دراسة ترصد تمدد تيارات اخوانية في هولندا

الإخوان يستغلون العلاقات مع حزبي العمل واليسار الأخضر لاختراق رابطة “المجتمع المسلم” في لاهاي التي بداخلها منظمات هيئات إسلامية معتدلة.

امستردام - سلط تقرير حديث نشره المركز الأوروبي لدراسات ومكافحة الإرهاب والاستخبارات الضوء على واقع الإسلام السياسي والجماعات الإسلاموية في هولندا وتصاعد الخطاب المتطرف من جانب تلك الجماعات وأيضا من قبل التيارات اليمينية المتطرفة واستغلال المناخ السياسي العام وانشغال الدول الكبرى عن مكافحة التطرف، لتعزيز نفوذها داخل المجتمع الهولندي.

وأشارت معدة التقرير الباحثة في المركز داليا عريان، إلى أن معطيات المشهد الدولي من اشتداد المعارك بين كييف وموسكو على الأراضي الأوكرانية، وتصاعد الأحداث بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وغياب التفاوض عن حربي أوكرانيا وغزة، إضافة إلى وجود توترات بين الغرب وروسيا والصين والولايات المتحدة، تضع أوروبا بشكل عام وهولندا بالتحديد في تحدي جديد لتصاعد الخطاب المتطرف من جانب الجماعات الإسلاموية والتيارات اليمينية المتطرفة أيضاً.

ويقول التقرير أن المسلمون يعدون أكبر أقلية أجنبية في هولندا، وتقدر أعدادهم ما بين (6-8 بالمئة) من سكان هولندا، لذا تستغل الجماعات الإسلاموية هذه النقطة من أجل إيجاد مساحة خاصة لها ونشر أفكارها المتطرفة، تحت ستار تأسيس هيئات ومراكز لتقديم التعاليم الدينية وطقوس الصوم وحفظ القرآن والحج، ومتابعة الجانبين المجتمعي والثقافي بنشر الكتب وتوفير فرص التدريب لصقل المهارات في مجالات العمل المختلفة.

ولفتت الباحثة إن تاريخ الإسلام السياسي في هولندا يعد حديثاً على عكس حال هذا التيار في باقي دول أوروبا، وتزامن مع ظهور الجيل الثاني من جماعة الإخوان بأوروبا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتوظيفها لموجات الهجرة من المنطقة العربية. ومنذ عام 1996 بدأت الجماعات الإسلاموية وفي مقدمتها الإخوان في التغلغل داخل المؤسسات المجتمعية والمساجد.
واستغل الإخوان العلاقات مع حزبي العمل واليسار الأخضر، واخترقوا رابطة “المجتمع المسلم” في لاهاي والتي تضم بداخلها منظمة “اليوروب تراست نيديرلاند” و”هيئة الإغاثة الإسلامية” و”المعهد الهولندي للعلوم الإنسانية” و”مركز السلام الإسلامي الثقافي” و”مركز الوسطية”.

الجماعات الإسلاموية تعتمد على شبكات صغيرة وكبيرة منتشرة في المدن الكبرى بهولندا، ورغم أن هذه الشبكات منقسمة أيدلوجياً واجتماعياً، إلا أنها على تواصل دائم لتبادل الأفكار

وتشير التقديرات إلى سيطرة الفكر الإخواني على 60 بالمئة من المساجد في هولندا والتي تقدر أعداها بنحو 453 مسجداً، ويتبع الإخوان في أمستردام “المسجد الأزرق” و”الحزب الإسلامي الإقليمي” و”حزب دينك” و”حزب نداء الإسلامي” الذي استطاع خوض انتخابات المقاطعات شمال هولندا في مارس 2019. وسيطر قيادات من الإخوان مثل محمد عكاري وإبراهيم عكاري ونور الدين العوالي وعلي أزوزي، على أحزاب وكيانات اقتصادية في مجال العقارات في أمستردام وروتردام ولاهاي، كبوابة لنشر نفوذهم داخل المؤسسة الحكومية والدينية.

وأشار البرلمان الهولندي في يونيو/حزيران 2020، إلى أن عدد من المساجد والمنظمات الإسلامية مدعومة مالياً من بعض الدول الخارجية التي تمارس تأثيراً عليها، ويتراوح الدعم المالي للمسجد الواحد ما بين 10 آلاف من اليورو إلى الملايين. وشدد على أن تلك الدول تنشر تعاليم أصولية عبر تمويل وتأسيس مدارس ومؤسسات غير رسمية وإرسال دعاة لإدارة المساجد بهولندا.

