دعوات دولية لإنقاذ آيا صوفيا كموقع للتراث الإنساني العالمي

منظمة اليونسكو ترفض "بشدة" قرار تركيا تحويل آية صوفيا إلى مسجد وتعبر عن أسفها لاتخاذه بدون حوار مسبق.
أرمينيا تطالب بأهمية فرض مراقبة دولية على متحف آيا صوفيا
اقتراح بتحويل مكان ولادة كمال أتاتورك لمتحف ذكرى الإبادة اليونانية
اليونان تعتبر القرار تدميرا لعلاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي

اسطنبول - حذرت عدة دول ومنظمات من تداعيات قرار حكومة حزب العدالية والتنمية الإسلامي في تركيا بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، رافضة المساس بالأماكن التاريخية والتلاعب بالتراث لأهداف سياسية.

وطالبت أرمينيا أهمية فرض مراقبة دولية، وخاصة من اليونيسكو، على تركيا لضمان الحفاظ على المواقع التاريخية ذات الأهمية العالمية، إثر تحويل أنقرة المتحف التي يعد جزءا من مدينة "إسطنبول التاريخية"، وهي مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي إلى مسجد.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمنية آنا نغداليان، إن الجانب الأرمني قلق من قرار سلطات تركيا، المتعلق بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، رغم أنه يعتبر ضمن قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي.

وأضافت المتحدثة أن "هذا القرار، يخلق سابقة خطيرة، في مجال تغيير أهداف ومعاني مواقع التراث العالمي الواردة في قائمة اليونيسكو، وسنشدد على ضرورة وجود مراقبة من جانب المجتمع الدولي وخاصة اليونسكو، بهدف الحفاظ على المواقع التاريخية الموجودة داخل تركيا والتي تتمتع بمثل هذه الصفة".

واعتبرت نغداليان أن "آيا صوفيا ليس مجرد نصب تذكاري للتاريخ والثقافة، بل هو موقع كان له دائما معان دينية وثقافية وسياسية مختلفة. ومنح آيا صوفيا مكانة متحف وإدراجه في قائمة التراث العالمي لليونيسكو جعله رمزا ليس للصراع بين الحضارات، بل رمزا للتعاون ووحدة البشرية".

وآيا صوفيا تحفة معمارية شيدها البيزنطيون في القرن السادس وكانوا يتوجون أباطرتهم فيها. وقد أدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعد واحدة من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول. واستقبلت العام الماضي 3.8 ملايين زائر.

من جهتها أكدت وزيرة الثقافة والشباب في الإمارات نورة بنت محمد الكعبي أن التراث الثقافي يمثل إرثاً بشرياً يجب المحافظة عليه وعدم استغلاله وتغيير واقعه عبر إدخال تعديلات تمس جوهره الإنساني، وخاصة المواقع المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، والتي تمثل قيمة عالمية استثنائية، تشترك فيها جميع الشعوب والثقافات.

وقالت الكعبيفي بيان إن تغيير وضع "آيا صوفيا " في إسطنبول لم يراع القيمة الإنسانية لهذا المعلم التاريخي، الذي لطالما شكل إرثاً عالمياً وقيمة ثقافية وتراثية، وجسراً لتقريب الشعوب وتعزيز الروابط المشتركة فيما بينها.

ونقلت وكالة أنباء الإمارات (وام) عن الكعبي قولها إن حماية التراث الإنساني وصونه يعزز قيم التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب المختلفة، إذ أصبحت مواقع التراث العالمي منصة لتبادل المعرفة بين الثقافات والحضارات المتعددة التي شكلت التاريخ الإنساني على مر العصور.

وكتبت الكعبي على توتير "التراث الثقافي قيمة عالمية إنسانية وإرث بشري لجميع الشعوب والثقافات والحضارات.. مسؤوليتنا صونه و ضمان الحفاظ عليه للأجيال القادمة.. ليبقى شاهداً على تعايش الشعوب والأديان وتسامحها".

وأكدت وزيرة الثقافة على أهمية البيان الصادر من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" الذي شدد على أن "آيا صوفيا" تمثل جزءاً من مدينة "إسطنبول التاريخية"، وهي مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي كمتحف، وهي تحفة معمارية وشاهد فريد على التفاعل ما بين أوروبا وآسيا على مر القرون، ويعكس وضعها كمتحف الطبيعة العالمية لتراثها، ويجعلها رمزاً هاماً للحوار.

اليونان أيضا وجه انتقادات حادة لقرار السلطات التركية حيث أدان رئيس الوزراء، كيرياكوس ميتسوتاكيس، تحويل المتحف التاريخي إلى مسجد ورفع الأذان والصلاة فيه بمباركة الرئيس  رجب طيب أردوغان، قائلاً إننا ندين بشدة تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد، وأكد أن القرار قد أساء إلى هذا المبنى التاريخي الذي يعتبره الجميع ميراثًا ثقافيًا عالميًا.

وحذر ميتسوتاكيس من أن القرار لن يؤثر على علاقة تركيا باليونان فقط، بل إنه سوف يؤثر أيضا على علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن اليونان حذرت مرارًا وتكرارًا من المساس بآيا صوفيا وفقا لموقع "تركيا الآن".

