دعاء داود: غياب العقلانية في الخطاب الإعلامي المصري بشأن سد النهضة

الباحثة تناولت في دراستها أطر معالجة الصحف الإلكترونية المصرية والسودانية والإثيوبية للأزمة.

صممت هذه الدراسة "أزمة سد النهضة الإثيوبي: ردود الأفعال المصرية السودانية الإثيوبية" للباحثة والكاتبة دعاء داود، من أجل التعرف على أطر معالجة الصحف الإلكترونية المصرية والسودانية والإثيوبية لأزمة سد النهضة، في صحف العينة وهي موقع صحيفة اليوم السابع المصرية عن الجانب المصري، وموقع صحيفة المجهر السياسي السودانية التي تمثل السودان، وموقع صحيفة هيرالد الإثيوبية عن إثيوبيا.

وبينت الدراسة الأطر ووجهات النظر المختلفة لدول الأزمة "مصر، السودان، إثيوبيا" من خلال تحليل 727 مادة صحفية على مدار أربع سنوات تبدأ من 2015 وتنتهي بنهاية 2018، وقد استعانت الباحثة بمدخلين كإطار نظري الأول مدخل الأطر الإعلامية، والثاني مدخل إدارة الأزمات، وهذا للمساهمة في الوصول لسمات الخطاب الصحفي في صحف الدراسة من خلال أدواته "القوي الفاعلة، ومسار البرهنة، والأطر الرجعية المستخدمة" والوقوف على أوجه الاتفاق والاختلاف بين التناول الصحفي في كل صحيفة إزاء أزمة سد النهضة "المقارنة".

وقالت داود إن من أهم الأسباب وراء بناء سد النهضة كما بينتها نتائج الدراسة التحليلية أن طمع إسرائيل القديم في مياه النيل جاءت في المقدمة بنسبة 21.3 في المئة، ثم في الترتيب الثاني وجود مطامع قديمة لإثيوبيا في مياه النيل بنسبة 18.0 في المئة يليها تغلغل إسرائيل داخل حوض النيل بنسبة 13.3 في المئة، في حين جاء في الترتيب الرابع تجاهل مصر لفضائها الأفريقي بنسبة 12.8 في المئة، ثم مشاكل مصر السياسية في أعقاب ثورتي يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران بنسبة 11.6 في المئة وجاء كل من ارتفاع تطلعات شعوب دول النيل ورغبة الدول الكبرى في التأثير على الأمن المائي المصري، ولعبة خارجية للعمل على سقوط العلاقات بين الشعوب الأفريقية بنسبة 9.5 في المئة.

وأشارت إلى أنه من بين نتائج الدراسة التحليلية التأكيد على مخاطر بناء السد على دول الأزمة "مصر، السودان، إثيوبيا"، حيث أن "التأثير على حصة مصر من المياه والمقدرة بـ55 مليار متر مكعب سنويا جاءت في المقدمة بنسبة 18.4 في المئة، ويليها نقص مخزون المياه خلف السد العالي سيؤثر على الطاقة الكهربية بنسبة  17.6 في المئة، ثم تبوير حوالي 2 مليون فدان خلال فترة ملء السد، وفقد الكثير من الفلاحين عملهم بنسبة 13.3 في المئة، كما جاء احتمال انهيار السد وغرق الكتلة السكانية في دلتا مصر والصعيد.

ورأت داود في المقارنة العامة بين المعالجة الصحفية لدول الأزمة "مصر، إثيوبيا، السودان" أن صحيفة اليوم السابع المصرية أظهرت "قوة التمركز": حيث إنتاج الخطاب المنطقي والذي يُعِد الجمهور للاستعداد لمنتج جيد للاستمتاع أو القراءة، وهذا باستخدام ودمج العاطفة والعقل حيث إصدار معلومات معقولة ومختصة ومبدئية ونقل المعلومات الصحيحة، وهذا ما يلزم لإلقاء كلمات منطقية في خطاب عام يختص بأزمة مشتركة بين عدة دول. وتظهر صحيفة هيرالد الإثيوبية أيضا "قوة الخطيب": في القدرة على إرضاء وإسعاد النفس والآخرين من خلال اللعب بالكلمات. أما جريدة المجهر السياسي السودانية فأظهرت "المعرفة المكتسبة": من خلال القدرة على إظهار الآخرين وتقديم المشورة وتعليم بعضهم البعض، والتعامل كوسيط "حمامة السلام".