وقالت عريان أن الجماعات الإسلاموية تعتمد على شبكات صغيرة وكبيرة منتشرة في المدن الكبرى بهولندا، ورغم أن هذه الشبكات منقسمة أيدلوجياً واجتماعياً، إلا أنها على تواصل دائم لتبادل الأفكار.

وأوضح تقرير صادر عن المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن (NCTV)في 30 مايو/أيار 2023، تصاعد الخطاب المتطرف والتهديدات الإرهابية في الأشهر الستة الماضية، محذراً من ارتكاب مجموعات صغيرة أو أفراد أعمال عنف.

و‏رفع المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن مستوى التهديد من 3 إلى 4 في 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، وأشار إلى أن التهديد الإرهابي متزايد، نظراً لانتشار الخطاب المتطرف من قبل الجماعات الجهادية التي أعلنت استعدادها لارتكاب هجمات إرهابية في أوروبا، جراء تأزم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ أكثر من 7 أشهر، وحوادث حرق القرآن في أوروبا مؤخراً، واستخدمت تنظيمات مثل داعش والقاعدة حرب غزة، لكسب متعاطفين معها لتنفيذ هجمات، ورصدت السلطات الهولندية حوادث فردية تستهدف اليهود في بعض الأحياء.

‏وأصبح للتيار اليميني المتطرف وجوداً في المشهد السياسي، بعد تأسيس خيرت فيلدرز حزب الحرية في 2006، ومشاركته في الانتخابات البرلمانية لأول مرة في يونيو/حزيران 2010، ما جعل الحزب ثالث أكبر قوة سياسية في هولندا. وحصل حزب “منتدى من أجل الديمقراطية ”اليميني على مقعدين بمجلس النواب الهولندي بعد فوزه بنسبة 1.8بالمئة من الأصوات في الانتخابات العامة لعام 2017، وفاز بـ 16 بالمئة من أصوات الناخبين في انتخابات المقاطعات لعام 2019، ليصبح بعدها أكبر حزب في مجلس الشيوخ، وأكبر حزب من حيث العضوية في هولندا. وحققت الأحزاب الشعبوية ذات التوجهات اليمينية رقماً قياسياً في انتخابات 2021، بالحصول على 16بالمئة من الأصوات.

وفاز حزب الحرية بالانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بحصوله على 37 مقعداً في البرلمان المكون من 150 مقعداً، وخلال حملته الانتخابية تعهد الحزب بفرض حظر على المساجد والحجاب والقرآن، وردد زعيم الحزب خيرت فيلدرز شعار “مسلمين أقل في هولندا”. وفي 17 مايو 2024 اتفق خيرت فيلدرز على تشكيل ائتلاف حكومي مع حزبين يمينيين وحزب ليبرالي لأول مرة.
ويعرف عن فيلدرز بمواقفه المتشددة من المسلمين واليهود، وأشار تقرير إلى أن التطرف اليميني أكثر انتشاراً ولا يمكن التنبؤ به في السنوات الأخيرة، وتشكل أقلية منه تهديداً عنيفاً، وجزء آخر يعمل على تطبيع أفكاره المتعصبة والمتطرفة في المجالين الاجتماعي والسياسي. وتوغل الخطاب المتطرف المعادي للأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة ما بين نهاية 2023 وحتى مايو/أيار 2024.

وترى الباحثة عريان أن‏ الخطاب المتطرف اليميني والإسلاموي على شبكة الإنترنت وفي المؤسسات الدينية والمجتمعية، يتسبب في زيادة الانقسام داخل المجتمع الهولندي، ويؤثر على عملية اندماج المسلمين في الحياة السياسية والفعاليات المشتركة، لمعاناة فئات كثيرة من الجالية المسلمة في هولندا من صعوبة التأقلم مع باقي الثقافات.
 ويزيد من حالة الكراهية وحوادث العنف ضد اليهود والمسلمين، ما يؤثر سلباً على النظام القانوني الديمقراطي، ويغذي حالة انعدام الثقة في الحكومة ومؤسسات الدولة، خاصة مع صعود أحزاب يمينية متطرفة إلى السلطة وتصاعد خطابها المعادي للسامية والمسلمين. وأكدت المخابرات الوطنية الهولندية في 23 أبريل/نيسان 2024، أن التهديدات التي تستهدف هولندا ترتبط بشكل متزايد بالاضطرابات العالمية وفي مقدمتها حرب غزة، منوهة إلى أنها أحداث تثير المتطرفين بعد حوادث حرق القرآن في 2023.