك كثيرة. من أجل ذلك كله كان ضرورياً أن تبنى محلات الوضوء استعداداً للصلاة، خاصة وأنه قد يكون المسجد على الطريق العام، ويطرقه المارة وأبناء السبيل، أو يخاف الرجل فوات الجماعة، إذا قصد بيته لغرض الوضوء، وما بنيت المساجد إلا لأداء الصلاة جماعة، ومن باب خدمة بيوت الله ونظافتها وتوفير الراحة للمصلين فيها، خاصة وأنه درج عليه الكثير من المسلمين في بلاد العالم من حفر بئر في المسجد، أو بناء أحواض خاصة للوضوء فقط في صحن المسجد كما في مسجد القرويين في فاس، وفي العديد من مساجد المغرب، فلا مانع إذا أن تبنى أماكن خاصة بالوضوء على أحدث طراز وأتقن وجه.