خمسون عاما من حكم السلطان الراحل قابوس بن سعيد

السلطان قابوس بن سعيد انتقل بسلطنة عمان من دولة شديدة الفقر يمزقها الانشقاق إلى دولة مزدهرة.
السلطان الراحل أنهى عزلة عمان وصار وسيطا موثوقا دوليا في بعض القضايا الإقليمية الشائكة

مسقط - انتقل السلطان قابوس بن سعيد الذي توفي الجمعة، بسلطنة عمان خلال حكمه الذي استمر 49 عاما من دولة شديدة الفقر يمزقها الانشقاق إلى دولة مزدهرة ووسيط موثوق به دوليا في بعض القضايا الشائكة بالمنطقة.

صار قائد عمان الراحل سلطانا في يوليو/تموز عام 1970 بعد خلع والده في انقلاب استهدف إنهاء عزلة البلاد واستخدام عوائدها النفطية في التحديث والتنمية.

لم يعلن قابوس على الملأ قط من يرشحه خليفة له، لكنه سجل اختياره سرا ووضع الاسم في خطاب مغلق يُفتح في حالة اختلاف العائلة الحاكمة على اختيار الخليفة. وقال في مقابلة أجريت عام 1997 إنه كتب بالفعل اسمين بترتيب تنازلي ووضعهما في مظروفين مغلقين في منطقتين مختلفتين.

وقال التلفزيون الرسمي إن ابن عمه هيثم بن طارق آل سعيد اختير سلطانا السبت بعد أن دعا مجلس الدفاع الأعلى العائلة الحاكمة لاختيار خليفة. وجاء في بيان للمجلس أن العائلة اتبعت وصية السلطان قابوس المكتوبة إيمانا منها بحكمته وسلامة رؤيته.

ولم يرد في أي من وسائل الإعلام سبب للوفاة. وكانت صحة السلطان قابوس الذي هيمن على صنع القرار في الدولة الخليجية على مدى عقود، معتلة منذ سنوات وسافر إلى بلجيكا في ديسمبركانون الأول للعلاج.

وقال سايمون هندرسون مدير برنامج برنشتاين حول الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "ربما يتمثل الخطر العاجل في أن اللاعبين الإقليميين قد يحاولون التأثير على نتيجة الخلافة أو القائد الجديد المختار".

ويخشى محللون من خلاف في الأسرة الحاكمة وتجدد التنافس بين القبائل وتزعزع الاستقرار السياسي بعد اختيار حاكم جديد في وقت تقلد فيه صقور شبان السلطة في السعودية والإمارات.

تمكن السلطان قابوس من رأب صدوع قديمة في دولة ظلت منقسمة طويلا بين الداخل الذي تسكنه قبائل محافظة والمنطقة الساحلية المنفتحة على الخارج. وعُرف بين شعبه بصانع النهضة بعد أن استثمر مليارات الدولارات من العائدات النفطية في البنية الأساسية وفي بناء أحد أفضل الجيوش تدريبا في المنطقة.

وفي حين أن السلطان قابوس لم يكن ليسمح بانشقاق في الداخل فقد انتهج سياسة خارجية مستقلة، ولم يأخذ جانبا في صراع النفوذ بين السعودية وإيران أو في خلاف دول خليجية مع قطر.

واحتفظت مسقط بالعلاقات مع كل من بغداد وطهران خلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988، كما احتفظت بالعلاقات مع كل من الولايات المتحدة وإيران بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979.

وساعدت سلطنة عمان في جهود وساطة خلال محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013، أدت إلى الاتفاق النووي التاريخي الذي تم توقيعه بعد ذلك بعامين.

اجتمع السلطان قابوس مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في أكتوبر تشرين/الأول عام 2018 خلال زيارة نادرة للسلطنة. وفي حين قامت دول خليجية أخرى بمفاتحات تجاه إسرائيل، لم يجتمع أي من قادتها مع نتانياهو.

كما دعم القضية فلسطينية وناصر الشعب الفلسطيني، منددا بالعدوان الصهيوني، حيث قادة البلدين في عدة مناسبات لإرساء السلام بين البلدين ووقف الاعتداء الفلسطنيين.

