دعاية المتطرفين إلى حمل السلاح.. الشبان الأكثر تأثراً

الأفكار المتطرّفة حاضرة في حياتنا اليومية سواء عن طريق الإنترنت من خلال وسائط التواصل الاجتماعي أو تقارير وسائل الإعلام أو الدوائر الاجتماعية وغالباً ما يمكن الوصول إلى دعاية محددة بسهولة مع ذلك فالقليلون استجابوا لدعوة المتطرّفين.

ما هو بالضبط دور الدعاية في هذا السياق؟ تشير نتائج أبحاث علم النفس الاجتماعي إلى أن الدعاية دعوة “قَبَلية” تهدف إلى إقامة خطوط حمراء واضحة بين “نحن” و”هُم”. وتجتذب هذه الدعوة إحدى غرائزنا الأساسية، أي الانتماء إلى جماعة.

تظهر التجارب النفسية على “الهوية الاجتماعية”، التي تكرّرت على مدى عقود، أن البشر يشكلون جماعات بسهولة بالغة (Ratner 2012). ولكي يكون الشعور بالانتماء إلى جماعة حقيقياً، يجب أن يكون وجودنا خارج جماعة مختلفاً وأقل جاذبية لنا. وعندما نكون في حالة تنافسية، على الموارد أو المكانة الأخلاقية الرفيعة، يصبح بإمكاننا بسهولة رفض “الآخرين” بسهولة بوصفهم على خطأ أو أغبياء أو عنيفين أو خطيرين.

ذلك ما نراه في الدعوات المتطرّفة إلى السلاح. وتزعم الدعاية المتطرّفة أن المنافسة واضحة بيّنة، وأن خطر “الآخرين” حقيقي، وأن عليك التصرف إذا أردت أن تكون عضواً صالحاً في تلك الجماعة.

إرادة القتال والموت

لكن لماذا يتصرف المرء؟ لأن ذلك ببساطة يمنحه الشعور بالرضىبالرضا. وتشير البحوث إلى أن الانضمام إلى جماعة تدّعي التفوّق الأخلاقي يجعلنا نسمو بوصفنا أفراداً ويرفع قيمتنا الذاتية لأننا نستطيع النظر بازدراء إلى الآخرين.

لدينا حاجة نفسية للإدماج والإقصاء على حدّ سواء. لذا نحن بحاجة إلى الشعور بأننا جزء من شيء ما، لكننا بحاجة أيضاً إلى الشعور بأن الجماعة ليست مفتوحة للجميع لنشعر أننا مهمون (Brewer 2001).

هذه الديناميكية “القبلية” حاضرة في حياتنا اليومية. فتدفع مشجعي كرة القدم المتعصبين، أو الأعضاء المشاركين في الطوائف الدينية، أو القوميين، أو الشيوعيين، أو أي جماعة أخرى تزعم أنها “أفضل” من كل الآخرين (Sunstein 1999). ويبدو أن الرغبة في الانضمام إلى مثل هذه الجماعة جزء من برمجتنا الأساسية، وأمر طبيعي أكثر من التنشئة.

تشير البحوث الأنثروبولوجية إلى وجود أشكال مختلفة من المشاركة في هوية الجماعة. وكلما كانت قيمنا وأخلاقنا الجوهرية أقرب إلى قيم الجماعة وأخلاقها، ازدادت علينا صعوبة تغيير آرائنا. ويكتسب هذا العامل قوّة خاصّة إذا أصبحت قيم وأخلاق الفرد والجماعة متطابقة أو “متلاحمة”. وغالباً ما يكون من يطورون هوية “متلاحمة” مستعدّين للقتال والموت من أجل جماعتهم، ويبدو أن الأخلاق والهوية والأفكار تدفعهم أكثر مما تدفعهم القرابة أو المكافأة المادية (Atran 2016).

مرشِّحات المعلومات تقينا من التلاعب بنا

الأفكار المتطرّفة حاضرة في حياتنا اليومية، سواء عن طريق الإنترنت من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، أو في تقارير وسائل الإعلام السائدة، أو في الدوائر الاجتماعية “غير المتصلة بالإنترنت”. وغالباً ما يمكن الوصول إلى دعاية محددة بسهولة. مع ذلك، فإن القليلين استجابوا بالفعل لدعوة المتطرّفين للانضمام إليهم والقتال معهم. فنا فما سبب ذلك؟

إن الخطاب السائد بشأن الآثار الاجتماعية والسياسية السلبية لمرشّحات المعلومات على الإنترنت، أي الخوارزميات التي تختار مسبقًا المعلومات استناداً إلى اهتماماتنا السابقة، غالبًا ما تغفل عن أن “مرشّحات المعلومات غير المتصلة بالإنترنت” في أذهاننا تحمينا بالفعل. وهي جزء مهم من آليات الدفاع الفردية في وجه التلاعب غير المرغوب فيه (Kahan 2016).

ثمة مجموعة مثيرة للاهتمام من الخوارزميات البيولوجية، غالبا ما تسمّى “الاستدلال المحفّز”، التي تقوم بدور مؤثّر هنا. يصف “الاستدلال المحفّز” مجموعة من التحيّزات والطرق المختصرة الذهنية التي تحمينا من تبديل الجماعات والولاءات كلما شاهدنا مقطعاً دعائياً متقن الصنع (Epley 2016). فالوظائف اللاشعورية للعقل، مثل التحيّز التأكيدي والاجتناب الناشط للمعلومات، تنتقي مسبقاً المعلومات التي تؤكّد المعتقدات القائمة وتفضّلها على المعلومات الجديدة التي تعارض معتقداتنا (Kolbert 2017).

