درس أصيل هميم

الصراع بين القديم والجديد ليس دقيقا في معالجة تدهور الغناء العربي، بل المشكلة تكمن في الأغنية التي تخلت عن تعبيريتها وبالموسيقى التي افتقدت إلى الابتكار الحسي.
تدهور الغناء العربي لا علاقة له بالصراع بين القديم والجديد

اتهمني مطرب عراقي معاصر بـ”التعالي” و”الغرور” وأوصاف أخرى تصل إلى حد “الجهل”! وكتب لي مستهجنا دعواتي المتكررة بشأن معرفة علوم الغناء وكل ما يمت بصلة إلى ألحان أجيال الخمسينات والستينات والسبعينات، قائلا أذا أنت لا تعرف جيل المطربين الجدد، لماذا تطالبنا بمعرفة أجيال سابقة؟

كان محقا إلى حد ما في تساؤله عندما يتعلق الأمر بالجهل! لكن الواقع الغنائي الحالي ضاج إلى درجة التشويش فيستحيل أن يمتلك أي مستمع القدرة والصبر والوقت للتعرف على مئات الأصوات.

لذلك كان عليّ أن أتعرف أولا على هذا المطرب الذي استهدفني برسالة ركيكة لا تحمل أي فكرة للدفاع عما تزعمه، فهي ليست محل نقاش جدي وموضوعي عن الغناء، لكنها مفيدة للكتابة عنها على الأقل لمعرفة طريقة التفكير إن وجدت أصلا.

لم أتفاجأ عندما وجدت شهرة هذا المطرب على يوتيوب تفوق التوقعات، فهناك بعض الأغاني له حظيت باستماع مئات الآلاف من المستخدمين، وبالطبع هذا ليس سببا يرفع من أهمية تلك الأغاني، لكن اقتصار الفكرة في رسالة المطرب العراقي الجديد، على صراع بين القديم والجديد ليس دقيقا في معالجة تدهور الغناء العربي اليوم، بل المشكلة تكمن في الأغنية التي تخلت عن وظيفتها التعبيرية وبالموسيقى التي افتقدت إلى الابتكار الحسي، وهو ما فرح به مطرب الرسالة عندما أعاد جملة الشاعر الغنائي كريم العراقي في رده على مقال سابق لي بأنني “ما زلت أسير الأغنية السبعينية”! وهي تهمة جميلة حسب وصف الفنان سعدون جابر ولا تسحق الدفاع عنها، لكن الجديد يستحق أيضا أن تكون مسامعنا أسرى له عندما يحول روح الكلمات إلى فراشات موسيقية هائمة.

سبق وان كتبت عن أغنية معاصرة كتبها الشاعر كاظم السعدي لصوت وليد الشامي “أحبه كلش” كايس كريم نتذوقه دون أن يحدث ضررا، لكن عندما تصبح الأغنية أقل تعبيرية وأكثر سطحية، فأي مشاعر تلك التي تتفاعل مع السطحية، وأي أفكار يمكن أن تقف للدفاع عنها.

سأقترح على المطرب العراقي الذي كتبت لي الرسالة النصية المشوشة والمليئة بالأخطاء، أغنية جديدة تفند طريقة تفكيره بوجود حرب غنائية نشنها نحن الصحافيون والذين يقفون معنا على الغناء الجديد. لمجرد الدفاع عن الغناء كتعبير حسي متعلق برقي الذائقة السمعية وليس بالزمن وحده، فقد قدمت الفنانة الشابة أصيل هميم أغنية “آخر ظهور” تكاد تختصر الفكرة الفنية التي أدافع عنها، فنص سطام العتيبي استوحى المعنى العميق للتلاقي أو أن يبقى الفراق حلا قائما، فيما أجج لحن راكان روح الكلمات وليس آليتها لتناسب القدرة التعبيرية الباهرة في صوت أصيل، تلك الأغنية الجديدة، يا أيها المطرب الجديد، تعلمك درسا، أن كنت تود التعلم!