كان السلطان قابوس الحاكم الثامن من أبناء أسرة آل سعيد التي تحكم البلاد منذ عام 1744، وهو من مواليد 18 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1940 في ظفار.

في عام 1958 توجه إلى إنجلترا ليكمل تعليمه مما أسهم في تقوية العلاقات بين بريطانيا والأسرة العمانية الحاكمة. ودرس لمدة عامين في الأكاديمية العسكرية الملكية في ساندهيرست وخدم لمدة ستة أشهر في الجيش البريطاني في ألمانيا وعاد إلى إنجلترا عام 1962 لدراسة الحكم المحلي.

من عام 1964 إلى عام 1970 لم تكن حركته لتتجاوز القصر السلطاني في صلالة وحُرم من القيام بأي دور في إدارة السلطنة.

لم يعد راضيا عن الأساليب التي ينتهجها والده وبات مرتابا في قدرة الجيش على هزيمة متمردي ظفار.

وعندما بدأت الصادرات النفطية في عام 1967، كان السلطان سعيد الذي اعتاد على القيود المالية الشديدة مترددا في الإنفاق على التنمية.

وساعدت بريطانيا التي كان لها نفوذ كبير على حكام الخليج قابوس على خلع والده في انقلاب قصر يوم 23 يوليو/تموز عام 1970. وأُرغم السلطان سعيد على التنازل عن الحكم بعد قدر من المقاومة وقضى العامين الأخيرين من عمره في المنفى بإنجلترا.

ورث السلطان الجديد الذي كان في الثلاثين من عمره في ذلك الوقت دولة تفتقر للكثير من البنية الأساسية ومن الإداريين المهرة وتخلو من المؤسسات الحكومية الأساسية.

ورسخ السلطان قابوس بالتدريج سلطته من خلال تقلد مناصب رئيس الوزراء وتولي المسؤولية عن وزارات المالية والدفاع والشؤون الخارجية.

حارب قابوس متمردي ظفار بمساعدة بريطانيا والأردن. ومن خلال الانتصارات العسكرية وعرض وظائف بالدولة على زعماء المتمردين، قضى قابوس على التمرد في غضون ست سنوات من تقلده السلطة.

ولفتت الثورة الإسلامية التي قامت في إيران عام 1979 انتباه السلطان قابوس إلى مضيق هرمز الذي تمر منه قرابة 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية. وتعهد بأن يبقى المضيق مفتوحا وفي عام 1980 وقع اتفاقا يسمح للقوات الأميركية باستخدام منشآت عمانية في حالات الطوارئ.

وفي عام 1981 بدأ السلطان قابوس في توسيع المشاركة السياسية وأجريت انتخابات حرة لمجلس استشاري في 2003.

عندما بدأت احتجاجات الربيع العربي في تهديد زعماء عرب وأطاحت ببعضهم في عام 2011، تنبه السلطان قابوس للأمر ونزع فتيل القنبلة المحتملة في بلاده إثر اندلاع احتجاجات في السلطنة وأطلق وعودا بتوفير فرص عمل وإجراء إصلاحات.

وأعفى السلطان قابوس أكثر من ثلث الوزراء من مناصبهم وأتاح آلاف الوظائف في القطاع العام وقدم حصصا مالية للعاطلين، قال صندوق النقد الدولي إنها شملت ربع العمانيين.

ومع ذلك لا تزال التحديات الداخلية ماثلة في وقت يوجد فيه معدل بطالة مرتفع ويزيد اعتماد الدولة على الاقتراض الخارجي مع انخفاض أسعار النفط، مما دفع الوضع الائتماني للبلاد لمرتبة سيئة.

وقال كريستيان كوتس أولريكسن من معهد بيكر بجامعة رايس بولاية تكساس لرويترز "السلطان قابوس كان يتمتع بتلك السلطة الكاريزمية، وصار مرادفا لعمان كدولة حديثة على نحو يجعل من الصعب على أي خليفة مضاهاة ذلك، على الأقل في البداية".