وأفادت أنه في تناول الإعلام المصري أزمة سد النهضة امتزجت العديد من الخطابات بتمجيد عبدالناصر مروجين لرواية مفادها أنه منع إثيوبيا من بناء سد كانت تنوي بناءه في عهد الإمبراطور الأثيوبي "هيلاسلاسي"، وكذلك التمجيد للسادات ناشرين "الرئيس السادات لإثيوبيا: لن نموت من العطش في مصر.. بل سنموت على أرض إثيوبيا" تلك الخطابات المؤيدة والمناصرة للناصر والسادات جعلت مصر في عهدهما زعيمة أفريقيا حتى وهي ضعيفة. ويظل المسار الإعلامي محاولا بشتى الطرق استحضار النصر المعنوي لدي الشعب المصري وهذا وضح جلي في ما نشر عن أن "الجيش المصري الإلكتروني" يخترق موقع "سد النهضة" الإثيوبي، علاوة على الخطابات المؤيدة "للرئيس السيسي" بأدائه في ملف سد النهضة والمقارنة بينه وبين "الرئيس المعزول مرسي"، حيث علل الإعلام المصري تأجج الأوضاع وخلخلة مسار حل الأزمة إلى إدارة "محمد مرسي" مع التبرير بأن الصفحات الجديدة التي يتبعها الرئيس السيسي هي نتائج أخطاء الرئيس المعزول محمد مرسي فلا حل غير ما أطلق عليه الإعلام المؤيد "بداية جديدة".

الصحف أنتجت إطارات أكثر سلبية وعرضت للقراء المزيد من القصص عن احتمال الحرب

وأضافت بسرعة البرق أصبحت الأزمة الأساسية ليست أزمة إنشاء السد وإنما هي أزمة ملء الخزان، حيث أقر المصريون على لسان الإعلام المصري بالموافقة على تشييد السد ولكن مع تحديد الإطار الزمني لملء الخزان والذي قد يستغرق من 5 إلى 15 سنة، في حين تريد أديس أبابا في الأصل ملء الخزان في غضون ثلاث سنوات وهو ما يؤدي إلى انخفاض حاد في حصة مصر من مياه النيل. مصر تضغط من أجل جدول زمني مدته سبع سنوات. وهذه هي المشكلة كما تم ذكرها في الأهرام ويكلي، مبدأ حسن النية وما تابعه من تأييد وسخرية إعلامية، إن آخر المبادئ تتعلق بالتسوية السلمية للنزاعات "وفقا لمبدأ حسن النوايا". في نفس السياق على الجانب الإثيوبي كتب ياكوب أرسانو الأكاديمي الإثيوبي: لقد انتهى أمد طويل من الشد والجذب والجدال المصحوب بالاتهامات، كما أوضح فوائد السد الذي بدأت إثيوبيا في تشييده، وعدد محاسنه للبلدان الثلاثة، ودعا إلى ما يمكن تسميته "العدل المائي" بين كل الدول المشاطئة لنهر النيل بفروعه الثلاثة النيلين الأبيض والأزرق، ونهر النيل الذي يبدأ سريانه شمالا نحو مصر بالتقاء النيلين، بعد اقترانهما في مجرى واحد بالعاصمة السودانية الخرطوم.

وتعقيبا على التناول الإعلامي المصري للأزمة، توقفت داود عند عدد من النقاط: أولا لم يُستخدم الخطاب الصحفي والإعلامي المصري بشكل عقلاني، حيث تغليب المصالح المشتركة بين الدول الثلاث، ثانيا تأرجح بين مؤيد ومعارض لكل من الرئيس المعزول مرسي والرئيس السيسي، وهذا يعني عدم تقديم المصلحة العامة للبلد على التوجهات الخاصة، ثالثا تميز بالاستعلاء تجاه دول الجوار "السودان وإثيوبيا"، رابعا حول الأزمة إلى قضية صراع مع السودان الشقيق، خامسا عدم التزام الخطاب الإعلامي المصري بالمصداقية، فقد طرح الخطابات المصرية "لحلول ساخرة" غير متخصصة مما يعني عدم الرجوع للمتخصصين والخبراء، سادسا انتشار الخطاب الفوضوي تجاه إثيوبيا والسودان والذي دائما ما يقلل من قدرة إثيوبيا على إتمام المشروع بدون عون خارجي، بالإضافة إلى التهكم على السودان ووضعها في إطار المؤامرة مما زاد العلاقات المصرية السودانية توترا.