الرقص بحاجة إلى شخصين

إذاً كيف يمكن أن تتغلّب الدعاية على آليات الدفاع الطبيعية؟ غالبا ما تحتاج إلى تعاون الفرد المستهدف، في البداية على الأقل. فلا بدّ من استهلال معرفي – رغبة المرء في تغيير نفسه – لكي يعتنق البالغون إيديولوجية أيديولوجية متطرّفة. وغالباً ما تكون هذه الرغبة في التغيير مدفوعة بأزمة شخصية. ويعني ذلك أن من الصعب علينا تغيير آرائنا أو معتقداتنا تغييراً جوهرياً، ومن الأصعب أن يقوم بذلك شخص آخر رغماً عن أنفنا.

يمكن فهم التطرف، في كثير من الحالات، مثل رقصة التانغو، إذ يمارس أحد شريكي الرقص القيادة ويكون على الآخر مجاراته في الرقص. وفي بعض الحالات، تكون الرغبة في العثور على هوية وجماعة جديدتين قوية للغاية فيقود المجنّدون من تلقاء أنفسهم الطريق، ويسقطون تلبية احتياجاتهم على جماعة متطرّفة. وفي معظم الحالات، يوفر شخص موثوق به “المصداقية” الضرورية التي تسهّل على الفرد قبول المعلومات المتلاعب بها. وقد يكون هذا “الرسول الموثوق به” عضواً في العائلة أو صديقاً أو مجنِّداً يتمتّع بحضور قوي (Vidino 2017).

الشبان هم الأكثر عرضة للمخاطر. فهم يمرّون في مرحلة تطوّرية، ويتميّزن بحبّ الفضول، ويبحثون عن إجابات ومكان في المجتمع. وقد يعرّضهم ذلك للتلاعب بهم، إذ لم يتم تتطوّر “مرشّحات المعلومات الدفاعية لديهم تطوّراً تاماً بعد”.

لا شك في أن “غرف الصدى”، أي البيئات التي تنتقي مسبقاً الأفكار والآراء المماثلة لها فحسب، ليست ظاهرة جديدة (Garret 2013). فهي جزء من برمجتنا المعرفية وسعينا للحصول على هوية جماعة قوية. بيد أن قوة وسائط الإعلام الاجتماعية الحديثة تتيح للبشر الإشارة إلى ولاءاتهم “القبلية” على نطاق كان مستحيلاً في الماضي. وذلك يقوّي “أثر التعرّض المجرد”، الذي يقودنا إلى الإعجاب بما نراه ونسمعه في أغلب الأحيان، وذلك يضخّم الآثار السلبية التي يمكن أن تحدثها “غرف الصدى”.

كيف يتصل ذلك بممارسي منع التطرّف العنيف وصنّاع السياسة؟

لتحضير السكان لهذا التحدّي المتنامي، تجب زيادة التثقيف الإعلامي الحرج للسكان زيادة كبيرة. وعلى وجه الخصوص، يجب تعليم الشبان في المدارس كيف يقيّمون مصادر المعلومات ويعدّلونها وكيف يتعرّفون إلى التلاعب بها. ويجب اعتبار ذلك جزءاً من “التدريب على الديمقراطية”، مع تطبيق مفهوم التفكير النقدي في الحياة اليومية (RAN EDU 2018).

يستخدم مصطلح “أفضل ممارسة” على نطاق واسع في مجال منع التطرّف العنيف. ويشير تقليدياً إلى ممارسة خضعت لتقييم مهني وراجعها الأقران ويمكن أن تكون معياراً للجميع. غير أن معظم حملات التواصل السردي أو الاستراتيجي، مثلها مثل معظم أنشطة منع التطرّف العنيف على العموم، لا تتطابق مع هذا التعريف.

جمعت مجموعة عمل الاتصالات والروايات التابعة لشبكة التوعية بالتطرّف، وهي تهدف إلى تبادل الخبرات بين الممارسين لتقصير منحنيات التعلّم، بعض الدروس الأساسية المستفادة من البحوث ذات الصلة والممارسات الملهمة التي قد تكون مفيدة عندما تستهدف تغيير رأي شخص ما (RAN C&N 2018):

لا تلحق الأذى: لا تنشر الدعاية المتطرّفة بمحاولة منع التطرّف. تشير الدراسات إلى أن رفع وعي الشباب بقضية لا توافق عليها السلطات قد تحفزهم يحفزهم في الواقع على الاهتمام بالقضية بدلاً من ثنيهم عنها (, Chan 2017Hornik 2008). ولذلك ، فإن إبراز خطر الجماعات المتطرفة أو الإرهابية المحددة يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، ويجب أن ينفّذ في بيئة تعليمية فحسب (Cook 2011). ويجب على وجه الخصوص ألا تستهدف الروايات المضادة سوى جمهور محدّد ومفهوم جيداً ولديه فضول لمعرفة المحتوى المتطرّف.

تجنب الوصم: عند محاولة زيادة قدرة جمهور مستهدف محدّد على التصدّي للدعاية والتجنيد المتطرّفين، تنبّه إلى أنه قد يُنظر إليك على أنك ترسم صورة نمطية عن هذه الجماعة وتشكّك فيها. احرص على فهم حساسيات جمهورك المستهدف ومخاوفه جيداً، منعاً لتعزيز الاستقطاب.

ملخص منشور مركز المسبار للدراسات والبحوث"الدعاية وما يمكن أن يتعلمه منع التطرف العنيف" لألكسندر رتزمن، نشر في 22 مايو(أيار) 2018.