وأشارت وزيرة الثقافة اليونانية، لينا ميندوني، فيوقت سابق بأنّ هذا القرار ناجم عن الإرادة السياسية الشخصية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معتبرةً القرار بأنّه “استفزاز سافر بحق العالم المتحضر بأسره، والذي يعترف بالقيمة الاستثنائية والطابع المسكوني لهذا المعلم الأثري”.

وللرد على القرار التصعيد الذي طال أحد أهم رموز العالم المسيحي،اقترح حزب "الحل اليوناني" تحويل محل ولادة مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك في مدينة سالونيك اليونانية إلى متحف لتخليد ذكرى الإبادة الجماعية اليونانية في منطقة بونتوس المطلة على البحر الأسود.

وقال الحزب السياسي في بيان أصدره في نفس يوم تغيير وضع المعلم التاريخي الذي بني في القرن السادس، "لا يمكن لأي محكمة تركية أن تدنس الشخصية التاريخية لآيا صوفيا".

وقال تقرير "غريك سيتي تايمز"، إن اليونان، والأرمن، والأشوريين ينظرون لأتاتورك كأحد أهم مرتكبي الإبادة الجماعية ضد الأقليات المسيحية في الإمبراطورية العثمانية، مما أدى إلى إبادة ممنهجة لحوالي 3.5 مليون شخص.

وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453 وتغييرهم اسم العاصمة السابقة للامبراطورية البيزنطية إلى إسطنبول، حولوا الكاتدرائية مسجدا في العام نفسه، وقد بقيت كذلك حتى العام 1935 حين أصبحت متحفاً بقرار من رئيس الجمهورية التركية حينذاك مصطفى كمال (أتاتورك) وذلك بهدف "إهدائها إلى الإنسانية".

المتحف استقبل العام الماضي 3.8 ملايين زائر.
3.8 ملايين زائر لمتحف آيا صوفيا العام الماضي

وحذرت دول عدة خصوصا روسيا واليونان الحريصتين على الحفاظ على التراث البيزنطي في تركيا، وكذلك الولايات المتحدة وفرنسا، أنقرة في وقت سابق من تحويل آيا صوفيا مسجدا وهي خطوة يحاول أردوغان المنتمي إلى حزب إسلامي، اتخاذها منذ سنوات. ورفضت اليونسكو "بشدة" هذا القرار "المتخذ بدون حوار مسبق".

وأعربت المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو أودري أزولاي، السبت، عن أسفها الشديد، للقرار الذي اتخذته السلطات التركية من دون إجراء حوار مسبق، بتغيير وضع "آيا صوفيا".

وقالت مصادر من بروكسل إن أعضاء في البرلمان الأوروبي يجمعون توقيعات لتوجيهها إلى المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، وللمدير العام لليونسكو، لإنقاذ معلم آيا صوفيا كموقع للتراث العالمي.
وتجري عملية جمع التوقيعات في البرلمان الأوروبي، بمبادرة من حزب " الديمقراطية الجديدة" اليوناني الحاكم.
ويرجح أن تحظى الرسالة بتوقيعات جميع أعضاء البرلمان الأوروبي وجاء في الرسالة، أن "الحكومة التركية تستغل آيا صوفيا، من أجل ممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي، وبهدف تعكير العلاقات بين الأديان، وهي تثبت بهذه الممارسة، أنها  تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي والمبادئ والقيم الأوروبية ". 

وأعلن المجلس العالمي للكنائس الذي يمثل 350 كنيسة مسيحية أنه بعث برسالة لأردوغان السبت يعبر فيها عن "الحزن والاستياء" إزاء قراره.

وكتب يوان ساوكا الأمين العام بالوكالة لمجلس الكنائس ومقره جنيف في الرسالة أن "آيا صوفيا كانت مكانا للانفتاح والتلاقي والوحي للناس من جميع الأمم والديانات".

وأضاف ساوكا أن ما شكلته آيا صوفيا كان دليلا على "تمسك تركيا بالعلمنة" و"رغبتها في ترك نزاعات الماضي خلفها".

وأعربت وزارة الخارجية الأميركية الجمعة، عن "خيبة أملها"  إزاء الخطوة التركية. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، مورغان أورتاغوس "نحن نشعر بخيبة الأمل إزاء قرار الحكومة التركية تغيير وضع آيا صوفيا".

والجمعة، ألغت محكمة تركية قرارا صادرا في عام 1934 سمح بتحويل "آيا صوفيا" إلى متحف.

وكان أردوغان قد حدد أول صلاة جمعة في آيا صوفيا، يوم 24 يوليو الحالي، وسط استنكار من جانب معظم دول العالم.

ووصف مراقبون ما قام به أردوغان بأنه فصل من فصول الشعبوية الإسلاموية التي يمارسها لانقاذ شعبيته المتآكلة داخليا وخارجيا استعدادا للانتخابات المقبلة، خصوصا أن القرار يعود إلى وعد قديم لناخبيه عندما كان رئيسا لبدلية اسطنبول.

وتزايدت الأنشطة الإسلامية داخل آيا صوفيا منذ وصول أردوغان إلى السلطة عام 2003، وشملت خصوصا جلسات تلاوة للقرآن وصلوات جماعية في ساحة المعلم السياحي والتراثي الهام.