وقالت داود عليه نجحت إثيوبيا من خلال استراتيجية وبرنامجٍ متكاملين في فرض واحدا من أضخم السدود في العالم "سد النهضة الإثيوبي" - كحقيقة واقعة، على النيل الأزرق مصدر نهر النيل وضمن حدود الدولة الإثيوبية، بهدف تحسين مقدرة إثيوبيا على توليد الطاقة الكهربائية، وتصديرها إلى دُول الجِوار سياسة وفرض الأمر الواقع الذي فرضته إثيوبيا قد قبلته مصر والسودان وبدون أي تعنت أو توعد، وبالرغم من اتفاق النوايا الذي وقعته مصر مع إثيوبيا والسودان في عام 2015 ينص على عشرة مبادئ منها لا ضرر ولا ضرار لأي من الأطراف وعلى مبدأ التعويض في حال وجود الضرر، إلا أن الاتفاق حسب ما هو متاح من معلومات عنه ليس محددا في موضوع قواعد الملء، من حيث الكم وعدد السنوات التي يجب أن توافق كافة الأطراف عليها، إن الأمر انتهى ببناء السد وتوقيع وثيقة 2015 من قبل رئيسي جمهورية مصر والسودان، والتي تقر بأحقية إثيوبيا في بناء السد، وذهبت الدولتان أبعد من هذا عندما وافقتا في نفس الوثيقة على شراء الكهرباء التي سينتجها السد.

وأوضحت "تتعرض أحواض الأنهار العابرة للحدود لضغط متزايد بسبب النمو السكاني والتطورات الزراعية والصناعية وتغير المناخ، وكذلك تلوث النهر وندرة المياه في ازدياد بسبب الفجوة المتزايدة بين الطلب على المياه والعرض، سيؤدي ذلك إلى مزيد من التوترات والنزاعات والصراعات والجمود في المفاوضات بشأن توزيع المياه، وطول المدة اللازمة لملء الخزان، إن بناء إثيوبيا سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) على نهر النيل الأزرق بطاقة مائية تبلغ 6000 ميغاوات وتكلفة إجمالية مقدرة للمشروع بـ4.8 مليار دولار أميركي السد الأكبر في أفريقيا، أشعل الخلاف الإقليمي حول بناء السد بين إثيوبيا ودول المصب (السودان ومصر)".

وأكدت سد النهضة الإثيوبي أصبح أمرا واقعا، فقد بدأ التخزين واستمرت إثيوبيا على نهجها وبهذا الشكل ومن خلال ما سبق فـ"سد النهضة الإثيوبي" بهذا الشكل سوف يخلق تغييرات غير متوقعة في النظم البشرية والبيئية على المدى المتوسط والطويل على مصر والسودان.

وختمت داود أن نتائج الدراسة أثبت تباينا واضحا بين صحف الدراسة "صحيفة اليوم السابع المصرية، المجهر السياسي السودانية، هيرالد الإثيوبية" بسبب وضع كل دولة على خريطة الأزمة "مصر المتضرر الأكبر" "إثيوبيا المستفيد والرابح" "السودان الوسيط المتأرجح" وأنتجت الصحف إطارات أكثر سلبية وعرضت للقراء المزيد من القصص عن احتمال الحرب، وقد صوروا التاريخ السياسي للنيل في إطار التوتر وانعدام الثقة والمواجهة الدبلوماسية بين دول المنبع والمصب، وعلى الرغم من أن الخطابات لا تشير إلى أي مواجهة دبلوماسية أو عسكرية واضحة مع السودان، إلا أنه نادرا ما يشار إلى السودان بشكل إيجابي في الأخبار، كما أظهر خطاب الجانب الإثيوبي القلق بشأن "الهجوم العسكري" المحتمل من مصر، كما تم استخدام المفردات القوية للحرب في الصحف الثلاث مثل "المواجهة العسكرية" و"الهجوم العسكري" و"الحرب بالوكالة" و"الحرب المائية" مرارا وتكرارا والتي تُظهر أهمية إطار الصراع والحرب والخسائر الاقتصادية في التغطية الإعلامية.