خرائط الرمل تؤسس لدول ضائعة

خرائط صراعات في ليبيا وسوريا واليمن لا خرائط طبيعية عن انهار وسهول وجبال.
ادلب تتعرض للتتريك بطريقة ساذجة وسطحية
حُرم العراقيون من التمتع بزيارة واحدة من أجمل مناطق بلادهم
خيانة للطبيعة قبل تهديد الوحدة الوطنية للدول التي صارت تقف على مفترق طرق

"أين تقع سرت؟" سالت نفسي وكان الرئيس المصري قد أعتبرها خطا أحمر.

بحثت في غوغل عن خريطة ليبيا لأرى أين يقع ذلك الخط الأحمر. ظهرت الخريطة الحربية لليبيا في المقدمة. ملونة كانت تلك الخريطة. وزعت المناطق حسب الألوان بين الأطراف المتنازعة. المنطقة السوداء تخضع لحكومة الوفاق والمنطقة الخضراء تخضع للجيش الوطني بقيادة المشير حفتر أما المنطقة الرمادية فهي لا تخضع لإي من الطرفين المتحاربين.

لا تزال سرت في المنطقة الخضراء.

تلك إذاً ليبيا كما صار علينا أن نفكر فيها جغرافيا.

حدث الشيء نفسه حين بحثت عن خارطتي سوريا واليمن.

هناك مناطق في سوريا خاضعة للنظام ومناطق لا تزال المعارضة تمسك بها ومناطق أخرى ليست تابعة لأي من الطرفين المتنازعين. ذلك ما تشير إليه الخريطة.

كذلك في خريطة اليمن. هناك محافظات يسيطر عليها الحوثيون ومحافظات تتبع الحكومة الشرعية غير أن هناك محافظات مستقلة بنفسها.

ما هذه الجغرافيا؟ ما هذه الخرائط التي تخفي مآس لا حصر لها؟

لقد تعلمنا الجغرافيا الطبيعية بطريقة مختلفة. هناك جغرافيا طبيعية تتوزع فيها البلاد بين جبال وهضاب وسهول وصحارى. كل منطقة لها لونها. لم تكن هناك جغرافيا للحرب داخل البلد الواحد. كانت خرائط الحرب تُرسم على الرمال.

هل تم تحويل تلك الخرائط الرملية إلى حقائق جغرافية؟

العالم العربي يواجه خطرا وجوديا. لم تعد الجغرافيا تعنى بسهوله وجباله وهضابه وصحاريه بل بمحاربيه الذين صاروا يمثلون تنوعه الطبيعي.

شيء من هذا القبيل يشكل خيانة للطبيعة قبل أن يهدد الوحدة الوطنية للدول التي صارت تقف على مفترق طرق.

لا أحد في إمكانه أن يكون متأكدأ من أن سوريا ستسعيد في وقت منظور وحدة كيانها. ذلك البلد الذي يمكن للمرء أن يسافر باطمئنان بين سواحله وسهوله وجباله. قد يتمكن الدمشقي من السفر يوما ما إلى استراليا غير أنه لن يتمكن من الوصول إلى إدلب التي سيجها الألم بحدود من نار.

ذلك لا يُسمى تقسيما بالمعنى الرسمي. غير أنه أسوأ وأكثر وجعا من التقسيم. ذلك ما حدث في العراق منذ عام 1991.

يومها تم اقتطاع الجزء الشمالي من العراق الذي هو المنطقة التاريخية لسكن الأكراد ولم تعد للدولة العراقية سيادة عليه. اما حين تم احتلال العراق وأسقط النظام الحاكم فيه فإن ذلك الجزء تمترس باستقلاله وتحول إلى اقليم أشبه بالمنفصل لا يتمكن العراقيون من باقي أجزاء العراق من دخوله إلا عن طريق تقديم ضمانات.

لقد حُرم العراقيون من التمتع بزيارة واحدة من أجمل مناطق بلادهم.

خرائط الحرب ليست فاكهة موسمية. إنها مجموعة من الحقائق التي تؤسس لمستقبل سيكون من الصعب تخيل صورته.

أفكر في إدلب السورية وعدن اليمنية.

يُخيل إلي أن كل المحاولات لإسترجاع إدلب ستبوء بالفشل. لا لأن الأتراك عملوا على تتريكها بطريقة ساذجة وسطحية بل لأن سكانها وهم خليط هجين صاروا لا يثقون بسوريا الأم واختبروا العيش من غير دولة. سيكون خيارهم صعبا غير أن عودتهم إلى الماضي قد تكون أصعب.

كذلك الأمر بالنسبة لعدن.

تبذل المملكة العربية السعودية جهودا عظيمة من أجل إقناع العدنيين بالقبول بسلطة الحكومة الشرعية. غير أنهم وإن قبلوا بتلك السلطة على مضض يدركون أن الخيط الذي يصل بينهم وبين اليمن الموحد قد انقطع.   

هل سيكون الوضع الذي يشبه التقسيم كما هو الحال في العراق حلا نهائيا؟

مشكلة "غوغل" تكمن في أنه غالبا ما يقول الحقيقة بطريقة مواربة.

فإذا ما رضخ المقاتلون في ليبيا لمطلب وقف النار واتجهوا إلى المفاوضات السياسية هل سيكون ذلك حلا تستعيد من خلاله ليبيا وحدتها السياسية؟

ذلك أمر غير مؤكد.

ستظل خرائط الرمل تتحكم بالواقع.